رصاصات وقنابل وحب.. ازدهار الحب فى وسط الأحداث السودانية - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رصاصات وقنابل وحب.. ازدهار الحب فى وسط الأحداث السودانية

نشر فى : الأربعاء 8 مايو 2019 - 10:45 م | آخر تحديث : الخميس 9 مايو 2019 - 12:11 م

نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا لـ«ديكلان والش» يتناول فيه تعامل الشباب السودانى مع الحريات الجديدة التى اكتسبها مؤخرا بعد الأحداث السودانية، ويبرز من خلال الحديث معهم فرحتهم وآمالهم نحو مستقبل السودان.

انطلقت مركبات «النصف نقل» على طول نهر النيل مساء. وجلست العروس مرتدية فستانا ورديا وفى يديها شنطة براقة وأرجلها مغطاة بالضمادات. العروس «سمر النور» والتى تعرضت لإطلاق النار مرتين الشهر الماضى خلال الانتفاضة التى أطاحت بالرئيس عمر البشير والتى كانت فى طريقها إلى المكان الذى شهد الاحتجاجات لتتزوج من الشخص الذى أنقذها.

منتصر التيجانى، عامل البناء الذى يبلغ الثلاثين من عمره، هرول إلى سمر مسرعا لإنقاذها بينما كانت مستلقية على الأرض تنزف فى ظل تطاير الرصاصات من حولهم. فمثلها، انضم إلى صفوف الاحتجاجات ضد البشير، وبعدها وقعوا فى الحب.
فيقول «اعتقدت أنها شجاعة».

ولكن الثورة لم تنته بعد.

حينما عبرت السيارة «نصف النقل» بجوار حشد من آلاف الأشخاص ما زالوا معتصمين أمام المقر العسكرى مطالبين بالانتقال الكامل للحكم المدنى، جذبت نور صاحبة الثمانية والعشرين من عمرها فستانها وجلست على مقعدها المتحرك وانضمت إلى المحتجين.

دفعها عمها خلال الحشد، عبورا بالمقاهى التى تضم جنودا وأزواجا متغازلين، ومرورا بشعراء ومتحدثين يغزلون شعرهم وحديثهم وأحلامهم عن السودان، وبموسيقيين مصففين شعرهم على طريقة الـ«الدريد» عازفين أغانى بوب مارلى وصولا إلى المكان الذى أصيبت فيه.

طوال عمرها عرفت سمر فقط سودان البشير: مكان يخلو من الرحمة ومملوء بفساد منعها من الحصول على وظيفة فى القطاع الحكومى. الآن تظهر بلد جديد – أو على الأقل الوعود بأن تكون. تقول سمر «فى الماضى لم يكن فى إمكاننا الاحتفال، لم نكن نستطع التعبير عن أنفسنا أو الإفصاح عما بداخلنا. الآن نشعر بالحرية».

بعد عقود من حكم البشير، اجتاحت موجة مليئة بالحيوية الخرطوم ليمارس الشباب السودانى الحريات الجديدة من الحديث عن السياسية إلى الاحتفال إلى حتى العثور على الحب.

***
مركز هذه التغيرات هى منطقة الاحتجاجات على أبواب المقر العسكرى. نساء مرتديات الجينز يتنقلون دون الخوف من المضايقات التى تقوم بها الشرطة والتى اختفت دورياتها من الشوارع، أناس وضعوا كراسيهم على العشب الذى تتطاير رائحته فى الهواء وأفراد من الجيش يرتدون الزى العسكرى انضموا إلى المحتفلين.

لقد جعل حكم البشير «الإسلامى» للسودان ــ وهو مجتمع محافظ بالفعل ــ غير معتاد على مثل هذه المشاهد. ووصل صدى التغيير إلى مناطق أبعد من مناطق الاحتجاجات. ففى إحدى الليالى ركبت فتاة شابة دراجة نارية ترتدى الجينز ويتطاير شعرها خلفها فى مشهد جديد لطالما كان ينذر بحدوث اعتقال. الآن الفتيات والرجال يخرجون من السيارات المارة مبتسمين ومشيرين بأصابعهم بعلامات الانتصار.

قالت زهيرة محمد صاحبة الثمانية وعشرين عاما التى تحدت والديها للمشاركة فى الاحتجاجات أن هذه التغييرات كانت صادمة فى البداية. فالفرد كان يشعر بأن النظام يضع أسلحته حول أعناقهم، أما الآن «فهناك شيء جميل للغاية يحدث».

وفى حين أن السودان القديم قد يبدو بعيدًا عن الأنظار، إلا أنه لم يختف. ففى أحد الأيام، جلس أفراد من الشرطة النظاميين بعيدا عن مقرهم فى زيهم الرسمى يشربون الشاى، وقال أحد القادة إنهم ينتظرون التعليمات. وبينما كان يحتفل المتظاهرون الأسبوع الماضى، تعرض عامر يوسف للجلد. ويوسف سائق يبلغ من العمر 35 سنة تم ضبطه فى حوزته زجاجة من الخمر وهو ذاهب لشراء السجائر. وفى اليوم التالى تم الحكم عليه بخمسين جلدة إضافة إلى 10 آخرين بسبب الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد. وقال يوسف إن القاضى كان يبدو عليه أنه لا يرضى عن الثورة ورفع قميصه لإظهار علامات الجلد على ظهره.

***
كما التقى شابان آخران، هما محمد حامد وناهد الجيزولى، خلال الاحتجاجات، ولم تجمعهما الرصاصات ولكن القنابل المسيلة للدموع.

فحامد المهندس البالغ من العمر 31 عامًا، سقط على ركبتيه فى وسط الخرطوم عندما امتلأت رئتاه بالغاز، فركضت ناهد إليه وساعدته على غسيل وجهه بالكوكاكولا. وزادت صداقتهما بعدها فى الأشهر التى أعقبت هذا، فوقفا سويا فى مواقع الاحتجاجات وفرا سويا من عصابات النظام المسلحة وشاركا فى احتجاجات ضد مقتل أحد زملائهم فى الحجز، والتى قالت ناهد الجنزورى البالغة من العمر 26 سنة أن تم ضربه حتى الموت.

والاثنان تعرضوا لقمع الشرطة قبل الثورة. فناهد الجيزولى تعرضت للاحتجاز العام الماضى أثناء عودتها مع أصدقائها من رحلة تخييم فى الصحراء. أما حامد، فتمت معاقبته بأربعين جلدة عندما تم القبض عليه فى حالة سكر. وقال لم يكن الأمر شديد الصعوبة، فقد قام برشوة الجالد حتى يخفف من قوة الجلد.

وعن الأزمة الاقتصادية، كره الشباب كون أن البشير حرمهم من الكثير من الفرص بحديثه الدائم عن العزلة المهينة التى فرضت على السودان. ففى السودان، تعنى العقوبات الأمريكية أن Netflix وSpotify والعديد من خدمات الإنترنت الأخرى محظورة وعدم عمل بطاقات الائتمان ومنع المحال العالمية. فيسمى أحد المقاهى الشهيرة فى الخرطوم بـ Starbox، مع نسخة من شعار ستاربكس الأسود والأخضر. وبالتالى غادر الشباب السودان باحثين عن فرص أفضل للعيش. فتقول ناهد الجزولى أن السودان كانت مثل الجحيم بلا أمل وبلا حريات وبلا مرح.

وتحولت صداقة حامد وناهد إلى الحب خلال الفترة الأخيرة من احتجاجاتهما ضد البشير فى مطلع إبريل. فكانوا يستلقون على الأرض عند إطلاق النيران خارج المجمع العسكرى وفرحوا عندما سقط البشير. فالآن يعبرون عن حبهم بحرية وتقول ناهد إن هذه هى السودان الجديدة التى لطالما حلمنا بها.

الاختلافات فى الدين والعرق التى استغلها البشير لتعزيز سلطته أصبحت غير واضحة أو بدأت تمحى. وصل قطار مليء بالثوريين المبتهجين من عطبرة الأسبوع الماضى إلى جانب وصول موكب آخر من دارفور. فيشعر الناس الآن بالسلام والوحدة مع بعضهم البعض.

الحريات الجديدة فى السودان ضعيفة، وما إذا كانوا سيستطيعون الاستمرار أم لا هو شيء غير مؤكد. وأصبحت المحادثات بين قيادات المحتجين والجيش التى بلغت أسبوعها الرابع تتزايد حدتها فى الأيام الأخيرة. وبعيدا عن كل هذا، ينتظر ويراقب أنصار الحكومة القديمة. يقول البعض إن الصراع قد بدأ للتو، وما زال الطريق نحو الحرية طويلا.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغني
النص الأصلي

التعليقات