الحرب الرابعة بين إسرائيل وحزب الله - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرب الرابعة بين إسرائيل وحزب الله

نشر فى : الإثنين 8 يناير 2024 - 6:40 م | آخر تحديث : الإثنين 8 يناير 2024 - 6:40 م

بمجرد إطلاق جيش الاحتلال الإسرائيلى عدوانه الخامس على غزة، عقب عملية «طوفان الأقصى»، التى نفذتها المقاومة الفلسطينية فى السابع من أكتوبر الفائت، تصاعدت حدة مناوشاته مع حزب الله على الحدود اللبنانية. الأمر الذى تمخض عن سقوط قرابة عشرين جنديا إسرائيليا، و129 عنصرا من مقاتلى الحزب. وعلى أثر الاستهداف الإسرائيلى لصلاح العارورى، وستة آخرين من قيادات كتائب القسام، فى الضاحية الجنوبية بلبنان، ثم ثلة أخرى من قيادات الحزب بعدها بأيام، تفاقمت احتمالات اندلاع الحرب الرابعة بين الجانبين.
قبل «طوفان الأقصى»، أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أن الإسرائيليين واللبنانيين لم ينفذا التزاماتهما بموجب القرار الأممى 1701. كما أعرب عن قلقه العميق إزاء تنامى وتيرة المواجهات اليومية عبر الخط الأزرق، منذ الثامن من أكتوبر الماضى، كونها تمثل أخطر انتهاكات للقرار 1701 منذ اعتماده عام 2006؛ بما يهدد بتوسيع نطاق المواجهات، وتهديد الأمن والاستقرار الإقليميين. بدورها، حذرت قوات الطوارئ الدولية «اليونيفيل»، من أن يفضى سوء التقدير، إلى تعاظم الصراع على الحدود بين إسرائيل ولبنان. خصوصا مع اجتراء الطرفين على انتهاك، قواعد الاشتباك، المتفق عليها ضمنا، منذ «تفاهم نيسان»، الذى أعقب حرب 1996، فيما كرسها القرار 1701. كثف نتنياهو ووزير دفاعه، يوآف جالانت، تهديداتهما للبنان، ونقلا نصف القوات الإسرائيلية من غزة إلى الجبهة الشمالية. وأشار موقع «والا» الإسرائيلى، إلى اعتماد خطط الحرب مع حزب الله، حتى باتت مسألة وقت. فى المقابل، أفادت مصادر إسرائيلية أن إيران تعمل على تسريع نقل الأسلحة الدقيقة، الصواريخ، القذائف، أنظمة دفاع ضد المروحيات والمسيرات، إلى حزب الله، عبر سوريا، استعدادا للمواجهة. وأخيرا، تجاهل حزب الله، الدعوات الدولية، والتهديدات الإسرائيلية، بخصوص إنهاء تموضعه بجنوب لبنان، رافضا انسحاب قواته إلى ما وراء نهر الليطانى.
أوردت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، أن، بايدن، منع، نتنياهو، من توجيه «ضربة استباقية» ضد حزب الله، بعد أيام من عملية «طوفان الأقصى»، مخافة أن تؤجج حربا إقليمية أوسع. حيث تتطلع إسرائيل للحيلولة دون تكرار سيناريو السابع من أكتوبر الماضى، على الحدود الشمالية، القضاء على قوات الرضوان، تنفيذ القرار 1701، تأمين منطقة عازلة بعمق 20 إلى 30 كيلومترا، وراء نهر الليطانى، تتيح لزهاء 80 ألفا من سكان المستوطنات الحدودية مع لبنان، العودة إلى قراهم المحاذية للخط الأزرق.
عقب اغتيال، صالح العارورى، نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس فى قلب الضاحية ‏الجنوبية لبيروت، وهى عقر دار حزب الله، أعلنت مصادر إسرائيلية رفع حالة التأهب على الحدود الإسرائيلية ــ اللبنانية. ولما كانت العملية الإسرائيلية تستهدف اغتيال كبار قادة حماس، مع اختراق وتهديد الحاضنة السياسية والشعبية والأمنية لحزب الله، فقد أعلن الأخير عزمه الانتقام. وكان أمينه العام، حسن نصر الله، قد أعلن فى الـ28 أغسطس الماضى، أن أى اغتيال على الأرض اللبنانية يطاول أى مسئول فى المقاومة، لبنانيا، أو فلسطينيا، أو سوريا، أوإيرانيا، سيستجلب رد فعل لا يمكن تحمله، إذ لن يسمح الحزب أن يظل لبنان ساحة للاغتيالات.
رغم تنوع مظاهر التصعيد، لا يخلو الأفق من إرهاصات لكبح جماحه. فتوخيا منها لحمله على التراجع، لا تتورع حكومة، نتنياهو، عن تحذير حزب الله من رد مروع حالة فتح جبهته ضد إسرائيل. بدوره، طالب الوزير بمجلس الحرب، بينى جانتس، المستشار الألمانى، بالتعاون مع المجتمع الدولى، لإبعاد حزب الله عن المنطقة الحدودية.
من جانبهم، بعث أمنيون وعسكريون إسرائيليون توصيات لمتخذى القرار، تشمل عدم فتح جبهة جنوب لبنان قبل الانتهاء من تحقيق أهداف حرب غزة. وتوسلا منها لتجنب تسخين تلك الجبهة، بعد مقتل، العارورى، أعلنت إسرائيل أن الحادث استهدف حماس، وليس حزب الله أو لبنان.
يأبى حزب الله إلا اعتماد الردود العسكرية المحسوبة والدقيقة. ففى خطابيه اللذين ألقاهما فور اندلاع حرب غزة الحالية، أشار، نصرالله، إلى أن الحزب ينشد تخفيف الضغط على حماس، بدلا من شن حرب شاملة. أما خطاباه اللذان أعقبا مقتل، العارورى، وعدد من قيادات الحزب، فرهن الرد الانتقامى المتمثل فى شن حرب «بلا ضوابط» ضد إسرائيل، بمهاجمة الأخيرة للبنان. وتشى السوابق التاريخية، بأن جميع العمليات الإسرائيلية، التى استهدفت قيادات بارزة فى محور المقاومة، بقيت من دون رد متوازن ومتناسب، من لدن إيران أو الحزب، حيث لم يتم استهداف مسئولين إسرائيليين على نفس المستوى. من هذا المنطلق، جاء قرار، بايدن، سحب حاملة الطائرات الأمريكية «جيرالد فورد» من البحر المتوسط. وبالتزامن، قرر الجيش الإسرائيلى سحب خمس ألوية احتياط من غزة، وإسناد تأمين الحدود مع لبنان إلى القوات النظامية، التى تعتبر مناوشات حزب الله «شبه روتينية».
ردا على الصفعات التى وجهتها له إسرائيل أخيرا، يحتاج حزب الله لتعزيز صدقية استراتيجيتيه، سواء لجهة الردع، أو وحدة ساحات محور المقاومة. دونما خرق لقواعد الاشتباك؛ وبما يحافظ على الحد الأدنى من الاستقرار الداخلى فى لبنان؛ ويحول دون تدحرج الأوضاع نحو حرب شاملة. بيد أن الحزب يخشى استدراج إسرائيل له، توطئة للإجهاز عليه، عملا باستراتيجية بيجن ــ شارون مطلع ثمانينيات القرن الماضى. فالحزب يدرك أن اصطدامه بإسرائيل، سيستتبع تدخلا أمريكيا فوريا على خط المعارك، مما سيتسبب بتدمير لبنان وتقويض قدرات الحزب. خصوصا بعدما عكس اغتيال، العارورى، حجم الاختراق الاستخباراتى لحاضرة الحزب. كما أظهر قدرة إسرائيل على توجيه ضربات نوعية داخل العمق اللبنانى، مستفيدة من محدودية فعالية منظوماته الدفاعية، وعدم اكتمال قوته الضاربة. إذ لا تفتأ قواته تنتشر فى مناطق سورية، لدعم نظام الأسد، وتأمين طريق طهران ــ بغداد ــ دمشق ــ بيروت، الذى يخول إيران بلوغ مياه المتوسط الدافئة.
تكاد مواجهات حزب الله مع إسرائيل تفتقد الحاضنة الشعبية فى الداخل اللبنانى. حيث أسفرت مناوشاتهما المشتعلة منذ الثامن من أكتوبر الماضى عن مقتل 175 لبنانيا؛ فضلا عن نزوح 76 ألفا آخرين. ومن ثم، يتخوف الحزب من فقدان الدعم الشعبى، حالة انخراطه بمواجهة جديدة؛ فى وقت تعانى البلاد مأزقا سياسيا، وتكابد إحدى أسوأ أزماتها الاقتصادية بعد انهيار منظومتها المالية عام 2019، وتفاقم مستويات الفقر، وشلل معظم أركان الدولة. وكانت حرب الثلاثين يوما بين إسرائيل وحزب الله عام 2006، قد أسفرت عن مقتل أكثر من 1200 لبنانيا، وخسائر اقتصادية تناهز 15 مليار دولار. كما تمخضت عن 40 ألف نازح من جنوب لبنان، بينهم 10 آلاف يقيمون فى مراكز إيواء. وتوخيا منه لاستثمار هذا الوضع، هدد نتنياهو، بتحويل لبنان إلى غزة، حالة إشعال حزب الله حربا ضد إسرائيل.
بينما تتبارى الجهود الأمريكية والأوروبية لإدراك حل دبلوماسى، يضمن إبعاد عناصر حزب الله إلى ما وراء نهر الليطانى؛ يبقى القرار الحاسم والقول الفصل بشأن المواجهة الرابعة بين إسرائيل وحزب الله، لدى إيران. لكن الأخيرة لا تبدو مستعدة لصدام مباشر مع إسرائيل، فى ظل تهديد نتنياهو، باستهدافها مباشرة بضربات، لا يمكن تخيلها، إذا وسع حزب الله حرب غزة. فبرغم اغتيال، رضى موسوى، القيادى البارز بالحرس الثورى، فى سوريا، مرورا بالقيادى الحمساوى، صالح العارورى، ثم الهجومين المتزامنين اللذين زلزلا محافظة كرمان، وصولا إلى استهداف عدد من قيادات حزب الله بلبنان؛ يبقى المرشد الإيرانى، معتصما بسياسة «الصبر الاستراتيجى». حيث تقليص العمليات السرية ضد إسرائيل، وتحجيم هجمات الفصائل الولائية على القواعد الأمريكية بسوريا والعراق. كأنه يتجنب استدراج إيران إلى مواجهة عسكرية مباشرة، ولا تحمد عقباها، مع واشنطن وتل أبيب.

التعليقات