هل نحتاج إلى المستبد العادل؟ - علاء الأسواني - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل نحتاج إلى المستبد العادل؟

نشر فى : الثلاثاء 4 مايو 2010 - 9:54 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 4 مايو 2010 - 9:54 ص
كان الأربعاء الماضى يوما سيئا فى حياة جوردون براون، زعيم حزب العمال ورئيس وزراء بريطانيا. كان مستر براون يقوم بجولة انتخابية فى مدينة روكدال فى مقاطعة مانشستر، وأثناء حديثه مع الناس فى الشارع ظهرت أمامه مواطنة بريطانية اسمها جيليان دوفى وهى موظفة متقاعدة فى السادسة والستين من عمرها، اشتبكت جيليان مع براون فى مناقشة ساخنة أمام كاميرات التليفزيون اشتكت خلالها من المهاجرين الذين يأتون من أوروبا الشرقية إلى بريطانيا فيأخذون فرص العمل من البريطانيين.

حاول رئيس الوزراء أن يقنعها بصحة سياسة حكومته فى التعامل مع المهاجرين لكن جيليان ظلت متشبثة برأيها فما كان من براون إلا أنه أنهى الحوار بلباقة وسأل جيليان عن أولادها وأحفادها ثم صافحها بود وعاد مسرعا إلى سيارته ليلحق بموعد آخر.

لكن جوردون براون، لسوء حظه، نسى أن يغلق الميكروفون الصغير المعلق فى سترته وبالتالى استمر الميكروفون ينقل إلى شبكات التليفزيون حديث رئيس الوزراء إلى مساعديه فى السيارة. كان براون غاضبا من حواره مع السيدة جيليان وما أن دخل إلى السيارة حتى قال لمساعديه:
«هذه مصيبة، من الذى اقترح لقائى بهذه السيدة؟!. إنها امرأة متعصبة».
تم نقل كلمات براون فى وسائل الإعلام جميعا وبعد ساعة واحدة كانت الفضيحة تتردد فى كل أنحاء بريطانيا: رئيس الوزراء أهان مواطنة بريطانية واتهمها بالتعصب لمجرد أنها تخالفه فى الرأى، وزاد الحريق اشتعالا أن وسائل الإعلام أخبرت السيدة جيليان برأى رئيس الوزراء فيها فغضبت غضبا شديدا.

وهكذا وجد جوردون براون نفسه فى ورطة حقيقية قبل أيام قليلة من إجراء الانتخابات العامة (يوم 6 مايو المقبل). اتصل رئيس الوزراء هاتفيا بجيليان ليبلغها باعتذاره لكن ذلك لم يكن كافيا، ظهر براون على شاشة التليفزيون البريطانى وكان المذيع قاسيا معه فأسمعه أولا تسجيلا لما قاله عن جيليان ثم سأله: «هل تلوم نفسك على هذا الذى قلته؟» ..فأجاب رئيس الوزراء أنه يلوم نفسه وأنه لن يكرر ذلك أبدا فى المستقبل ثم أعلن اعتذاره لجيليان أمام الشعب البريطانى..

لكن ذلك أيضا لم يكن كافيا لمحو فعلة رئيس الوزراء الشنعاء فما كان منه إلا أن عاد إلى مدينة روكدال وذهب إلى المواطنة جيليان فى بيتها وقضى هناك أربعين دقيقة يكرر اعتذاره لها.. أخيرا قبلت جيليان اعتذار رئيس الوزراء لكنها رفضت أن تخرج معه لتعلن عفوها عنه أمام وسائل الإعلام فخرج جوردون براون وحده وأعلن مرة أخرى أنه أخطأ وأنه نادم لكنه يحس بالراحة لأن السيدة جيليان تفضلت بقبول اعتذاره. فى نفس الوقت الذى كان فيه رئيس وزراء بريطانيا يلح فى الاعتذار لمواطنة بريطانية بسيطة لمجرد أنه وصفها بالتعصب فى حديث خاص تم تسجيله عن طريق الخطأ.. كان مئات المواطنين فى مصر ينامون منذ شهور، مع زوجاتهم وأطفالهم فى الشارع أمام مجلس الوزراء ومجلس الشعب. هؤلاء النائمون فى العراء مندوبون عن ملايين المصريين الفقراء الذين تدهورت أحوالهم لدرجة أنهم لا يجدون ما ينفقون به على أولادهم. على أن رئيس الوزراء المصرى أحمد نظيف لم يكلف نفسه مشقة الخروج إلى هؤلاء البؤساء والاستماع إليهم أو محاولة مساعدتهم بأية طريقة بل انه تركهم وسافر مع عروسه الجديدة فى رحلة استجمام إلى الغردقة.

أما الشبان الذين تظاهروا من أجل تعديل الدستور وطالبوا بالحرية وإلغاء قانون الطوارئ فقد تم ضربهم وسحلهم واعتقالهم بواسطة قوات الأمن المركزى (جيش الاحتلال المصرى) بل إن بعض نواب الحزب الحاكم طالبوا بإطلاق الرصاص عليهم.. هذه المفارقة الغريبة بين سلوك رئيسى الوزراء فى مصر وبريطانيا لابد أن تدفعنا إلى التساؤل: لماذا تتعامل السلطات فى بريطانيا مع المواطنين بكل هذا الاحترام بينما تتعامل السلطات فى مصر مع مواطنيها باعتبارهم مجرمين أو حيوانات؟.. الفرق هنا ليس أخلاقيا وإنما هو سياسى..

لا يوجد دليل على أن جوردون براون أفضل أخلاقيا من أحمد نظيف لكن براون رئيس وزراء منتخب فى نظام ديمقراطى وبالتالى فهو يعلم أنه خادم للشعب الذى هو مصدر السلطات جميعا ويعلم أيضا أنه لو خسر ثقة الناخبين فإن ذلك يعنى نهاية مستقبله السياسى، أما أحمد نظيف فهو ليس منتخبا من الأساس وإنما هو معين من الرئيس مبارك وبالتالى فإن ما يهمه ليس ثقة الناس وإنما رضا الرئيس، كما أن الرئيس مبارك نفسه لم ينتخبه أحد وإنما هو يقبض على السلطة منذ ثلاثين عاما بواسطة القمع والانتخابات المزورة.

وبالتالى فإن ثقة المصريين لا تهمه كثيرا مادام قادرا على إخضاعهم عن طريق أجهزة الأمن. ولو كان جوردون براون يحكم بريطانيا بالتزوير وقانون الطوارئ لما اعتذر للسيدة جيليان بل كان غالبا سيأمر بالقبض عليها وإرسالها إلى أقرب مقر لأمن الدولة حيث يتم ضربها وتعليقها من قدميها كالذبيحة وصعقها بالكهرباء فى مناطقها الحساسة، وربما كانت السيدة جيليان ستحاكم أمام محكمة أمن الدولة (طوارئ) بتهمة إثارة البلبلة وإهانة رموز الدولة وتهديد السلم الاجتماعى فى بريطانيا. إن طريقة تولى الحاكم للسلطة هى التى تحدد سلوكه أثناء الحكم. هذه الحقيقة التى صارت راسخة فى العالم المتقدم مازالت غائبة عن بعض المصريين الذين يحاسبون الحاكم على سياساته فى السلطة ولا يتوقفون كثيرا عند طريقة توليه للحكم.

بعض المصريين مازالوا يحلمون بالمستبد العادل، الذى تكون إرادته فوق القوانين جميعا لكنه يستعمل قوته الباطشة فى تحقيق العدل. إن فكرة المستبد العادل، تماما مثل اللص الشريف والمومس الفاضلة.. ليست سوى تعبيرات وهمية فارغة من المعنى إذ كيف يكون المستبد عادلا اذا كان الاستبداد ذاته ظلما فاحشا؟!.. إن مفهوم المستبد العادل قد تسرب إلى العقل العربى عبر عصور طويلة من الاستبداد. من الإنصاف أن نذكر هنا أن الإسلام الحقيقى قد قدم نموذجا ديمقراطيا عظيما قبل أوروبا بقرون طويلة. يكفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختر خليفة له ليترك للمسلمين حرية اختيار من يحكمهم بل إن ثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة كانوا منتخبين من الناس وخاضعين تماما للرقابة الشعبية كما يحدث اليوم فى أفضل بلد ديمقراطى. إن أبا بكر الصديق رضى الله عنه، أول حاكم فى الإسلام، ما أن تولى السلطة حتى خطب قائلا: «أيها الناس لقد وليت عليكم ولست بخيركم. فإن أحسنت فأعينونى وإن أسأت فقومونى، أطيعونى ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم».

هذه الخطبة العظيمة قد سبقت الدساتير الحديثة بقرون فى تحديد العلاقة الديمقراطية بين الحاكم والمواطنين. على أن ديمقراطية الإسلام الأول قد انتهت سريعا لتبدأ عصور طويلة من الاستبداد، وضع خلالها فقهاء السلطان الدين فى خدمة الحاكم فنزعوا عن المسلمين حقوقهم السياسية وأسسوا لفكرتين فى منتهى السوء والخطورة. الفكرة الأولى «إن الحكم لمن غلب» وهى تمنح الشرعية لكل من يغتصب السلطة مادام يستطيع الحفاظ عليها بالقوة، والفكرة الثانية: «إن طاعة المسلمين للحاكم واجبة حتى وإن كان ظالما وفاسدا».. هاتان الفكرتان أحدثتا فجوة فى وعى المسلمين بالديمقراطية مما جعلهم أميل للإذعان وأكثر قابلية للاستبداد من الشعوب الأخرى.

إن الأوضاع فى مصر قد وصلت إلى الحضيض فصار معظم المصريين يطالبون بالتغيير الذى يحقق لهم العدل والكرامة والحرية. يجب أن ندرك أن التغيير لن يتحقق أبدا بواسطة شخص مهما تكن نواياه حسنة وأخلاقه فاضلة.. التغيير سوف يتحقق بنظام جديد عادل يتعامل مع المصريين باعتبارهم مواطنين كاملى الأهلية والحقوق وليسوا رعايا وعبيدا لإحسان الحاكم... عندما يتمكن المصريون، بإرادتهم الحرة، من انتخاب من يحكمهم ومن يمثلهم فى مجلس الشعب، عندما يتساوى المصريون جميعا أمام القانون.. عندئذ فقط سيبدأ المستقبل وسيكون رئيس الجمهورية فى مصر حريصا على كرامة كل مواطن تماما كما حدث فى بريطانيا الأسبوع الماضى.
الديمقراطية هى الحل

علاء الأسواني طبيب أسنان وأديب مصري ، من أشهر أعماله رواية عمارة يعقوبيان التي حققت نجاحا مذهلا وترجمت إلى العديد من اللغات وتحولت إلى فيلم سينمائي ومسلسل تليفزيوني ، إضافة إلى شيكاجو ونيران صديقة ، وهو أول مصري يحصل على جائزة برونو كرايسكي التي فاز بها من قبله الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا ، كما أنه صاحب العديد من المساهمات الصحفية.
التعليقات