لا يهم كم مرة سيتم ملء سد النهضة.. ولكن المهم النجاح دبلوماسيًا فى حل الأزمة - معتمر أمين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا يهم كم مرة سيتم ملء سد النهضة.. ولكن المهم النجاح دبلوماسيًا فى حل الأزمة

نشر فى : الثلاثاء 6 يوليه 2021 - 7:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 6 يوليه 2021 - 7:30 م

ضبط النفس فى أوقات الشدة من أثقل المهام على نفس أى مسئول. فعليه تحمل ضغوط نفسية متعددة لفترة من الزمن لحين زوال الشدة. وقد يفوق الضغط قدرة المسئول على ضبط النفس، ثم يسرع فى اتخاذ قرار لينهى الأزمة، تبعا للمثل الشعبى «وقوع البلاء ولا انتظاره»، ثم يجد نفسه فى وسط معمعة لا أول لها من آخر. شيء من هذا القبيل جرى للعراق عندما زادت الضغوط الداخلية على الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين، الذى اعتبر نفسه وبلاده منتصرين فى الحرب ضد إيران والتى استمرت ثمانى سنوات. وبعد نهاية الحرب عام 1988، بدأت معركة إعادة التعمير. لكن تفاجأ صدام حسين بتدنى سعر برميل البترول حتى وصل لأقل من 10 دولارات للبرميل. وبدأ يبحث عن مخرج، ووجد ضالته فى التفاهم مع دول الخليج على تخفيض إنتاج البترول لعل السعر يعاود الارتفاع ويسعف مالية العراق. ولكن هذا لم يحدث، بل تبادل العراق والكويت الاتهامات، ونشبت بينهما معركة كلامية، لم تستطع العراق خلالها التحلى بضبط النفس، واتخذ صدام حسين قرارا بإنهاء الأزمة باجتياح الكويت! ومنذ تلك اللحظة عام 1990 سقط العراق فى براثن الولايات الأمريكية، التى لم تتوانَ عن ضرب العراق، وعزله، ثم حصاره لاثنتى عشرة سنة، انتهت بغزو العراق عام 2003، حتى تمزقت الدولة، ولم يعد منها إلا واجهة لقوى إيرانية تتحرك بجواز سفر عراقى.
•••
نفس الشىء كان من الممكن أن يحدث لمصر إذا بدأت حرب أكتوبر المجيدة بدون استعداد كافٍ. فلو أن الرئيس الراحل أنور السادات لم يقوَ على ضغوط الجبهة الداخلية، التى كانت تضغط لإطلاق معركة العبور واستعادة الأرض، ورضخ لمطالب الناس قبل استكمال استعداد القوات، لكانت معركة أكتوبر تحولت لمأساة تاريخية مزمنة. لكن الرئيس السادات تحمل مشاق هائلة من أجل اتخاذ القرار السليم فى التوقيت السليم. فلقد تحمل الرجل النكات التى وصلت لمسامعه من أقرب الناس إليه، تنال من مصداقيته، ومن قدرته على الفهم، بل ومن قدرته على اتخاذ القرار السليم. وحتى إبان اتخاذ القرار بتوقيت معركة العبور كان لسان حال الرئيس السادات يشجى بالهموم، والتى كان أهمها ما رواه بنفسه لمحدثه، بأن الشعب لن يرحمه إذا لا قدر الله خسر المعركة. ومن المفارقات ما حكاه الراحل حسنين هيكل عن المشير أحمد إسماعيل. فلقد قابله الأستاذ هيكل أكثر من مرة أثناء كتابة وتعديل التوجيه الاستراتيجى من الرئيس السادات للقوات المسلحة لتحديد مهام الجيش فى الحرب. وحكى الأستاذ بأن المشير إسماعيل قال: «محدش عارف الجمعة الجاية هنكون فين». إلى هذه الدرجة كان ثقل اللحظة على قائد الجيش الذى يستعد منذ سنوات. ثم أتى نصر الله والعبور بملحمة وطنية خالدة. والآن قارن بين نتائج غزو العراق للكويت بقرار خاطئ، ونتائج حرب أكتوبر بقرار صائب.
وهذا المقال ليس للمقارنة بين مصر والعراق، ولا مقارنة بين صدام والسادات، ولكنه تنبيه لأمر يجرى الآن مشابه للظروف الضاغطة التى مرت بها مصر ونجحت فيها ثم مرت بها العراق وفشلت فيها. والحديث عن سد النهضة والأصوات التى تضغط بشدة لكى نقوم بعمل يمنع الملء الثانى لسد النهضة. وكأننا لم نستوعب الدرس المكرر فى منطقتنا. ونرجو من السادة المتحمسين لاتخاذ تدابير قمعية، تفرض على إثيوبيا عدم المضى قدما فى الملء الثانى، التنبه إلى ما جرى فى مارس الماضى، فلقد أدانت 31 دولة فى مجلس حقوق الإنسان انتهاك الحريات فى مصر، بينما فى الشهر ذاته، «أعلنت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أنها منحت الضوء الأخضر لإجراء تحقيق مشترك يتعلق بمنطقة تيجراى مع الحكومة الإثيوبية، وذلك ردا على إبداء هذه الأخيرة استعدادها للعمل مع خبراء دوليين فى مجال حقوق الإنسان لإجراء تحقيقات فى المزاعم حول وقوع جرائم حرب فى المنطقة». هل تتصور إلى أى مدى طاشت بوصلة حقوق الإنسان، حيث تدين إجراءات قانونية، تجرى بأمر من النيابة العامة والقضاء وفى حضور محامين للدفاع، بينما لا تدين مجازر تجرى فى إقليم تيجراى على يد قوات الجيش الإثيوبى والجيش الإريترى وتكتفى بفتح تحقيق مشترك. وهذا لا يعنى فشل حملة مصر الدبلوماسية على الصعيد الدولى لشرح مخاطر سد النهضة وتعرية الموقف الإثيوبى. بل لعل هذه الحملة هى وسيلة مصر للعودة لمكانة دولية مؤثرة، بشرط ألا نقع فى كمين النهضة، ونتحول إلى الطرف المعتدى، وهذا يتطلب ضبط النفس.
نعم نسمع أصوات لشخصيات محترمة فى مصر لها حيثياتها العلمية فى مسائل المياه، وأخرى فى مسائل القانون الدولى، تحث الدولة على اتخاذ إجراءات وتدابير تحول بين إثيوبيا والملء الثانى لسد النهضة. لكن ندعو الدولة لعدم الرضوخ لهذه المطالب. فأى اعتداء بالقوة الصلبة على سد النهضة سيصبح هو القضية وليس سد النهضة نفسه. هذا، وستتحول صورة مصر إفريقيا، لاسيما فى القرن الإفريقى، ومجموعة دول حوض النيل، إلى مصدر للخطر وعدم الاستقرار، وليس مصدرا للسلام والتعاون. ناهيك عن حالة الكره التى ستترسخ تجاه كل ما هو مصرى ولن يشفع لها حملة مليون علاج لفيروس سى. فلنتذكر أن الاتحاد الإفريقى جمد عضوية مصر بعد ثورة 30 يونيو بحجة أنها انقلاب على الديمقراطية. فلنتذكر أن 5 دول من حوض النيل وقعت على الاتفاقية الإطارية لحوض النيل – اتفاقية عنتيبى 2010، التى كادت أن تضر بحصة مصر والسودان من المياه. وهو ما دفع القاهرة بدء من 2015 لتبنى سياسات تقارب مع 4 من الدول الخمس الموقعة وعمل مشروعات مشتركة والدفع بحالة التعاون من أجل تحييد هذه الدول عن العودة لحالة الوقوف ضد مصالح مصر. إن سياسة مصر الرشيدة، طويلة البال، التى تتحمل ضغوطا وتبعات الملء المتكرر لسد النهضة هى السياسة الوحيدة الممكنة، يدا بيد مع التحركات الجديدة التى نشهدها من دفع التعاون مع كل دول حوض النيل، والقرن الإفريقى فى مختلف المجالات. بمعنى آخر، سياسة عزل إثيوبيا خطوة خطوة، وتقوية روابط ومصالح مصر مع دول إفريقيا، هى الخطوة الاستراتيجية الأهم. ويواكب ذلك الاستمرار فى الحملة الدبلوماسية الرشيدة فى مختلف المنظمات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولى، لمنع زعزعة الأمن والسلم الدوليين.
•••
باختصار، فات أوان الحل العسكرى فى مسألة سد النهضة الإثيوبى منذ بدأ الملء الأول. فحينها لم يكن هناك ضرر بالسودان. أما الآن فأى استهداف للسد قد يتحول إلى مأساة إنسانية تجتاح شرق السودان وتقلب موقف السودان ضد الاستراتيجية المصرية. وستسقط مصر فى براثن ازدواجية المعايير للمنظمات الدولية والدول الغربية الواضحة وضوح الشمس، والتى تغض الطرف عن الفضائح التى ترتكبها إثيوبيا، بينما تتربص بالسياسات المصرية.

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات