إرهاصات الربيع فى السودان؟ - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 8:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إرهاصات الربيع فى السودان؟

نشر فى : الأحد 4 ديسمبر 2016 - 11:00 م | آخر تحديث : الأحد 4 ديسمبر 2016 - 11:00 م
لا أستطيع أن أدعى بأن إرهاصات الربيع العربى وصلت إلى السودان، إلا أن الثابت أن غضب الجماهير هناك بلغ مبلغه، حتى تم الإعلان عن عصيان مدنى هناك لمدة ثلاثة أيام خلال الأسبوع الماضى. ذلك أن المجتمع ضاق بعمليات قمع الحريات والتنكيل بالمحامين والصحفيين، وهى الحملات التى استمرت طوال السنوات الأخيرة، ثم جاءت أزمة الغلاء التى ترتبت على رفع أسعار المحروقات بنسبة ٣٠٪ إضافة إلى رفع أسعار الأدوية، فلم يكن هناك بد من انفجار الغضب الذى تمثل فى رفع منسوب الاحتجاج والإعلان عن العصيان المدنى. (الرئيس عمر البشير تحت ضغط الرأى العام أصدر قرارا بإلغاء الزيادات الجديدة فى أسعار الدواء وأقال الأمين العام لمجلس الأدوية من وظيفته).

كانت الأجهزة الأمنية السودانية قد دأبت على مصادرة الصحف التى تنقل أخبار معاناة الناس ومظاهراتهم. وتعمدت أن تتم المصادرة دون ذكر أية أسباب، وبعد تمام الطباعة، لإجبار الصحف على إتلاف ما طبعته وتحميلها خسائر مادية يؤدى تكرارها إلى إنهاك الصحف وتعجيزها عن الصدور. وإذا كانت المصادرة الأمنية قد أصبحت تقليدا مستقرا خلال السنوات الأخيرة، إلا أن معدلاتها تزايدت بشكل ملحوظ خلال الأسبوع الماضى. إذ صار مألوفا أن تصادر يوميا ما بين صحيفتين وخمس. حيث حرصت السلطة على كتمان أخبار العصيان المدنى والمظاهرات التى تخرج مؤيدة له. (يوم الأربعاء ٣٠/١١ تمت مصادرة الصحف الخمس التالية: التيار ــ الأيام ــ الجريدة ــ اليوم التالى ــ الوطن).

العصيان المدنى له تاريخ فى السودان، فقد أدى العصيان الذى أعلن فى ستينيات القرن الماضى إلى سقوط حكم الفريق إبراهيم عبود، وفى الثمانينيات أدت المظاهرات إلى سقوط حكم الرئيس جعفر نميرى واستيلاء الجيش على السلطة التى تولاها الفريق عبدالرحمن سوار الذهب الذى سلمها إلى السيد الصادق المهدى بعد إجراء انتخابات ديمقراطية فاز فيها حزب الأمة، إلا أن انقلابا عسكريا تم عام ١٩٨٩ جاء بالرئيس عمر البشير إلى السلطة، التى يتولاها منذ ذلك الحين.

غضب الجماهير السودانية عبرت عنه أبرز القوى السياسية (أحزاب الأمة، والاتحادى الديمقراطى والمؤتمر) إضافة إلى بعض النقابات المهنية. وقد شكل هؤلاء تحالف قوى المعارضة ومبادرة المجتمع المدنى مع بعض الشخصيات الوطنية. ووجهوا مذكرة إلى الرئيس البشير طالبته بالتنحى وتسليم السلطة إلى الشعب (إدارة المراسم بالقصر الجمهورى رفضت استلامها بحجة أن الرئيس موجود خارج البلاد). وجاء فى المذكرة الموجهة إلى البشير «أن البلاد تمر بمنعطف حرج وخطير وأنتم تتحملون فيه كامل المسئولية عما حدث خلال ٢٧ سنة، نتيجة انقلابكم على سلطة منتخبة واتباعكم سياسة التمكين السياسى والاقتصادى ومصادرة الحريات وتصعيد الحرب فى الجنوب حتى تم فصله... وأمام هذا الفشل التام وعجز النظام وتخليه عن مسئوليات الحكومة تجاه الشعب، وافتقاده الشرعية السياسية والمشروعية الشعبية، وفقدانه الأهلية الأخلاقية والمهنية، نطالبكم بحل السلطة القائمة والتنحى عن السلطة فورا وتسليمها إلى الشعب السودانى، لإقامة سلطة انتقالية تؤسس لدولة مدنية ديمقراطية».

لدى ملاحظتان على المشهد السودانى، الأولى أن قمع السلطة كان له سقف لم تتجاوزه، حيث تم الاكتفاء بمصادرة الصحف وإطلاق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين من المحامين والصحفيين وغيرهم، بحيث لم ترق فيه دماء تذكر. وتلك بادرة إيجابية فى زماننا. الثانية أن أخبار العصيان لم تحاصر داخليا فقط، وإنما عربيا أيضا إذ كان النشر شحيحا عنها فى وسائل الإعلام العربية. حتى بدا وكأن ثمة توافقا على حجب أصوات الجماهير الغاضبة حيث كانت، حتى لا تتناثر الشرارات هنا وهناك. خصوصا أن التجربة أثبتت أن الله سبحانه وتعالى يضع سره ــ أحيانا ــ فى أضعف خلقه.

 

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.