كتالوج البقاء - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كتالوج البقاء

نشر فى : الجمعة 5 يونيو 2009 - 7:49 م | آخر تحديث : الجمعة 5 يونيو 2009 - 7:49 م

 بالرغم من أن أحدا من مسئولينا لم يعد قادرا على إدهاشنا بعد أن نحست جلودنا من كثرة ما تلقت ما سمعنا منهم. إلا أننا يجب أن نسجل دهشتنا ربما تكون الأخيرة تجاه هذا الفريق الذى طالما فطسنا من الدهشة طوال السنوات الماضية. يتحفنا أحد كبار المسئولين فى حديث أخير له لقناة (سى.إن.إن) بالقول بأن التوزيع غير العادل للثروة هو أفضل من التوزيع العادل للبؤس.

والحقيقة أن الدهشة لا تأتى من كون هذا المسئول البارز جدا ينحاز لفكرة الظلم مفضلها عن العدل، ولكن الدهشة أنه يعلن هكذا بمنتهى الجرأة عن انحيازاته بدون مواربة. هو يفضل أن يحيا بعض الناس فى بحبوحة من العيش بينما كثيرون يعيشون فى بؤس، ذلك أفضل كثيرا لديه من أن يعيش الجميع فى بحبوحة من البؤس.

ولا أعرف لماذا لا يهتم مسئولونا مرة بأن يطلبوا من معاونيهم تزويدهم «بكتالوج» الشعب المصرى لأنهم لو فعلوا وحصلوا عليه سيدلهم على كثير مما يجهلونه. وسيعفون أنفسهم من الوقوع كثيرا فى صورة من يعيشون فى بلد ترانزيت لا يهمهم كثيرا التعرف على ناسها.

كتالوج البنى آدم المصرى يقرأ من عنوانه. والعنوان العريض له والذى يتفق المصريون عليه فيما بينهم (إلا قليلا منهم) هو أن العدل حتى فى الظلم منتهى العدل.

فتجد البنى آدم من دول يتحمل أن يأكل رغيفا غير مطابق للمواصفات الحيوانية بمنتهى الرضا محتسبا صحته وعافيته عند الله، فى مقابل ألا يرى غيره وهو يقيم حفلا يستقدم فيه موائده من أفخم ما أنتجته المحال والفنادق الفرنسية التى تكفى بقايا الحفل لإعاشة جيش من المحتسبين لصحتهم من البنى آدمين إياهم. ويتحمل ذات المواطن بنفس راضية أن يفطس داخل عربة مترو خلت من مروحة نصف عمر تقيه من قيظ الحر وغيظ النفس عندما لا يرى إعلانات المنتجعات التى ابتكر أصحابها شواطئ بأسقف تحمى المصطافين من مجرد لسعة الشمس.

وإذا لم يكن لدى هذا الفريق متسعا من الوقت لتوفير الكتالوج، لدواعى الانشغال بالتوزيع غير العادل للثروة، فيمكن الرجوع لبعض الدراسات الجاهزة منها الدراسة المهمة التى قام بها أصدقاؤهم فى البنك الدولى الطيبون، الذين حشروا شئون الفقراء على أجندتهم فى السنوات الأخيرة، بالتعاون مع جهاز الإحصاء. حيث إنهم زاروا عينة من 3690 أسرة فى مصر منذ أربع سنوات وعادوا وزاروها مرة أخرى العام الماضى. وتبين لهم نتائج كثيرة، ولكن أهمها على الإطلاق هو أن النمو المرتفع فى الناتج الذى تحقق طوال السنوات الماضية إذا لم يكن قد صاحبه توزيع غير عادل للثروة كان من الممكن أن يؤدى إلى انخفاض الفقر بنحو 30%.

ولكن كل ما تحقق هو انخفاض عدد الفقراء بنسبة 11% خلال هذه السنوات، بينما دخل 9% ممن كانوا غير فقراء فى عام 2005 لينضموا جددا إلى صفوف قدامى الفقراء العام الماضى. أى أن كل ما تحقق من سنوات النمو، التى لم نعد حتى قادرين الآن على تحقيقها فى ظل الأزمة، هو انخفاض الفقر بنسبة 0.5% سنويا.

أى أنه كان هناك فرصة حقيقة لقطاع كبير من الفقراء، فى السنوات الماضية، لكى يخرجوا من البؤس ضاعت عليهم بفضل الأفكار التى يحملها بعض المسئولين الذين يفضلون الثراء للبعض أفضل من البؤس للجميع. فهذه السياسات معناها ليس فقط إبقاء الوضع على ما هو عليه، ولكن استفحاله أكثر وأكثر. لأن معنى عدم تحسن أحوال الفقراء فى ظل سنوات النمو، أنه سيكون هناك استفحال مؤكد فى وضع الفوارق الطبقية فى ظل الأزمة الحالية، ما يتهدد معه وجود هذا الفريق الثرى.
لذلك يجب على هذا الفريق أن يسارع بالبحث عن الكتالوج من أجل الإبقاء ليس على ثرائه ولكن على بقائه.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات