شم النسيم - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شم النسيم

نشر فى : الأحد 4 أبريل 2010 - 9:18 م | آخر تحديث : الأحد 4 أبريل 2010 - 9:18 م

 تغنى الشعراء بالربيع وأزهاره، واستقبله الناس بأغانيه وأسراره، واحتفلت الشعوب بأعياده بغض النظر عن الثقافة والجنس.. ففيه تعيد الطبيعة إسباغ زينتها وخضرتها.. تتبدل الفصول والألوان، وتختلف الظلال والثمار. تورق الأشجار بعد جفاف، ويمتلئ الهواء بعبق الورد وحبوب اللقاح.. إيذانا بفصل جديد من الخصب والنماء.

فى هذا الوقت من السنة كنت أحب كثيرا مراقبة الطيور المهاجرة، قادمة من أدغال أفريقيا فى اتجاه الشمال، تبحث عن أجواء الربيع المنعشة فى غابات أوروبا، تحمل معها نسيم الحرية وتذكرنى دائما بأفواج الشباب المصرى المهاجر إلى أوروبا وهى تغامر بحياتها بحثا عن الرزق والحرية. وكثيرا ما تدفع الثمن غرقا فى مياه المتوسط، وعندما جلبت معها إنفلونزا الطيور قبل عامين لم أضق بها وهى تصطدم أحيانا بزجاج النافذة. وتكتشف بنفسها لؤم الإنسان وما يخفيه من خير وشر.. وهى تعبر حواجز العالم بحثا عن شىء أبعد من مجرد حياة جديدة!

فى شم النسيم اعتاد المصريون الخروج لملاقاة الطبيعة. وفى طفولتنا البعيدة كنا نخرج يوم شم النسيم لنقترب من مياه النيل أو نصعد الجبل ونبحث عن الطيور النادرة. كانت فرق «الكشافة» فى المدارس تذهب إلى قلب الصحراء فى رحلات منظمة لاكتشاف الطبيعة أو لزيارة الآثار والأديرة، أو لتجربة الحياة بعيدا عن المدينة فى خيمة.. وكان البعض الآخر يعود إلى أحضان الريف لزيارة أهله وقريته.

انقضى كل ذلك الآن فى ظل ثقافة الأمن الجاهل والخوف من المجهول. وانقسم المجتمع إلى فئتين: طبقة ثرية تعيش خلف الأسوار وتخرج إلى المنتجعات المغلقة على الشواطئ وأعالى الجبال. وطبقة هى الأغلبية، تأوى إلى بيوت كالعشوائيات أو عشوائيات كالبيوت.. تهج يوم شم النسيم إلى الخلاء مثل أسراب الجراد، تغزو كل بقعة خضراء فى قلب المدينة. وحين يفيض طوفان البشر من أسوار حديقة الحيوان إلى شواطئ النيل، لا تجد لها من سبيل غير السفن المتهالكة والمعديات الكسيحة.

يتكدسون فيها مثل السردين. وينتهى الأمر غالبا إلى غرق معدية أو اثنتين، بعد أن تمتلئ أجواء المدينة بروائح الفسيخ والملوحة، بديلا عما كان الناس قديما يفضلونه من البصل والخس والملانة والبيض الملون.. استبدلنا فى ظل العولمة والانفتاح الرنجة المحفوظة والفسيخ البلدى والمعلبات، بالخضروات الطبيعية الطازجة. والحقيقة أنه لم يعد هناك فرق كبير. بعد أن أغرقت مياه المجارى كل الزراعات والحقول والقنوات ومزارع السمك.

ورحم الله أبوالقاسم الشابى حين قال:
قد كنت فى زمن الطفولة والسذاجة والطهور
أحيا كما تحيا البلابل والجداول والزهور
لا تحفل الدنيا بأهلها. تدور أو لا تدور.
واليوم أحيا مرهق الأعصاب مشبوب الشعور
تمشى على قلبى الحياة ويزحف الكون الكبير!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات