تداخل الفصول - امال قرامى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تداخل الفصول

نشر فى : الثلاثاء 7 يناير 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 7 يناير 2014 - 8:00 ص

أطلقوا على الثورات «ثورات الربيع العربى» ظنّا منهم أنّهم سيعيدون رسم خارطة الشرق الأوسط، وسيمتلكون حقّ كتابة السردية الجديدة لشعوب اتّسمت بالخمول والرضا بالمكتوب ولكن «تجرى الرياح بما لا تشتهى السفن». فها هم اليوم يُعيدون قراءة التقارير الاستراتيجية، ويراجعون آليات التفكيك، وطرق رسم الخرائط واستشراف المستقبل ويُعيدون رسم السياسات. من قال إنّ الولايات المتحدّة الأمريكية ومن لفّ لفّها من الدول الأوروبية سيتم إحراجها، وإرباك تموقعها فى المنطقة بل فى العالم بهذه الطريقة؟

لقد أضحى الربيع ربيع التيارات الإسلاموية التى يحلو للبعض تصنيفها وفق تراتبية هرمية: المعتدلون والمحافظون والمتطرّفون. لقد هبّوا من مراقدهم يَحدوهم الأمل فى امتلاك حقّ تقرير مصير الشعوب، هلّلوا وكبّروا واستمتعوا بسلطة مكّنتهم فى الأرض، رفع بعضهم الرايات السود، اعتلوا المنابر وخطبوا فى العباد متوعّدين تارة، ومرغّبين فى جنّة الخلد طورا، خطّطوا ودبّروا وحاكوا الدسائس، واستعادوا ترسانة الاستراتيجيات التى أبدعت الأنظمة القمعيّة فى ابتكارها فنصّبوا أتباعهم وفق منطق الولاء، وتقسيم الغنائم لمَ لا «والأقربون أولى بالمعروف».

•••

وسرعان ما تحوّل ربيع الكرامة والعدالة الاجتماعية والحريات.. إلى خريف تتساقط فيه الأوراق مبدّدة معها الأحلام وقسطا من المكتسبات.. خريف تهبّ فيه الرياح كعصف مأكول لتقطع الأواصر، وتفتّت الوحدة الوطنية وتهدّد بنسف مؤسسات الدولة وما تمّ إنجازه على امتداد السنوات.

وهكذا حلّ الشتاء المظلم وأسدل معه الستار على الآمال والأحلام: أحلام أجيال رغبت فى التغيير والانتقال من أنظمة القمع إلى أنظمة الممارسات الديمقراطية، ومن الدولة القهرية إلى دولة القانون والمؤسسات، ومن بسط اليد على السلط إلى استقلال القضاء والإعلام والهيئات، ومن تقييد الحريات إلى احترام الحقوق.

وسرعان ما تحوّلت الكوابيس إلى وقائع معاينة وأحداث معيشة: استيلاء على المنابر وتحويل للخطب إلى دعوات للتكفير وحملات للتأديب، واستيطان بالجبال وإدارة للغزوات.. ذبح من الوريد إلى الوريد، وتفجيرات وأسلحة وتجارة للمخدرات وتبييض للأموال، وشيئا فشيئا لفّنا السواد بدءا بالعباءات والنقاب واللحى وصولا إلى الرايات السود فالكتاب الأسود.

وحلّ الصيف لتجفّ معه الحناجر المطالبة بتصحيح المسار وإعادة الاعتبار إلى استحقاقات الثورة، وإعادة ترتيب الأولويات.. ولتحترق الأعصاب وتلتهب المشاعر: عنف عَبث بالأحلام ولوّح بالدمار والهلاك بعد انتشار الإرهاب.

•••

ولا يذهبنّ فى الظنّ أنّ الفصول انتظمت وتعاقبت كالمعتاد. فمادمنا نعيش على وقع التحولات البيئية الغريبة، وما خلّفته ثقبة الأوزون من نتائج كارثية على كوكبنا فإنّنا عشنا خلال سنوات ما بعد الثورة على وقع التداخل، وإرباك الحدود والعبث بالمعايير، وتجاور المتناقضات وتفكيك «الثوابت».

فكما أنّ لهم دينهم ولنا ديننا، لهم ربيعهم ولنا أيضا ربيعنا. وقد أزهر الربيع حين تفتّحت الأزهار: أصوات ترتفع هنا وهناك تُباغت من صادرها وتوقّع خفوتها بعد حملات الترهيب والعنف الممنهج. وقد لا نبالغ إذا اعتبرنا أنّ الأصوات النسائية كانت أكثر دويّا، وقد يكون مردّ ذلك كثرة التحديات والرهانات والمخاوف.

وكان لهم أيضا خريف تلاه شتاء مظلم عبث بمخططاتهم، وكشف هنات سياساتهم، وعرّى مطامعهم، وفضح نرجسيتهم القاتلة وحساباتهم الضيّقة، ووضّح غياب الرؤية وضعف الأداء.

•••

ولأنّ تعاقب الفصول، وإن باتت متداخلة ولا تقرّ على قرار، حقيقة لا مرية فيها فإنّنا نعتبر أنّ تقدير الفصول يختلف باختلاف المواقع والمناظير فللشتاء رونقه بما يدرّه علينا من خصب، وللربيع جماليّته وللخريف رمزيته وللصيف مآثره.. ومعنى ذلك أنّ التفاعل الحاصل بين مختلف الفرقاء مثمر ولو كره الكارهون. فلولا اعتداءاتهم المادية والمعنوية والرمزيّة لما صلب العود وابتكرت آليات المقاومة، واختبرت القدرات، ولولا أخطاء ارتكبوها فى حق الوطن والمواطنين لما أمكن لجحافل أن نتحوّل إلى مراقبين ومنتقدين وداعين إلى تصحيح المسار الانتقالى، ولولا قبولهم مبادئ التفاوض والتنازل والتراجع لما أمكننا اكتشاف حدود «المعارضة السياسيّة» وقلّة خبرتها.

ليس بإمكان الربيع أن يرفض فسح المجال للصيف، وعلى الخريف أن يتوارى حتى يحلّ الشتاء. سُنّة التداول تقتضى أن نقبل بشروط العيش معا ما دمنا شركاء فى الوطن.

التعليقات