مسيحيو فلسطين ودورهم المُنتَظَر - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 6:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مسيحيو فلسطين ودورهم المُنتَظَر

نشر فى : الخميس 7 يناير 2010 - 10:12 ص | آخر تحديث : الخميس 7 يناير 2010 - 10:12 ص

 تساءل الأستاذ محمد السماك يوم الأحد27 ديسمبر 2009 فى الشروق تحت عنوان (مبادرة مسيحية من أجل فلسطين).. هل يستطيع المسيحيون الفلسطينيون أن يحققوا ما عجز عنه المسلمون الفلسطينيون؟ وبعد عرضه للمبادرة التى قدمتها قيادات مسيحية فلسطينية إلى مجلس الكنائس العالمى (365 كنيسة إنجيلية وأرثوذكسية) تحت عنوان (وقفة حق ــ كلمة إيمان ورجاء ومحبة من قلب المعاناة الفلسطينية) شرحوا فيها معاناة الشعب الفلسطينى من الحكم العنصرى الإسرائيلى، وطلبوا على غرار ما حدث فى جنوب أفريقيا أن تعتبر الكنائس فى العالم أن الاحتلال الإسرائيلى خطيئة كما اعتبروا أن التمييز العنصرى فى جنوب أفريقيا كان خطيئة ضد الله مما ادى إلى سقوط النظام الأبارتيد.. وينتهى بالقول من المتوقع أن يتجدد سيناريو سقوط الأبارتيد فى جنوب أفريقيا بسقوط الاحتلال الإسرائيلى فى فلسطين، فهل يحقق الفلسطينيون العرب ذلك؟!

تعرفت على الأستاذ محمد السماك منذ حقبة الثمانينيات فى لقاءات مجلس كنائس الشرق الأوسط ومجلس الكنائس العالمى والفريق العربى للحوار الإسلامى والمسيحى والهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، ويتميز محمد السماك بقدرته على التحليل والنظرة المتعمقة للأمور وروح المحبة والبساطة التى يتحلى بها، إلا أننى أختلف معه فيما وصل إليه بأن مسيحيى فلسطين سوف يكررون ما حدث فى جنوب أفريقيا، وذلك لعدة أسباب ألخصها فيما يلى:

الحاجة إلى استعادة الوجه العلمانى للقضية

من المعروف أن العالم تعاطف فى كثير من الأحيان مع ياسر عرفات خاصة عندما ذهب إلى الأمم المتحدة فى السبعينيات، وألقى خطابه أمام الجمعية العمومية قائلا إنه جاء حاملا غصن الزيتون لأجل السلام فى أرض السلام،وعندما رأت إسرائيل أن ياسر عرفات بعد طرده من الأردن ثم لبنان وقبوله اللقاءات مع القيادات الإسرائيلية وتوقيعه على اتفاقية أوسلو أى تحوله إلى السلام، بدأوا فى تعضيد وتشجيع حركة حماس الإسلامية لكى تدمر كل محاولة للسلام يقدم عليها ياسر عرفات على نسق تعضيد أمريكا القاعدة وأسامة بن لادن فى أفغانستان لطرد السوفييت، وقد قامت إسرائيل بتبنى نفس الاستراتيجية مع حماس وتوقعت انقسام الفلسطينيين على أنفسهم لكنها لم تكن تحلم أن يتم ذلك بهذه السرعة. وقامت حماس بالواجب وصارت الواجهة الفلسطينية إسلامية متطرفة، وهكذا هاجر المسيحيون الفلسطينيون حتى وصلت أعدادهم حسب مقال محمد السماك إلى 2% وفى القدس 0.2%، ولقد أصبح ادوارد سعيد من التاريخ القديم للقضية وكذلك حنان عشراوى التى رشحها البعض فى يوم من الأيام أن تكون نائب رئيس المنظمة كوجه فلسطينى متحضر بدون تعصب أو عنف فهى امرأة ومسيحية فى آن واحد، وهو ما يقبله عالم اليوم وبقوة. لكن كل هذا ذهب أدراج الرياح فإذا كانت الكنائس تريد مساعدة الفلسطينيين وإعادة أعمار غزة ونقل استثماراتها من إسرائيل.. فترى إلى من توجه هذه الكنائس والهيئات مساعداتها وتنقل استثماراتها، هل إلى إسماعيل هنية أم محمود عباس الذى انتهت ولايته؟ إن أسوأ ما حدث للقضية الفلسطينية أن أصبح لها وجهان واحد متطرف والآخر معتدل، وهذا ليس من باب التنسيق وتوزيع الأدوار لكن من باب تدمير كل وجه للآخر ورفض التنازل ولو على حساب القضية.. فبماذا يجدى لو قالت الكنائس أن الاحتلال الإسرائيلى خطيئة وهو بلا جدال خطيئة كبرى وأليس ما يحدث فى فلسطين خطيئة أكبر لأنها ترتكب بيد أصحابها.

