نحو سياسة عربية مختلفة - مصطفى الفقي - بوابة الشروق
الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 1:59 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من يحسم السوبر المصري؟

نحو سياسة عربية مختلفة

نشر فى : الإثنين 3 نوفمبر 2025 - 7:15 م | آخر تحديث : الإثنين 3 نوفمبر 2025 - 7:15 م

يستبد بى شعور يعاودنى من وقت لآخر خصوصًا فى أوقات الأزمات الإقليمية وضغوط المشكلات الدولية على المنطقة العربية، فأتوهم دائمًا ــ وأرجو أن يكون الأمر وهمًا فقط ــ أن السياسات العربية على امتداد قرن كامل على الأقل قد خضعت لنوبات صعود وهبوط لا أحد يعرف متى تنتهى، ولا شك أن القضية الفلسطينية هى العامل المشترك فى كل الفترات التى مضت من معاناة العرب عمومًا والفلسطينيين خصوصًا.

 


دعنا نعترف أن المشكلات التى أحاطت بأطماع الحركة الصهيونية فى الأراضى العربية قد تركت آثارًا غائرة على مستقبل المنطقة ومسيرة شعوبها، فلو أننا تخيلنا العالم العربى بدون إسرائيل فأظن أنه سوف يكون فى وضع أفضل كثيرًا، فلقد استهلكه هذا الصراع واستغرقته ملفات القضية الفلسطينية عبر العقود وكان ذلك على حساب مشروعات التنمية وبرامج الإصلاح فى أرجاء الوطن العربى مما أدى إلى توطين التخلف وتراجع البحث العلمى بل وانهيار العديد من النظم التعليمية العصرية ووقوع البلاد والعباد فى قبضة اللامبالاة والشعور السائد بأن ما هو قائم هو أفضل ما يكون ولا بديل عن ذلك فى حالة مستمرة من الاستسلام الطوعى وتكرار الأخطاء وإضاعة الفرص وتبديد الموارد، ولابد أن نسجل هنا أن الظروف الدولية قد تحالفت هى الأخرى ضد العرب والعروبة والإسلام والمسلمين، فقد ابتلينا بأمراض التعصب والتطرف وترويع الآخرين وإرهاب البعض للبعض تحت مسميات ظالمة فيها افتراء على الحق والحقيقة حتى جرى وصم الإسلام الحنيف بأنه دين عنف وتطرف ورفض للآخر فى وقت شاعت فيه الكراهية فأصبحنا أمام أوضاع لم نكن نتوقعها من قبل، ويبدو أنه من حقنا الآن أن نرصد بعض العوامل التى أدت إلى ما نحن فيه مدركين أن الأوان لم يفت بعد وأن وصولنا المتأخر نسبيًا هو أفضل بالضرورة من عدم الوصول بالمرة. ونرصد ملاحظاتنا على هذا السياق من خلال النقاط الآتية:
أولاً: لقد كررت الأدبيات المتصلة بالتاريخ العربى عبارة شهيرة مؤداها أن العرب أمة ماضوية تتحدث عن الماضى كثيرًا وترتبط به طوال الوقت وفى المقابل تهرب من المستقبل ولا تتحمس له، لذلك هجر العرب البحث العلمى والتكنولوجيا الحديثة، وانخرطوا فى المقابل فى ترديد أساطير الماضى وخزعبلاته، مرددين الأشعار والأذكار وأبيات شعر الحماسة والتغنى بالماضى الذى رحل دون أن يكون هناك أى تصور لرؤى واضحة نحو المستقبل، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تحدث كثير من خصوم العرب أيضًا عن مقولتهم الشهيرة (العرب ظاهرة صوتية) وليس لديهم روح المبادرة أو الرغبة فى التغيير إلى الأفضل، ولاشك أن مثل تلك الشعارات التى تدعو إلى اليأس وتلتصق بالتاريخ العربى القديم والمعاصر إنما هى نتاج طبيعى للرؤية الغائبة والفكر المضطرب على مر القرون.
ثانيًا: يجب ألا ننسى ــ عربًا أو أجانب ــ الآثار التى تركها الاستعمار الغربى والبصمات الواضحة على رؤيته للاختراقات المطلوبة خروجًا من محنة الجمود وهذيان الأوهام، فالأمم القوية تصنعها إرادة واضحة لا تقف عند حدود ضيقة ولا أهدافٍ قصيرة الأجل، ولهذا يجب أن نتذكر دومًا أن تراثنا العربى يدعو إلى الفخار ولكن ذلك لا يدعونا بالضرورة إلى الوقوف عنده نلوك الحديث عنه صباح مساء دون أن نستغرق فى عصر الذكاء الاصطناعى والبحث العلمى المتطور والتفكير الرشيد، نعم إننا الأمة التى ظهر فيها الفارابى وابن سينا وابن الهيثم وذلك القطار الطويل الذى ضم أعلامًا عربية وإسلامية تسعى نحو المستقبل وتضىء طريقه عبر ظلمات العصور الوسطى فى الغرب الذى يناصبنا العداء أحيانًا ويختلف معنا أحيانًا أخرى، فالحضارة العربية الإسلامية لم تقف عند حد ولكنها تجاوزت الجميع لكى تكون مكونًا أساسيًا فى المجتمعات الصاعدة، لقد آن الأوان لكى نتصرف بروح التضامن وسلوك قومى راسخ حتى تصبح العواصم والمدن العربية مناراتٍ للتميز والتفوق فى ميادين الفكر والعلم والثقافة والانطلاق نحو روح العصر والامتيازات المختلفة التى جاء بها التقدم العلمى والتكنولوجى خصوصًا بعد انحسار الظاهرة الاستعمارية وبروز حركات التحرر الوطنى التى قادها الملك ابن سعود فى الحجاز ثم انتشرت واتسعت أركانها فى أرض الجزيرة العربية، لذلك فالأمر يستحق منَّا أن نرفع الرأس عاليًا وأن نزاحم بشدة بين الدول الأخرى مؤمنين بالقناعات التى نملكها والرؤى التى اتبعناها، ولقد عرفت كثير من الأقطار العربية حالة الرواج التى تعيشها شعوبها بمنطق الثروة التى هبطت عليهم بعد اكتشاف الزيت بكميات اقتصادية كبرى تمهيدًا لتصديرالخام منه .
ثالثًا: لقد صحا الشرق من سباتٍ طويل ليكتشف أن خصومه فى الشمال والغرب يحاولون مطاردة العناصر الغربية المعترف بها، لا رفضًا لها ولكن لأنها كما هو الحال فى كل زمان ومكان، حيث المرء عدو ما يجهله، فلقد تخصص البريطانيون والفرنسيون فى السطو على أرض الغير ونجحوا إلى حدٍ كبير فى التأثير على الرأى العام، لأن الغرب فى تلك الفترة كان هو صانع الحياة وهو سيد التطور فانقضت بريطانيا على دول حوض النيل وانفردت فرنسا بدول المغرب العربى وظلت منطقة الخليج والجزيرة العربية مصدر لهفة للتواصل مع الدولة السعودية التى تتمسك بشدة بالحقوق الفلسطينية وتربط الحل النهائى بغاياتها التى سعت إلى توظيفها منذ البداية أيام وعد بلفور وفى النهاية عند من يقبلون بالضغوط العنصرية ويلوحون بالشعارات الإرهابية.
رابعًا: إن الذين زرعوا الفرقة بين صفوف العرب وتمكنوا من تشويه صورتهم أمام العالم هم أنفسهم المستفيدون من حالة الإقصاء التى شعر بها أشقاؤنا عبر التاريخ، فلم تعد مصر ضيعة يستنزف خيرها الدخلاء ويمتص عرق شعبها الطامعون، إذ أن الأمر المؤكد أننا كعرب فى أشد الحاجة لتأكيد المعنى الصحيح للتضامن العربى والدفاع عن الهوية القومية، ولقد لاحظنا فى مؤتمر شرم الشيخ الأخير أن الدول العربية اتحدت فى رؤيتها وازدادت تمسكًا بالحقوق الفلسطينية وتشبثًا بوحدة الأرض وحرصًا على حقوق الأجيال القادمة برغم كل الضغوط والتحديات والألاعيب التى توحى لنا أن الغرب لا يتوقف عند حد وأن أطماعه بلا نهاية.
خلاصة القول إننا مطالبون بالتغيير الشعبوى الصحيح الذى يقوم على قراءة عادلة لكل المعطيات العربية المتاحة مؤمنين بأن كل عبث بالخريطة السياسية لشعوب المنطقة هو تجاوز مرفوض وفكر مغلوط فى كل الأحوال، لأن الأمم لا تعيش على ماضيها فقط ولا تهرب من حاضرها أبدًا ولا تنسى بالضرورة مستقبلها مهما كانت الضغوط والأطماع والتحديات، ولاشك أن عرب اليوم يختلفون عن عرب الأمس وقد أصبحت لديهم قناعة راسخة بأن الهجوم بالسلام وعناصره العادلة هو أفضل المفاتيح لارتياد المستقبل والمضى فيه.
إننا ندعو الجميع عربًا وقوميات مجاورة من ترك وكرد وفرس إلى أن يعلموا جميعًا أن المستقبل تصنعه الأفكار الواضحة الموحدة والعزيمة الصلبة والرغبة الحقيقية فى التغيير إلى الأفضل والمضى قدمًا مهما كانت القيود والظروف والملابسات بل والتحديات أيضًا، ولاشك أن الأخذ بالأساليب العلمية والاندفاع نحو تكنولوجيا العصر هو الضمان الرئيس لتحول إيجابى للعرب فى أقطارهم المختلفة ولعله مما يرفع المعنويات التأكيد اليوم على أن الفارق بين الشباب العربى والشباب الأجنبى فى الدول المتقدمة هو فارق ضئيل بحكم شيوع أسباب المعرفة وأدوات العلم وعناصر الاستنارة فى العالم الحديث، فالشباب العربى فى كل الأقطار أصبح يملك مفاتيح التكنولوجيا الحديثة والمعارف العصرية والعلوم المتقدمة، وما أكثر النماذج التى رأيتها شخصيًا فى دول الخليج وأقطار الوطن العربى شرقًا وغربًا وكلها تؤكد أننا نمضى على الطريق الصحيح رغم كل العثرات والمربكات والاستهداف السلبى لحضارتنا وأسباب وجودنا.

 


نقلا عن إندبندنت عربية

التعليقات