اضطراب يعمّ مصر - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اضطراب يعمّ مصر

نشر فى : السبت 7 نوفمبر 2015 - 10:00 م | آخر تحديث : السبت 7 نوفمبر 2015 - 10:00 م

الأحداث والأزمات تتلاحق، تجتذب اهتمام المراقبين والمواطنين بشكل عام بدرجات متفاوتة، حسب ما يبدو لكل منها من آثار على حياة الجماعة المصرية أو على حياة فريق معيّن منها، وكذلك وفقا لاهتمامات كل مراقب أو مواطن من المواطنين. الانتقال السريع فى الاهتمام من حدث إلى آخر ومن أزمة إلى غيرها غالبا ما لا يترك الفرصة للنظر إلى مجمل صورة الساحة العامة المصرية، بينما هذه الصورة بما تشمله من ردود أفعال على الأحداث والأزمات هى التى تعبر عن حالة البلاد. ومجمل الصورة يكشف عن اضطراب يعمّ مصر.
من الأحداث والأزمات ما هو اقتصادى، وما هو اجتماعى، وما هو إدارى، وما هو سياسى بالمعنى الضيق للمصطلح، ولكنها كلها فى جميع الأحوال سياسية بالمدلول الأوسع له، أى باعتبارها تدل على توزيع السلطة فى البلاد، وطريقة ممارسة هذه السلطة، وآثار هذه الممارسة. عدد الأحداث والأزمات فى شهرى سبتمبر وأكتوبر وحدهما وتلك الممتدة آثارها من الأشهر القليلة السابقة يصدم المراقب.
***
قرارات البنك المركزى المتعلقة بإدارة حصيلته الضئيلة من العملات الأجنبية والاحتياطى المتناقص من هذه العملات، وآثار هذه الإدارة وهذا التناقص على النشاط الاقتصادى وعلى قيمة الجنيه المصرى، وعلى غلاء المعيشة، وعلى مستوى التشغيل والبطالة حازت على اهتمام المراقبين المتخصصين وغير المتخصصين فهى تؤثر فى حياة الناس، تفهمها البعض منهم، وهى أزعجت أغلبهم حتى وإن أدرك جانب غير قليل من هؤلاء الأسباب التى دفعت إلى اتخاذها. إلى جانب قرارات السياسة النقدية ومرتبطة بها نشأت النقاشات حول أفكار لمواجهة الضائقة النقدية بإجراءات للسياسة المالية من بينها تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وهو تطبيق نبّه الكثيرون إلى أنه يمكن أن يضيف إلى غلاء المعيشة غلاء وأن يقلص من التشغيل فيفاقم من مشكلته ويرفع من معدلات البطالة والفقر. غلاء المعيشة استدعى وعدا من الدولة بتخفيض الأسعار بحلول نهاية الشهر الحالى فتساءل الناس عن أدوات الدولة فى تحقيق ذلك بشكل غير مصطنع وقابل للاستدامة. ارتبط بقرارات البنك المركزى المذكورة استقالة محافظ البنك المركزى أو إقالته المموهة وما أشير إليه عن تصريحه بأن حفر الفرع الجزئى الجديد لقناة السويس كان من أسباب تضاؤل احتياطى العملات الأجنبية، ثم ما عرف فعلا عن انخفاض إيرادات قناة السويس فى الشهرين الأخيرين مقارنة بإيراداتها فى نفس الشهرين من العام الماضى.
وغير بعيد عن السياستين النقدية والمالية وآثارهما، نشأت اضرابات عمال الغزل والنسيج فى المحلة الكبرى المطالبين بالمساواة بينهم وبين عمال آخرين فى الاستفادة من بعض المزايا المالية. وهذه الإضرابات يمكن الربط بينها وبين تظاهر حملة شهادات الماجستير والدكتوراه بالقرب من مقر رئاسة مجلس الوزراء للمطالبة بوظائف حكومية. من مبررات الحكومة لعدم الاستجابة لهذه المطالبة قانون «الخدمة المدنية» الجديد، وهو ما يؤدى بنا إلى أزمتين أخريين، الأولى الرغبة فى تطبيق أحكام هذا القانون على أساتذة الجامعات مما يفضى إلى تخفيض أجورهم، وهو ما تولّد عنه غضب وإشارة إلى التناقض مع ارتفاع أجور فئات أخرى تمولها المالية العامة، أما الثانية فهى استمرار رفض قانون «الخدمة المدنية» برمته والمطالبة بإلغائه.
فى الشهرين الأخيرين، وبمناسبة بدء العام الدراسى الجديد، بدت جلية للرأى العام مرّة أخرى الحالة التعيسة للنظام التعليمى فى مصر، من مدارس متهاوية، وفصول مكتظة، ومضمون بال متخلف، وتحصيل غائب، ودروس خصوصية معممة على القادر ماديا وغير القادر، وعلاقات شاذة بين المعلمين والتلاميذ والأهالى، فى ظل تعامى الدولة عن المأساة وتراجع أولوية الإنفاق على معالجتها معالجة جذرية شاملة، وتقديم أبواب أخرى للإنفاق عليها، فى تجاهل مذهل لأثر المأساة المدمر الفتاك على حاضر البلاد ومستقبلها.
***
الطبيعة لم تراع تفاقم الأحداث والأزمات فهطلت السيول على ما كانت العاصمة الثانية للبلاد وعروس البحر المتوسط فأغرقت شوارعها وعطلت جوانب من الحياة فيها. ولما تبيّن عجز الدولة عن التصدى بكفاءة لأزمة الإسكندرية، عزل محافظها فورا وكأنما هو المسئول عن التدهور الذى حاق بالمدينة عقودا بعد عقود من جراء بؤس اختيار المسئولين وسوء التخطيط. ولما تكرر هطول السيول على الاسكندرية فى الأسابيع التالية تساءل الناس عن الجهات أو الأشخاص الذين سيلقى عليهم بالمسئولية فى هذه المرة أو تلك.
وفرضت حالة الإعلام نفسها على الرأى العام بأكثر مما كانت مفروضة عليه بعد إذاعة برنامج تلفزيونى يبرر التحرش بالفتيات وممارسة العنف ضدهن ويعرض على الناس صورا من الحياة الخاصة لواحدة منهن. أثارت هذه الواقعة قضية الانتهاك المستمر لخصوصيات الناس على مرأى ومسمع من الدولة دون ملاحقة ولا حساب لمرتكب هذه الجريمة. البرنامج التلفزيونى المذكور كان فرصة ليعبئ المجتمع قواه وينظم نفسه ويضغط على من رعوا البرنامج فلما شعر هؤلاء بضعفهم إزاء المجتمع أسرعوا إلى فض أياديهم عنه. رد فعل المجتمع هذا كان بيانا بليغا على الموارد الهائلة الكامنة فيه.
أزمة البرنامج التلفزيونى المذكور تستدعى الإشارة إلى السب والقذف العلنى فى برنامج آخر فى حق مرشح فى الانتخابات، سب وقذف استخدما كوسيلة لدعم فرص مرشح منافس هو من انتهى إلى الفوز بالمقعد موضع المنافسة. السب والقذف كانا هما أيضا على مرأى ومسمع من الدولة واللجنة العليا للانتخابات التى لم تحرك ساكنا بشأنهما. ولكن لأن المرشح الخاسر ممن يكن لهم الرأى العام التقدير فلقد كان تقاعس الدولة واللجنة العليا عن تطبيق القانون وقواعد المنافسة الشريفة المفترضة فى الانتخابات مدعاة للاستنكار والتنديد.
***
يجرّ واقع العملية الانتخابية فى الدائرة المعنية إلى النظر إلى كامل انتخابات المرحلة الأولى وما كشفت عنه من أزمة عميقة فى النظام السياسى وفى إدراك وظائفه وضرورة الاضطلاع بها بكفاءة حتى يكفل لهذا النظام الاستمرار والشرعية. الانخفاض الهائل فى معدل المشاركة فى الانتخابات وتشرذم من انتخبوا بالفعل وغيبة أى هيكلة سياسية لهم من علامات الأزمة فى النظام السياسى. انخفاض المشاركة بالذات لا يعبر عن ملل من الانتخابات كما يحلو للبعض أن يخدع نفسه وإنما هو علامة على لفظ الناس لقواعدها وعلى عزوفهم عن مشاركة يعلمون أنه يراد لها أن تكون شكلية فقط.
فكرة المشاركة فى عملية سياسية أو اجتماعية سلمية هى الضحية وهذه نتيجة بالغة الخطورة لشعب أراد منذ سنة 2011 أن يدخل التغيير العميق والسلمى على حياته. ضعف الإقبال على انتخابات نقابة الأطباء يمكن أن يعدّ من بين علامات القنوط من نتائج المشاركة فى إدارة الشئون العامة التى دفع إليها الناس دفعا.
والإرهاب مازال يهدد المجتمع والدولة. انفجار الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء سواء كان بفعل الإرهاب أو بدونه مما يخيف السياحة والسواح المحتملين، وهو وقع بعد أسابيع من مقتل سواح على الجانب الآخر للبلاد فى الصحراء الغربية. مصرع السواح بفعل فاعل أو بدونه يمكن أن تكون له آثار على موارد العملات الأجنبية وعلى ميزان المدفوعات، وهو ما يحيلنا مرة أخرى إلى الحالة النقدية وآثارها على النشاط الاقتصادى والتشغيل والغلاء.
محكمة النقض ألغت أحكاما بالإعدام والحبس المشدد على متهمين من جماعة الإخوان المسلمين واعتبرت أنه لا يجوز الاعتماد على تحريات الشرطة كأدلة مطلقة على الجريمة أو لإدانة المتهمين. محكمة النقض ألغت كذلك قرار النيابة العامة إدراج عدد من الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب باعتبار أن هذا حق للقضاء لا يصح لسلطة الادعاء استلابه. هذه مظاهر لاضطراب فى إصدار القوانين فى غيبة البرلمان وفى أداء النظام القضائى وفى اضطلاع النيابة العامة بوظائفها.
***
فى الشأن الخارجى أثار تصويت مصر لصالح عضوية إسرائيل فى لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجى التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة اندهاش الرأى العام. والمتابع لنفس الشأن الخارجى يستشف اضطرابا يعتمل فى العلاقات مع دولة العلاقات معها وثيقة. حسنا فعلت روسيا بإصرارها على أن تشترك مصر وغيرها من البلدان المتاخمة لسوريا، أو تلك المؤثرة بشكل مباشر أو غير مباشر على مجرى الصراع فيها فى المباحثات الرامية إلى البحث عن مخرج من هذا الصراع. ولكن المباحثات إن امتدت ستستدعى الكشف صراحة عن مواقف كل طرف من الأطراف المشاركة فيها وهنا ستتضح الهوة بين المواقف المصرية والسعودية. حتى وإن كانت الأخيرة قد تحركت نوعا ما فى اتجاه الإبقاء على الرئيس السورى خلال فترة انتقالية فالظن هو أنها تريد فى النهاية نصرة المجموعات الإسلامية فى نظام سياسى سورى جديد وهو ما يتعارض مع المواقف المصرية. هذا الاضطراب الخارجى الكامن له آثار سياسية واقتصادية.
***
ما تقدم ليس إلا أمثلة على اضطراب يعمّ الحياة العامة فى مصر. هو اضطراب متنام، مركّب، ومتعدد الأوجه، فكيف تواجهه الدولة؟ الحكمة وحسن إدارة الشئون العامة يفترضان أن تستعين الدولة فى هذه المواجهة بكل الموارد المادية والفكرية المتاحة وهو ما يتطلب منها أن توسِع قنوات المشاركة فى النظام السياسى، بدلا من أن تسدّها، وأن تستفيد من القوى الحية فى المجتمع وأن تمكنها من أن تنمو وأن تتشكل فى تنظيمات مؤثرة، وليس أن تحاصرها وتقمعها. الاضطراب المعمم والتحديات المتزايدة تستدعى فتحا للمجال العام، وهى تتطلب برلمانا يسهم فى الحكم بأن يراقب ويقوِّم وبأن يشرِّع ويقترح، وليس برلمانا منصاعا لا يضيف إلى الحكومة ولا إلى الشعب شيئا.
ستكتشف السلطة أن أسوأ ما فعلته فى حق نفسها أنها أغلقت المجال العام أمام المجتمع، وأنها هندست العملية الانتخابية بشكل ينتج برلمانا لا يعينها على مواجهة أنواء الاضطراب التى تبحر فيها.

أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

اقتباس
الانخفاض الهائل فى معدل المشاركة فى الانتخابات وتشرذم من انتخبوا بالفعل وغيبة أى هيكلة سياسية لهم من علامات الأزمة فى النظام السياسى.

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات