عصفور النار - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عصفور النار

نشر فى : الأحد 8 فبراير 2015 - 8:10 ص | آخر تحديث : الأحد 8 فبراير 2015 - 8:10 ص

بدا لى وكأنه طائر الفينيق الأسطورى.. هكذا تصورته وأنا أشاهد مثل ملايين البشر حول العالم الفيديو الذى بثه تنظيم داعش، وهو يصور الطيار الأردنى ــ معاذ الكساسبة ــ صامتا على مدى 22 دقيقة، هى مدة الفيلم، لا ينطق بكلمة والنار ممسكة بملابسه الحمراء.

قلت: احترق فبعث مجددا من رماده، العبارة تنطبق فى الأصل على طائر الفينيق العملاق بريشاته الحمراء كألسنة اللهب. عندما يشعر بالنهاية، يلوذ بعشه ويغرد لآخر مرة بصوت خفيض حزين، يشتعل وحيدا وتظل النار مستعرة لمدة ثلاثة أيام حتى يتحول إلى رماد.

وداخل العش المكون من أغصان أشجار التوابل وبعض الأعشاب العطرية تتحول بقاياه إلى طائر آخر من النوع نفسه... هنا يكمن معنى الأسطورة التى ظهرت أول ما ظهرت فى مصر الفرعونية، ثم انتشرت عند الإغريق والرومان وجعلت منه رمزا للبعث وثنائية الحياة: يخرج الحى من الميت بعد عمر طويل يستمر ما بين 500 إلى ألف سنة، وعندما تحين ساعة الموت يشتعل ذاتيا داخل العش، يصبح الطائر الذى يشبه النسور العربية مثل قرص الشمس الذى يختفى فى غياهب الليل ويظهر صباحا لينير الأفق.

لذا اعتبر علماء الفلك وكهنة هليوبوليس القديمة أن موت طائر فينيق وميلاد آخر حدث يشير إلى تغيير آت أو ثورة أو نهاية عهد الفرعون أو الحاكم وبداية حقبة جديدة. كذلك اتخذت بعض المدن الأوروبية من طائر الفينيق شعارا لها فى أعقاب الحرب العالمية الثانية للدلالة على قدرتها على النهوض والخروج من نيران الحرب والرغبة فى البناء والتجديد.

•••

هكذا هى رمزية النار العالية التى لمسناها قبل سنوات قليلة عندما أضرم بوعزيزى النيران فى جسده لتصل رسالته إلى العالم بأسره وتقلب الأوضاع فى البلاد.. اتخذ الشاب التونسى لنفسه وسيلة احتجاج صادمة، فليس هناك ما هو أصعب من الموت حرقا ــ على ما أظن ــ ليشعر من حوله بالألم والذعر وربما الخوف أيضا، وهى المعانى ذاتها التى أراد تنظيم داعش أن يبثها فى نفوسنا من خلال الفيديو.

ومن قبلها أطاح أعضاؤه بالرقاب وأشعلوا النيران فى أكثر من ألفى كتاب بمدينة الموصل، شمال العراق، معتبرين أنها تحض على الكفر والعصيان. ومن قبلها اندلعت الحرائق واحدا تلو الآخر فى أواخر عهد مبارك.

وقفنا نتحسر على الخسائر التى لحقت بمبان عتيقة رائعة، دون أن نعرف السبب، لكنها كانت إشارة ربما على أن هناك ما سيأتى ليقلب الموقف.. ثم توالت مشاهد النار المستعرة وألسنة اللهب التى يحاول البعض إطفاءها دون جدوى من وقت لآخر.. تشتعل وتشتعل وتشتعل، ونسير نحن بين إطارات الكاوتشوك المستعرة، كما فى أوقات الشغب، لا ندرى أين نضع أقدامنا.

الأرض تحترق من حولنا كما كان يفعل القدامى ليزيدوا من خصوبة التربة ويتخلصوا من الشوائب، والفينيق أو عصفور النار يحلق فوق رءوسنا، فلا يراه إلا من صفى قلبه وخلصت نيته.

لا يراه إلا من يحاول أن يفهم الرسالة التى أراد الطائر الخرافى إبلاغها ليجنب أهل القرى والمدن أخطار العدو، قبل أن تحترق جوانحه وينزوى فى العش ليموت فى هدوء، فهو يكره الفوضى. المهم هل سنتعدى مرحلة الامتعاض إلى التدبر؟ إضرام النيران فى جسد الطيار يشير إلى تغيير آت، إلى مرحلة قادمة لا محالة، وعصفور النار لا يحترق ليذهب الرماد هباء بل ليحل آخر مكانه.. وإلا سيصلى الجميع نار الجحيم.

التعليقات