إعادة تدوير نفايات البلاستيك.. نعمة أم نقمة؟ - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إعادة تدوير نفايات البلاستيك.. نعمة أم نقمة؟

نشر فى : الثلاثاء 8 مارس 2022 - 9:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 8 مارس 2022 - 9:35 م

بمناسبة استضافة مصر مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ فى نوفمبر القادم وبدء الترتيبات له منذ الآن، رغبت مصر فى إظهار قدراتها وإمكانياتها الحقيقية لعقد مثل هذا المؤتمر الضخم والهام من خلال اختيارها لمدينة شرم الشيخ. ولم يأت هذا الاختيار من فراغ. فطالما أولت مصر اهتمامها بهذه المدينة المشهورة بالسياحة البيئية واعتبارها محمية طبيعية زاخرة بثرواتها المرجانية، وحان الوقت لكى تُظهر للعالم أجمع وبفخر إنجازاتها عامة وفى تلك المدينة بصفة خاصة من خلال المؤتمر السابع والعشرين لتغير المناخ. بيد أن اتساع الفجوة فى الالتزامات مازالت كبيرة وتحقيق التوازن فيما بين الدول كبيرها وصغيرها، والنامية منها والمتقدمة لا يزال محل مفاوضات مستفيضة ومسهبة بين الخبراء وممثلى الدول.

بدأت وتيرة الاستعدادات تتكثف، وجاءت الدول شرقا وغربا للتنسيق مع مصر. وعقدت مصر عددا من الاجتماعات التشاورية مع مجموعة من الشركاء الدوليين بشأن الاستعدادات لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين. وجاء جون كيرى المنسق العام بالإدارة الأمريكية ومستشار الرئيس الأمريكى لتغير المناخ على رأس وفد كبير للتشاور مع مصر فى مجموعة واسعة من القضايا الثنائية ومتعددة الأطراف ذات الاهتمام المشترك والمتعلقة بجدول أعمال المؤتمر. كما أجرت مصر مشاورات مع ممثلين من ألمانيا، باعتبارها الرئيس الحالى لقمة مجموعة الدول السبع، ومع مسئولى مؤتمر COP26 استعدادا لتسليم مهام الرئاسة إلى مصر. وكذا مع المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ومساعده للعمل المناخى، والمبعوث الخاص لدولة الإمارات العربية المتحدة المعنى بتغير المناخ. وتناولت كثيرا من هذه الاجتماعات مجالات التعاون الثنائى فى مجالات التغير المناخى والبيئة.
ويأتى الاهتمام بكتابة هذا المقال ليس من واقع تخصصى فى موضوعات تغير المناخ، وإنما بهدف عرض فكرة محددة لعلها لا تلقى استجابة من الحكومة والقطاع الخاص فحسب، وإنما أيضا من المستثمرين المحتملين فى مجالات التعاون الثنائى. وتتناول الفكرة صناعة إعادة تدوير البلاستيك وطرح إيجابياتها وسلبياتها للتعرف على جدواها والوزن الذى تستحقه من قبل المسئولين بالحكومة والقطاع الخاص بُغية دفع الجهود فيما بينهما تحقيقا لأقصى استفادة ممكنة لمصر وشعبها.
• • •
ليس غريبا على الكثيرين أن مصر تسبح فى بحر من النفايات البلاستيكية. ويُزعم أن ما يقرب من نصف النفايات البلاستيكية التى يتم إغراقها فى البحر الأبيض المتوسط تأتى من مصر وحدها، وفقا للصندوق العالمى للطبيعة (WWF). بالإضافة إلى ذلك، فإن مصر من بين أكثر الدول التى تسىء إدارة النفايات فى المنطقة تأتى بعدها تركيا ثم إيطاليا، ولكن بنسب أقل بكثير. ومن المتوقع تضاعف النفايات البلاستيكية أربعة أضعاف بحلول عام 2050، إذا لم يتم الإسراع فى اتخاذ إجراء مناسب للتصدى لهذه المأساة.
ففى حين أن الكثير من هذا التلوث يُعزى إلى دورة حياة البلاستيك بأكملها، بما فى ذلك إدارة النفايات، فإن الأمر يتوقف على مصر وحدها فيما يتعلق بمدى استعدادها تحويل نفاياتها البلاستيكية من نقمة إلى نعمة. وتعد صناعة إعادة تدوير البلاستيك صناعة جديدة نسبيا، وتعتبر الصين ودول شرق آسيا من بين الدول الأكثر تميزا فى هذه الصناعة.

فعلى الرغم من أن مصر على دراية بالتهديد الذى تشكله النفايات البلاستيكية على أراضيها ومياهها وشواطئها، وعلى الرغم من أن الحكومة قد بدأت فى التعامل معها من خلال السياسات وبناء القدرات، فإن مصر لم تدخل فى صناعة إعادة التدوير وإعادة استخدام المواد البلاستيكية، لا سيما تلك الملامسة للأغذية، وذلك بموجب التشريعات المصرية التى تحول دون إنشاء وتطوير مثل هذه الصناعة.
غير أن هذه الصناعة رغم حداثة ظهورها أثبتت جدوى عالية فى الحفاظ على البيئة، وأصبحت عمليات إعادة التدوير مسارا رئيسيا لإزالة الكربون بالدول وتقليل دفن النفايات البلاستيكية فى أراضيها وبحارها وأنهارها، مما يسبب تلوث مصايدها وثروات بحارها. وكخطوة أولى استعدادا لجذب الاستثمارات فى هذا المجال، يتعين على مصر مواءمة تشريعاتها وإصدار قوانين جديدة تسمح بإقامة مثل هذه الصناعة.
يجدر الذكر فى هذا السياق أن الطلب على منتجات البلاستيك المستخلصة من إعادة التدوير أصبح يفوق العرض حاليا، مما يأتى بالفرص الوفيرة ولكن أيضا بالتحديات للمنتجين إزاء ما تتطلبه من تكنولوجيا جديدة وعالية الجودة ورؤوس أموال وفيرة لقيام هذه الصناعة.
كما أنه من المعروف أن هناك العديد من العوائق التى تحول دون بدء نظام إعادة التدوير وإعادة استخدام البلاستيك، خاصة أنواع البلاستيك الملامسة للطعام مباشرة فى مصر. وتتمثل هذه المعوقات فى مخاوف المستهلك الصحية ورفض فكرة إعادة تدوير واستخدام البلاستيك، فضلا عن التشريعات المصرية التى تمنع إعادة استخدام المواد البلاستيكية المعاد تدويرها إذا كانت ملامسة للغذاء.
• • •
فى الواقع، لفتت الشركات متعددة الجنسيات فى مصر، مثل نستله وكوكا كولا وبيبسى، انتباهنا إلى الفرص الضائعة وأبدت رغبتها فى الاستثمار فى إعادة تدوير زجاجات المياه المعدنية والمياه الغازية، مشيرة إلى المزايا الحقيقية والملموسة، التى ستجلبها مثل هذه الصناعة إلى مصر، سواء بالنسبة للبيئة أو العمالة أو أن تصبح مصر مركزا لتصدير هذه الزجاجات إلى شركاتها وأفرعها فى أفريقيا وأوروبا بدلا من استيرادها من الدول الآسيوية التى تضاعف سعرها بسبب الزيادة غير الواقعية فى نفقات الشحن والنقل.

واتساقا مع استراتيجيتها فى الحفاظ على البيئة وتشجيع إعادة التدوير، أطلقت شركة نستله للمياه، وهى أكبر شركة مياه معبأة فى مصر، عبوات مياه جديدة مصنوعة من البلاستيك المعاد تدويره بنسبة 100% تقوم باستيرادها. ومثل هذه الصناعة يمكن أن تقوم فى مصر على مستوى شركاتنا الصغيرة والمتوسطة كصناعات مغذية لهذه الشركات الأم وأن تصبح فى فترات وجيزة شركات مصدرة لتساهم فى هدف زيادة صادراتنا. لقد تطور استخدام البلاستيك المعاد تدويره لسنوات فى آسيا ولكن بشكل أساسى للتطبيقات منخفضة القيمة مثل الألياف وأكياس القمامة ومواد البناء وغيرها ولكن أقل بالنسبة للتطبيقات الغذائية.
غير أن إمدادات المواد البلاستيكية المعاد تدويرها واجهت نقصا حادا على الصعيد العالمى وسط جائحة الكورونا والخدمات والتحديات اللوجستية، وفى نفس الوقت تزايد الطلب عليها بشكل كبير، خاصة فى أوروبا والولايات المتحدة كصناعة نظيفة للبيئة ومخففة لانبعاثات الكربون. وينظر إليها اليوم دون شك على اعتبارها صناعة مربحة، خاصة بالنسبة لتغليف المواد الغذائية وهو أحد أكبر استهلاك لقطاعات البلاستيك، مما يسمح للبلاستيك المعاد تدويره الاستخدام فى هذا القطاع وزيادة الطلب المحلى والدولى عليه. وأصبح نمو البلاستيك المعاد تدويره والارتقاء به من خلال مواءمة التشريعات المناسبة وزيادة الوعى العام وجذب الاستثمارات النظيفة مع التكنولوجيا المتطورة يدعو للتفاؤل. وكل ذلك يصب فى مصلحة مصر.

وبدخول مصر هذه الصناعة يمكن لها أن تثبت أقدامها ومكانتها فى مخطط الصناعات الجديدة كمصدر للبلاستيك النظيف المعاد تدويره والصالح للاستخدام كمادة ملاصقة للأغذية. وكلى أمل ألا تظهر منافسة غير صحية بين صناعة البلاستيك البكر، وهى دون منازع صناعة مربحة فى مصر، وصناعة إعادة تدوير البلاستيك الجديدة، التى تشهد تزايدا فى الطلب عليها بشكل كبير. فإن كليهما صناعتان مفيدتان ويمكن لهما التعايش جنبا إلى جنب فى مصر. كما أن توقيت بدء مثل هذه الصناعة فى مصر يأتى فى وقت مناسب، فى ضوء بوادر هجرة هذه الصناعة من آسيا لارتفاع أسعار الشحن وكذلك تراجعها أمام اشتداد تفشى جائحة كورونا.
يجب أن يكون التعامل مع هذه المشكلة محل اهتمام مصر فى ضوء رئاستها للدورة 27 القادمة (نوفمبر 2022) ورعاية استثمارات إضافية فى إنشاء صناعة جديدة مجزية للشركات الصغيرة والمتوسطة لتكون بمثابة صناعة مغذية ومساهمة فى زيادة الصادرات.

ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات