تقارب فرنسي جزائري.. الدوافع والمتطلبات - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تقارب فرنسي جزائري.. الدوافع والمتطلبات

نشر فى : الثلاثاء 6 سبتمبر 2022 - 7:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 6 سبتمبر 2022 - 7:40 م
شهدت العلاقات الفرنسية الجزائرية فى الفترة منذ عام 2017 حتى الآن عدة تقلبات تراوحت ما بين الهدوء والوئام عندما زار ماكرون الجزائر قبل توليه رسميا الرئاسة الفرنسية فى عام ،2017 وقال إن الاستعمار يعتبر من الجرائم ضد الإنسانية وإنه مفترض الاعتذار عما ارتكبه الاستعمار الفرنسى من جرائم ضد الشعب الجزائرى. ولكن ماكرون تراجع عن ذلك أثناء حملته الانتخابية لرئاسة ثانية وأراد أن يجارى اليمين المتطرف الذى كان ينافسه بقوة، فقال إن الجزائر لديها نقص فى الذاكرة، حيث لم تكن أمة قبل الاستعمار الفرنسى. وتوترت العلاقات وسحبت الجزائر سفيرها من باريس احتجاجا على هذه التصريحات، كما زاد الموقف تأزما بتخفيض فرنسا عدد التأشيرات للجزائريين إلى النصف متهمة الجزائر بعدم التعاون معها فى إعادة المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين وبعض العناصر المتهمة بممارسة أعمال إجرامية.
•••
لكن أدت الأزمات الدولية المترتبة على الحرب فى أوكرانيا إلى العودة إلى التهدئة بين باريس والجزائر وعودة السفير الجزائرى إلى فرنسا، وبدء الأخيرة فى زيادة منح التأشيرات الفرنسية لفئات معينة من الجزائريين. وبدأت فى تطور سريع، إجراء ترتيبات زيارة الرئيس ماكرون إلى الجزائر فى الفترة من 25 إلى 27 أغسطس 2022 بناء على دعوة من الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون. وقد حرص ماكرون على أن يرافقه وفد كبير مكون من حوالى 90 عضوا من بينهم وزراء الخارجية والدفاع والداخلية والمالية والثقافة، ورجال أعمال، وحاخام يهودى من أصول جزائرية. وهذا مؤشر على أهمية الزيارة من ناحية والرغبة الجادة فى تحسين العلاقات الفرنسية ــ الجزائرية من ناحية أخرى.
وثمة دوافع عجلت بهذا التقارب والإسراع بإتمام الزيارة على هذا المستوى منها:
ــ تراجع دور فرنسا بشكل ملحوظ فى منطقة الساحل والصحراء خاصة بعد خروج قواتها العسكرية من مالى وتوتر العلاقات بين باماكو وباريس، واتجاه مالى إلى التعاون مع روسيا والاستعانة بقوات ميليشيا شركة فاجنر الروسية بديلا عن القوات الفرنسية. ورغم إدراك فرنسا أن روسيا يصعب أن تحل محلها كلية فى مالى إلا أن وجودها فيها هو على حساب الوجود الفرنسى. وتتمتع الجزائر بعلاقات جيدة مع كل من مالى وروسيا، ومن ثم يمكن أن يكون لها دور فعال فى ملف محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والتهريب بكل أنواعه على الحدود المشتركة مع مالى.

ــ تداعيات الأزمة الأوكرانية سواء فى مجال الأمن الغذائى وتأثر عدة دول سواء بنقص الإمدادات لفترة أو لارتفاع الأسعار ومع عدم اليقين عن مدى استمرار الحرب فى أوكرانيا. وكذلك أمن الطاقة وسعى دول الاتحاد الأوروبى إلى ترتيبات حالية ومستقبلية تقلل من اعتمادها الكبير على البترول والغاز الروسى، ويمكن أن تكون الجزائر أحد المصادر للبترول والغاز مع توفير استثمارات جديدة فى هذا المجال، رغم اعتماد فرنسا على توليد الكهرباء بالطاقة النووية بنسبة عالية، إلا أنها تهتم بدول الاتحاد الأوروبى ككل والتوسع فى الاستثمارات الفرنسية فى الجزائر.
ــ رغبة فرنسا فى تقوية التعاون مع الجزائر لتصبح نقطة ارتكاز لاستعادة دورها فى الشمال الأفريقى على ضوء تداعيات الأزمة الليبية وتباين مواقف دول الجوار بشأن مسيرة العملية السياسية، والأوضاع المتأزمة فى تونس، والقطيعة بين الجزائر والمغرب بسبب تباين موقفهما من قضية الصحراء، وفتور العلاقات الفرنسية المغربية على ضوء مطالبة ملك المغرب فرنسا أن تحذو حذو إسبانيا وتؤيد حل الحكم الذاتى للصحراء مع تمسك فرنسا بقرارات الأمم المتحدة وحق تقرير المصير.
ــ رغبة فرنسا والجزائر فى تحديد مسار متفق عليه للتوصل إلى تسويات مرضية للأزمات التى تؤرق العلاقات بينهما سواء ما يعرف بذاكرة الأمة وتاريخ الاستعمار الفرنسى فى الجزائر والمقاومة الجزائرية لها على مدى نحو 132 سنة ما بين بدء الاستعمار الفرنسى للجزائر عام 1830 واستقلال الجزائر عام 1962. ومشكلة آثار التجارب النووية التى أجرتها فرنسا فى الصحراء الجزائرية وأماكنها وتعويضات الأهالى فى المناطق التى أجريت فيها ما بين 1960–1966. وإعادة جماجم الجزائريين من متحف الجماجم فى فرنسا واعتباره دليلا على انتصارات الفرنسيين على المقاومة الجزائرية. وتخفيف القيود الفرنسية على منح التأشيرات للجزائريين لجمع شمل أسرهم فى فرنسا، وغيرها من المشكلات التى تعكر صفو العلاقات بين الجانبين.
• • •
أسفرت الزيارة عن الاتفاق أو التوافق بين الجانبين على عدة متطلبات لعل أهمها:
ــ الاتفاق على تشكيل لجنة من المؤرخين الفرنسيين والجزائريين مهمتها دراسة فترة الاحتلال الفرنسى للجزائر (1830 ــ 1962) وما حدث خلالها سواء من جانب سلطات الاحتلال الفرنسى أو المقاومة الجزائرية، وذلك مع إتاحة الوثائق والمستندات التاريخية الخاصة بهذا الموضوع من أجل التوصل إلى نتائج موضوعية. ويلاحظ أن الرئيس ماكرون كان حريصا فى تصريحاته للصحفيين أن يوضح أن الاتفاق على تشكيل هذه اللجنة لا يعنى الاعتذار أو الندم من جانب فرنسا.
ــ تم توقيع خمس اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين فرنسا والجزائر، اتفاق مشاركة وتعاون مع معهد باستور، واتفاق مشاركة علمية بين وزراتى التعليم العالى والبحث العلمى فى البلدين، ومذكرة نوايا بين وزارة الشباب والرياضة الجزائرية ووزارة الرياضة والألعاب الأوليمبية والبارالمبية الفرنسية، وإقامة مشاركة معززة بينهما فى مجال التعليم العالى والبحث العلمى، وصدور إعلان الجزائر، عقب الزيارة، من أجل مشاركة متجددة بين فرنسا والجزائر وقعه الرئيسان ماكرون وتبون، ويتضمن فتح حقبة جديدة ومقاربة ملموسة وبناءة تركز على المشروعات المستقبلية، ووضع رؤية مشتركة لمواجهة التحديات العالمية الجديدة.
ــ تدعيم التعاون بين البلدين فى مجالات الشباب والرياضة والصناعة السينماتوجرافية، وقضايا الأمن وتنقل الأشخاص بين البلدين، وتعزيز التعاون فى مجالات الطاقة، والاقتصاد والابتكار.
ــ التعاون الأمنى فى مواجهة التهديد الإرهابى فى أفريقيا بصفة عامة وفى قضايا الساحل والصحراء بصفة خاصة، ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود وأهمها الاتجار بالمخدرات والأسلحة والبشر والتهريب بكل أنواعه بالتواطؤ مع التنظيمات الإرهابية. والتعاون بين البلدين فى مجال الأمن البحرى، ودعم التعاون العسكرى.
ــ الاتفاق على قبول فرنسا ثمانية آلاف طالب جزائرى إضافى للدراسة فى فرنسا ليرتفع العدد الكلى إلى 38 ألف طالب سنويا. وفتح وتسهيل منح التأشيرات الفرنسية لفئات معينة من الجزائريين للمساهمة فى ظهور جيل فرنسى جزائرى جديد فى الاقتصاد والفنون والسينما وغيرها، مع التعاون فى مكافحة الهجرة غير الشرعية.
• • •
أثار قلق فرنسا أن المنافسة الاقتصادية والتجارية لها فى مناطق نفوذها التقليدية فى أفريقيا ومنها الجزائر التى تحتل فرنسا مرتبة متقدمة معها فى هذه العلاقات تراجعت فى السنوات الأخيرة بدرجة كبيرة وأصبحت الصين تحتل المرتبة الأولى ودول أخرى منها تركيا وإيطاليا. ويرجع جزء كبير من ذلك إلى شعور الجزائريين بتعالى الفرنسيين ورفضهم الاعتذار عن الجرائم التى ارتكبها الاستعمار الفرنسى فى حق الجزائريين رغم إقرار كل الرؤساء الفرنسيين بارتكاب هذه الجرائم. كما أن قرار الجزائر بتدريس اللغة الإنجليزية وتقديمها على اللغة الفرنسية فى المرحلة الابتدائية فى المدارس الجزائرية أزعج فرنسا التى تعتبر أن اللغة الفرنسية والثقافة والفنون تمثل أقوى الروابط بينها وبين مستعمراتها السابقة ومنها الجزائر، ومن هنا اهتم ماكرون بأن يكون ضمن الوفد المرافق له وزير الثقافة، كما أن معظم الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التى تم توقيعها أثناء الزيارة تتناول الجوانب العلمية والتعليمية والثقافية.
كما اهتم ماكرون فى ختام زيارته بحضور برنامج فنى رياضى ثقافى فى مدينة وهران مع شخصيات جزائرية متنوعة الاهتمامات. وقد حرص ماكرون على زيارة قبر الجندى المجهول الجزائرى ووضع إكليل من الزهور، وحتى لا يغضب الفرنسيون وخاصة اليمين المتطرف قام بزيارة مقبرة الأوروبيين فى الجزائر. وقد ظهر ماكرون فى كل مناسبة وهو يسعى لإرضاء الطرفين، الجزائريين الغاضبين لكرامتهم، والفرنسيين المتعالين الذين يصرون على أن ما حدث مرحلة تاريخية وانتهت. وحرص كل من الرئيس تبون وماكرون على الإشادة بالعلاقات الجزائرية الفرنسية وإبداء الأمل فى مستقبل أفضل.
ومن جانب آخر، يرى رئيس حركة البناء الوطنى الجزائرية أن العلاقات الفرنسية الجزائرية لا تزال تتأرجح نتيجة عدم تجاوب الفرنسيين مع المطالب الجزائرية بسبب ضغوط العنصريين والمتطرفين الفرنسيين، وهو ما يؤدى إلى فقدان فرنسا الكثير من مصالحها الاستراتيجية. ودعت منظمات جزائرية الرئيس ماكرون إلى عدم التستر وراء الادعاء بتدهور حقوق الإنسان فى الجزائر وعدم التغاضى عما يدعونه من مظالم النظام الجزائرى ضد المواطنين.
كما انتقد اليسار الفرنسى واليمين أيضا ما أعلن عن الاتفاق على تشكيل لجنة من المؤرخين الفرنسيين والجزائريين، وأبرزوا التناقض فى مواقف ماكرون من هذا الموضوع ما بين عام 2017 وعام 2021 والآن، واعتبروا أن موقفه مهين للكرامة، وطالبوه بأن يصمت وأن على الجزائر أن تكف عن استخدام الماضى ليكون عائقا أمام العلاقات بين البلدين.
وإدراكا من الجانبين الفرنسى والجزائرى بمدى تعقيدات الموقف وأهمية تناوله فى المرحلة القادمة على أعلى مستوى من أجل المصالح المشتركة بين البلدين، ومن أجل تعزيز الحوار السياسى، اتفقا على إنشاء مجلس أعلى للتعاون على مستوى رئيسى البلدين لتقديم التوجيهات الأساسية حول المحاور الرئيسية للعلاقات بين البلدين، على أن يعقد اجتماعاته كل عامين بالتناوب بين فرنسا والجزائر.
ويوضح تطور العلاقات بين فرنسا والجزائر والانتقال من حالات فتور وتوتر إلى تقارب وتعاون، أن المصالح تتصالح، فالمرحلة الحالية تقتضى منهما التهدئة والعمل على تنمية العلاقات والتطلع إلى المستقبل فى محاولة قد تنجح للتخفيف من أعباء ميراث الماضى الذى يؤثر سلبيا على العلاقات بينهما فى عدة مجالات ويعود بالخسارة على الطرفين.
رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات