أوباما.. اختيار أم ضرورة؟ - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 3:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوباما.. اختيار أم ضرورة؟

نشر فى : الأحد 7 يونيو 2009 - 8:56 م | آخر تحديث : الإثنين 8 يونيو 2009 - 3:56 م

 أوباما..
الأكيد أنه رجل مختلف.. مختلف فى النشأة والتكوين والجذور والعِرق.. مختلف اللون والتفكير والتوجه.. كما أنه مختلف فى التعامل مع كل هذه المعطيات ومتجادل مع كل تواريخها، ويظهر ذلك جلياً فى كتابه «أحلام من أبى ــ Dreams From My father».. لكنه يبقى نجما مثل نجوم هوليوود.. حالة فنية خالصة، ومتميزة.. حتى إن شبكة «سى.إن.إن» الإخبارية وصفت استقباله فى القاهرة أنه مثل استقبال نجوم الروك. وربما لأنه كل ذلك فقد أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.. وربما لأنه جاء بعد الرئيس جورج بوش الابن الموصوف دوماً بالغباء ــ هذا وصف من أمه وهى أدرى به منا ــ أصبح أوباما حالة فنية إنسانية سياسية غير مسبوقة فى الترحيب والاستقبال سواء فى بلاده أمريكا.. أو فى غير بلاده مثل مصر.

الخطاب..
هذا الخطاب الذى انطلق من القاهرة هو أيضا مختلف مثل صاحبه.. فى البناء والصياغة والأفكار وأحياناً الشجاعة.. فى العاطفة والغلظة.. فى الحرية والاستبداد.. فى النعومة والقوة.. فى فلسطين وإسرائيل.. فى الشعوب والأنظمة.. دون أن ينسى القرآن والتلمود والإنجيل.. أو ينسى الحرب والسلام.. العدل والظلم.. أو حق إسرائىل فى الوجود أو جلد العالم بمحارق الغاز.. أو ينسى روعة الحضارة الإسلامية، والتى أصبحت فى المنتوج النهائى للخطاب خلفية ذكية وقوية وجذابة.. لواقع مسلم ضعيف وإرهابى وقليل الحيلة حتى لو لم يقلها صراحة.. فزيارة مسجد «السلطان حسن» كانت قبل الخطاب أى تمهيدا له.. أما الأهرامات وآثار آلاف السنين فجاءت كنزهة بعد الخطاب.

الجامعة..
جامعة القاهرة.. التاريخ القريب المشرف لمصر وربما العالم العربى.. القاهرة هى الجامعة العلمانية المناسبة لكلام السياسة حتى لو كان عن الإسلام والمسلمين.. أما الأزهر الجامعة الدينية وشيخها.. فهم فقط ضيوف على الخطاب وعلى مكان الخطاب.. القاهرة ــ الجامعة سيفهم جمهورها محتوى الخطاب سيتعاملون معه باعتباره مسودة لتفاهمات الأيام المقبلة.. وبعضهم يعرف كيف يصفق للصياغات البديعة أو الإشارات الذكية.. أما الأزهر وجامعته وشيخه فإن قلوبهم تهدأ وعقولهم تتعاطف لمجرد ذكر آيات كتاب الله على لسان رئيس الدولة الأسطورة.. بينما قادة جامعة القاهرة فقد كانوا من بين أهل السياسة ولجنة السياسات ومدعوّ الرئاسة.. رغم أن بيان تأسيس جامعتهم قبل أكثر من مائة عام كان واضحا.. إنها جامعة لتخريج قادة الرأى العام لدفع الجماهير للأفضل.. لا لتعليم حرفة أو اكتساب صنعة.. وهكذا جاء الخطاب فى الجامعة، وهى لا تقدر على تعليم مهنة ولا على تقديم رجال يقودون بلادهم بالعلم والأفكار النبيلة.. فهم هناك فقط فى مقاعد خلفية بعيدة لحزب يحكم عنوة بعيداً عن العلم والأفكار النبيلة.

أوباما والخطاب والجامعة..
الثلاثة نجحوا معا فى إعادة ضرورة أمريكا فى واقع السياسة المصرية، وبالتالى فى عمق السياستين العربية والإسلامية.. بعد أن كانت أمريكا شبحا بغيضا لأكثر من عقد مضى.. أمريكا عادت بصورة براقة وجذابة.. بعد صورة رديئة مشوهة تكونت عبر سياسات ومواقف وأيضا حماقات بوش الابن.. أوباما بخطابه فى جامعة القاهرة أعاد الحالة الأمريكية للتألق.. قطع الطريق على فكرة الاختيار.. وربما عاد بنا الزمان لأيام أن 99٪ من أوراق اللعبة فى أيدى الولايات المتحدة.. وهكذا نعود لنقطة كنا نعارضها ونرفضها، وها نحن فى بداية طريق العودة إلى طريق الإيمان الأمريكى الخالص.. حيث لا حل لقضايانا، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية إلاّ بصوت أمريكا.. أو بوجود أمريكا.. أو تحت رعاية أمريكا.. أو فى أمريكا نفسها.. فى البيت الأبيض أو فى أى «كامب» يختاره رجل البيت الأبيض وفقا لحالة الطقس.. صيفا أو شتاء.. خريفا أو ربيعا.. وكذلك وفقا لمزاجه السياسى والنفسى.. فهذا ما خبرناه من كارتر وريجان وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن.

الضرورة والاختيار..
وما بينهما من فارق.. علينا التوقف والتفكير وتحديد الاتجاه.. السيد أوباما نفسه فاجأنا فى خطابه بكل قسوة.. أن حرب أفغانستان كانت ضرورة لبلاده.. أما حرب العراق فقد كانت اختيارا، وحينما تختار دولة.. دولة أخرى لتحاربها من دون أسباب شرعية أو موافقات دولية.. فهذا فى عرف المجتمع الدولى.. جريمة.. لكن أوباما «الشجاع» اعترف.. أو أنه لا يخشى شيئاً من ذكر مثل هذه الحقائق.. فهذه هى أمريكا القوية الباطشة.. أما نحن الضعفاء الرحماء فعلينا أولاً أن نسأل أنفسنا: المضى وراء هذا الرجل ذو الأصول الأفريقية الذكى، الذى يبدو نبيلاً ومفكراً.. هل هى ضرورة لا نستطيع الفكاك منها.. أم أن المضى خلفه اختيارا بإرادتنا لتحقيق مصالحنا وفقا لمتطلبات المنطق السياسى؟!

الضرورة والاختيار.. وما بينهما.. علينا أن نعرف أين نقف، وأن نجيب عن هذا السؤال الصعب.. كما يطرحه علينا باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة.. فهى دولة عظمى لها سياسات ومصالح لها واقع ووقائع من بينها هذا الرجل الذى يحكمها وفقا لهذه السياسات والمصالح ومضافاً إليها الالتزام.. أما نحن فنبدو مثل جمهور فى حالة انبهار من حركات ومهارات وقفزات ومواهب الساحر ديفيد كوبر فيلد تحت سفح الهرم.

.. نسيت ــ فقط ــ أن أقول: إن الاختيار.. ضرورة.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات