الذكاء الاصطناعي.. بين الوعود الوردية والمخاطر المدمرة - قضايا تكنولوجية - بوابة الشروق
السبت 4 أكتوبر 2025 6:24 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

الذكاء الاصطناعي.. بين الوعود الوردية والمخاطر المدمرة

نشر فى : الجمعة 3 أكتوبر 2025 - 7:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 3 أكتوبر 2025 - 7:13 م

يشهد العالم اليوم ثورة غير مسبوقة فى تقنيات الذكاء الاصطناعى، ثورة تحمل فى طياتها وعودًا عظيمة بإنقاذ الأرواح، وحماية البيئة، وتحقيق تنمية أكثر عدالة واستدامة، لكنها فى الوقت نفسه تثير مخاوف عميقة من سوء الاستخدام وانعكاساته المدمّرة على المجتمعات والأمن الإنسانى. فمن الرعاية الصحية فى الهند، حيث ساهمت الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعى فى الكشف المبكر عن مرض السل بين الفئات المهمشة، مرورًا بدور الذكاء الاصطناعى فى مساعدة الصناعات الثقيلة على تقليل انبعاثاتها الكربونية، وصولًا إلى استغلاله فى العمليات العسكرية والرقابة الجماعية، كما فى الحالة الإسرائيلية فى غزة؛ تتجلى ملامح هذه القوة التقنية مزدوجة الوجه. من هنا، يصبح النقاش حول الذكاء الاصطناعى ليس نقاشًا تقنيًا بحتًا، بل سؤال حضارى وأخلاقى عن مستقبل الإنسان فى عصر تتحكم فيه الخوارزميات بقرارات الحياة والموت.. نعرض فيما يلى ما ورد فى الصحف والمواقع العالمية:

نبدأ مع الأصوات المستبشرة خيرًا بثورة الذكاء الاصطناعى، نشر موقع «Eurasia review» مقالا للكاتبة شوبها شوكلا، بعنوان «كسر الحواجز عبر نشر تقنيات صحية مدعومة بالذكاء الاصطناعى لخدمة الفئات المحرومة»، تناولت فيه تبنى الهند استراتيجية جديدة للذكاء الاصطناعى فى مجال الطب لخدمة الفئات الفقيرة والمهمشة، بخاصة فى مكافحة وعلاج مرض السل. بمعنى أوضح، أطلقت الحكومة الهندية حملة تستمر 100 يوم (وتم تمديدها لاحقًا) للكشف عن مرض السل وعلاجه والوقاية منه بين المجموعات عالية الخطورة، بالاستعانة بأجهزة أشعة سينية محمولة فائقة الخفة تعمل بالبطارية ومزودة بالذكاء الاصطناعى مثل « ProRad»، إلى جانب أجهزة اختبار  «Truenat» الجزيئية المتنقلة، التى ساهمت فى سرعة تلقى النتائج الطبية (فى غضون ساعة تقريبا). وأشارت الكاتبة إلى نجاح الحملة فى الكشف عن أكثر من 285 ألف حالة مصابة بالسل دون أعراض.

ذكرت الكاتبة، أيضا، إنجازات ولاية هاريانا الهندية فى مجال الرعاية الصحية الخاصة بالنساء بإطلاق 9 حافلات رعاية صحية متكاملة تستهدف النساء والفتيات باستخدام تقنيات تشخيص موضعى متقدمة، منها جهاز «Ibreast» للكشف المبكر عن كتل الثدى.

تختتم الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أنه لا يكفى تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعى، بل الأهم هو نشرها فى دول الجنوب العالمى. الدليل على صدق المقولة السابقة هو نجاح استراتيجية الهند فى الجمع بين الذكاء الاصطناعى والمناهج المجتمعية كمسار عملى لضمان وصول الفئات المهمشة إلى الخدمات الصحية المنقذة للحياة.

• • •

لم تترك تقنيات الذكاء الاصطناعى مجالا إلا ووضعت فيه بصماتها، فبمساعدة تقنياته يمكن السيطرة على التهديدات البيئية، إذ نشرت جريدة «The Economist» مقالا بعنوان «الذكاء الاصطناعى يساعد الصناعات الملوثة على أن تصبح أكثر صداقة للبيئة»، تناول إسهامات تقنيات الذكاء الاصطناعى فى الحفاظ على البيئة، إذ أصبح الذكاء الاصطناعى أداة أساسية وفعالة فى مساعدة الصناعات الثقيلة وكثيفة الانبعاثات على خفض استهلاك الطاقة وتخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة (GHG)، مما يدفع بالتحول نحو الاستدامة العالمية.

فى هذا الصدد، ذكر المقال عدة أمثلة على إسهامات تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى مجال الاستدامة البيئية، إذ يستخدم ميناء روتردام منصة   PortXChange المدعومة بالذكاء الاصطناعى لتحليل مسارات السفن وأوقات الوصول المقدرة، مما ساعد شركة شل فى خفض «وقت التعطيل» للسفن بنسبة 20%. كما تستخدم شركة ميرسك (Maersk) الذكاء الاصطناعى لتحليل أداء المحركات والتيارات البحرية، مما خفض استهلاك الوقود بأكثر من 5% ووفر 250 مليون دولار وخفض 1.5 مليون طن من CO2. هذه نبذة بسيطة عن إسهامات الذكاء الاصطناعى فى مجال التنمية المستدامة.

أما فى صناعة الصلب (المسئولة عن حوالى عُشر انبعاثات CO2 العالمية)، تستخدم شركة Gerdau البرازيلية تعلم الآلة (ML) لاقتراح الحد الأدنى من كمية السبائك المطلوبة عند استخدام الخردة، مما أدى إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 3.3% دون تغيير فى المعدات.

• • •

لكن هذه الإسهامات الممتازة لتقنيات الذكاء الاصطناعى لا تنفى وجود مخاطر مهددة لحياة البشر نتيجة الاستخدام السيئ لتقنياته، وهذا ما أثار تخوف الكثيرين من هذه الثورة التقنية، مما دفع بعض الخبراء الأمريكيين إلى تشبيه الذكاء الاصطناعى بـ«سرطان» يهدد البشرية. فمن الناحية العسكرية، استغلت إسرائيل تقنيات الذكاء الاصطناعى فى استهداف الغزاويين، إذ أوضح تقرير نُشر بعنوان «إسرائيل تستخدم الذكاء الاصطناعى لتحديد قادة حماس والعثور على الرهائن فى أنفاق غزة» فى جريدة «The Times of Israel» الاستخدام غير المسبوق لتقنياته فى العمليات العسكرية الإسرائيلية فى غزة، كاشفًا عن تقنيات جديدة تم تطويرها عبر تعاون بين جنود المخابرات النظاميين وجنود الاحتياط العاملين فى شركات تكنولوجية عملاقة مثل ميتا، وجوجل، ومايكروسوفت.

ورد فى المقال عدة أمثلة على أدوات الذكاء الاصطناعى المستخدمة فى الحرب، منها: برنامج تحديد الأهداف الصوتى، إذ تم دمج الذكاء الاصطناعى فى تقنية قديمة لتحديد المواقع الدقيقة للأهداف بناءً على الأصوات (مثل القصف أو المكالمات)، وقد استُخدم لتعقب القيادى إبراهيم بيارى فى حركة «حماس».

التعرف على الوجه: نظام يستقبل صورًا من كاميرات عند نقاط التفتيش المؤقتة لمطابقة الوجوه (حتى المخفية أو المصابة) بالهويات.

أشار التقرير، كذلك، إلى استخدام برنامج يُدعى «لافندر» (Lavender) وهو مسئول عن تحديد احتمالية انتماء الفلسطينيين إلى جماعات مسلحة، بما يسمح للجيش الإسرائيلى بتوليد عدد كبير من الأهداف البشرية المحتملة بسرعة، والذى زُعم أنه ساعد فى تجميع قائمة بـ 37 ألف هدف بشرى، وهو ما نفاه الجيش الإسرائيلى.

من الناحية الأخلاقية، أقر الضباط الإسرائيليون بأن هذه التطبيقات ساعدت فى تسريع المهام، لكنهم اعترفوا بأنها معيبة وتؤدى إلى زيادة المراقبة ووقوع وفيات مدنية واعتقالات خاطئة (بسبب التعرف الخاطئ على الوجوه المشوشة).

دفعت هذه الاختراقات شركة مايكروسوفت إلى وقف خدماتها عن المخابرات الإسرائيلية بسبب المراقبة الجماعية، فكما ورد فى المقال المنشور فى جريدة   «The Guardian» أنهت شركة مايكروسوفت (Microsoft) وصول الوحدة 8200 الاستخباراتية الإسرائيلية إلى بعض خدماتها السحابية (Azure) والذكاء الاصطناعى، بعدما كشف تحقيق صحفى عن استخدام الوحدة لتلك التكنولوجيا فى برنامج مراقبة جماعية واسع النطاق ضد المدنيين الفلسطينيين فى غزة والضفة الغربية.

ختامًا، يتضح أن الذكاء الاصطناعى لم يعد مجرد أداة تقنية محايدة، بل قوة مزدوجة الوجه؛ ففى الوقت الذى يبشر فيه بآفاق رحبة لإنقاذ الأرواح، كما فى التجربة الهندية الرائدة فى مكافحة السل، أو حماية البيئة عبر خفض الانبعاثات وتطوير صناعات أكثر استدامة، نجد الوجه الآخر القاتم فى توظيفه كأداة للرقابة والسيطرة وحتى فى شنّ الحروب، كما حدث فى التجربة الإسرائيلية فى غزة. وبين هذه الازدواجية، تتحدد مسئولية المجتمع الدولى فى صياغة أطر أخلاقية وقانونية تضمن أن تظل تقنيات الذكاء الاصطناعى فى خدمة الإنسان والبيئة، لا وسيلة لتدميره أو تكريس المظالم. فالرهان الأكبر ليس فقط على تطوير التكنولوجيا، بل على كيفية توجيهها بما يخدم قيم العدالة والكرامة الإنسانية.

إعداد وتحرير: وفاء هاني عمر

النصوص الأصلية:

موقع «Eurasia review»

جريدة «The Economist»

جريدة «The Times of Isreal»

جريدة «The Guardian»

 

قضايا تكنولوجية قضايا تكنولوجية
التعليقات