الحاجة إلى قيادة تدعو إلى المقاومة السلمية

لقد كان نيلسون مانديلا رمزا لا تخطئه العين فى المقاومة السلمية بجنوب أفريقيا وبقى فى السجن لعدة سنوات، وعندما أفرجت عنه السلطات نتيجة ضغط العالم والجماهير رفض الخروج من السجن حتى تتحقق مطالبه بسقوط النظام العنصرى. فبقى27 عاما فى السجن حتى تحققت مطالبه، وأيضا كان للأسقف ديزموند توتو دورا رائعا إذ عبر عن تعضيد الكنيسة الأفريقية فى تعضيده لمانديلا والوقوف بجانبه ورفض استخدام العنف. وهكذا وقف العالم كله بكنائسه وسياسيه مع مانديلا وتوتو ضد النظام الأبارتيد، فسقط وكان سقوطه عظيما. وقد سنحت فرصة للقضية الفلسطينية أن تسير فى نفس الاتجاه وبقوة وذلك أثناء مفاوضات ياسر عرفات مع إيهود باراك فى واشنطن فى نهاية عهد بيل كلينتون، ولكن ياسر ترك المفاوضات لأنهما أرادا المساس ببعض ثوابت القضية. وعند عودته إلى رام الله أقيم عليه حصار إسرائيلى وحددوا إقامته، وتعاطف العالم مع ياسر عرفات، وبدأت الكنيسة فى الغرب وبعض سياسيى العالم يتحدثون عن سجن عرفات بسبب تمسكه بمبادئه، وبدأت المقارنة بينه وبين نيلسون مانديلا فى برامج كثيرة فى التليفزيون الغربى، وقد أثارت هذه القضية المذيعة التليفزيونية كاريمان حمزة فى لقاء معى ومع غيرى قائلة هل عرفات هو مانديلا العرب؟! وكانت إجابتى أن هناك شروطا مهمة لابد من تحقيقها ليصبح عرفات مانديلا العرب.. وقلت لقد أرسل إليه بعض رعاة كنائس الغرب ــ وكنت شاهدا على بعض من ذلك ــ وكذلك بعض السياسيين بطريق مباشرا أو غير مباشر بما يفيد أن الوقت مناسب الآن لإعلان مبدأ المقاومة السلمية، لأن إسرائيل تقوم بقهره وهو رمز للقضية، ونصحوه بتغيير بعض مواد الدستور التى تنص على إبادة إسرائيل والمقاومة المسلحة.. وبدأ عرفات نتيجة لذلك فى إعلان رفضه للعمليات التى يفجر فيها المقاوم نفسه لكنه خشى على شعبيته ولم يسر إلى نهاية الطريق، رغم أن العالم كله كان مستعدا للوقوف بجانبه فى ذلك الوقت. ومما زاد الأمر تعقيدا أن إسرائيل اقتحمت مكتبه فى رام الله وحملت الكمبيوتر الخاص به، وأعلنت للعالم أن ياسر عرفات يعضد العمليات الانتحارية وأن صدام حسين يرسل إليه عشرة آلاف دولار عن كل شهيد فلسطينى يفجر نفسه. وهكذا فقد ياسر مصداقيته كزعيم، ونحن نعلم أن الكذب هى أكبر خطيئة فى الغرب وتساوى من ناحية القيم الأخلاقية الزنى فى الشرق ورغم ذلك طلب منه أن يعلن استعداده لتغيير الدستور وأن مقاومته سلمية، لكنه استمر يردد مقولته (يا جبل ما يهزك ريح) ويعلن تعضيده للمقاومة وينتشى بالهتافات الشعبية والصراخ (بالروح والدم نفديك يا عرفات) وهو يدرك تماما أن هذا الطريق لن يحل القضية، وأن القضية تزداد ضعفا وأن الفلسطينيين يتفككون من حوله.

الحاجة إلى تغيير ثقافة العنف

ولكى نشير إلى صعوبة أو استحالة هذا الأمر لنا فى تجربة السادات المثل الواضح لقد قرر السادات أن تكون حرب 1973هى آخر الحروب، ثم أعلن استعداده أن يزور إسرائيل وعندما تحدث إلى حافظ الأسد، رئيس سوريا فى هذا رفض وكاد بعض الحكام فى سوريا يقبضوا على السادات فى مطار دمشق ويودعونه السجن حتى لا يذهب إلى إسرائيل لولا حافظ الأسد، وعندما تحدث إلى ملك السعودية تفهم الموقف لكنه رفض تبنيه، أما ملك المغرب فقد شجعه لكنه أيضا لم يتبن المبادرة بل رفضها بعد ذلك، وعندما قام السادات بزيارة إسرائيل وعقد معاهدة كامب ديفيد صار نبيا للسلام عند الغرب وأعادت إسرائيل كل الأراضى المصرية المحتلة واغتيل السادات بأيدٍ مصريين عنفاء لأنه وضع يده فى يد اليهود.. وإلى اليوم تجد رفضا للمعاهدة بين المصريين ربما لأنه لم يمهد الطريق لها وكانت مفاجأة حبست أنفاس المصريين. إن الحاجة الكبرى لتحقيق مبادرة المسيحيين الفلسطينيين هى أن تتغير ثقافة العنف، فهل نحلم بأن يقف إسماعيل هنية ويتحدث عن المقاومة السلمية ويغير الدستور الفلسطينى ويعلن أنه لن يقتل طفلا أو امرأة لا ذنب لهما؟ وهل يقف بجانبه أحد شيوخنا الأفاضل والذين لهم شعبية ضخمة مثل الشيخ يوسف القرضاوى أو خالد الجندى ليردد عدم شرعية قتل الأطفال والنساء الأبرياء باسم الإسلام؟

لقد حاول محمود عباس أن يفعل هذا كثيرا وصرح بذلك لكن كانت المقاومة ضده من الداخل أكثر كثيرا من الخارج، وربما تصريحاته هذه هى التى فصلته عن غزة، ذلك لأن الوعى بالسلام أو ثقافة السلام لم تأخذ مجالها بعد وسط الشعب الفلسطينى والعربى.. وأنا هنا لا أتحدث بأى حال عن موقف الإسلام، فأنا أثق أن القرآن كالإنجيل حمال أوجه وأن هناك اجتهادات كثيرة لتفسير القرآن تدعو إلى الحب والسلام، فهل نحلم أنه كما وقف الأسقف توتو ممثلا للكنيسة بجوار نيلسون مانديلا ممثلا للشعب أن يقف محمود عباس بعد المصالحة مع هنية وأن يقفا معا ومعهما شيخان أو ثلاثة ويعلنوا بداية المقاومة السلمية؟ ولو حدث هذا فسوف تقوم آلاف الكنائس والشعوب فى كل العالم تنادى وبقوة بأن الاحتلال الإسرائيلى خطيئة ضد الله والإنسانية، وأنه عنصرى بغيض.

***

إن إسرائيل أقنعت العالم فى حقبة زمنية معينة بأنها ليست آلة حرب، لكن بعد حرب غزة الأخيرة اختلف الأمر كثيرا، وبدأ العالم ينظر إلى إسرائيل نظرة موضوعية، فانكشفت حقيقة الشعب الإسرائيلى العنصرى والعنيد أمام العالم كله، وبدأ العالم يتحدث عن أهمية عودة الحق لأصحابه وخرجت تقارير من جيمى كارتر وغيره تعضد حقوق الشعب الفلسطينى. السؤال الآن هل يتجاوب الفلسطينيون قبل طلب هذا من الغرب مع مبادرة المسيحيين العرب والتى تتجاوب مع نبض العالم اليوم؟ وفى حالة تجاوب شعب وقيادة فلسطين ترى كيف يتحدثون لغة العالم لإقناع الآخرين بأنهم يريدون السلام؟ إنها مشكله حقيقية.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات