الجهد البشرى مال وفير - جمال قطب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 8:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجهد البشرى مال وفير

نشر فى : الجمعة 8 أغسطس 2014 - 7:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 8 أغسطس 2014 - 7:35 ص

الإعمار والإنتاج والاستثمار تقوم على ركنين أساسيين هما: الموارد البشرية والموارد الكونية (التى سخرها الله لإعمار الحياة)، كما نؤكد باطمئنان أن كل «المخلوقات المشهودة» ــ عدا البشر ــ ما هى إلا أموال اقتصادية بمعنى من المعانى قرب أو بعد، وعلى هذا فالكون كله إما بشر وإما موارد.

(1)

ففى عمليات الإعمار والاستثمار يصبح الركن الرئيس هو الموارد البشرية أو جهود البشر من تفكير وإبداع إلى تجريب واستنتاج إلى تخطيط وتنظيم إلى عمل وإنتاج إلى تراكم وإعمار وهكذا... فالإنسان هو عماد أو عمود الاقتصاد والإعمار. فالإنسان قد خلقه الله مديرا لعملية الإعمار، مبدعا يخلق مما حوله ما ينفع ويسد الحاجة، لذلك يجب على الأمم والحكومات والأفراد بذل شديد العناية بالإنسان منذ كونه جنينا فى بطن أمه وإلى أن يصل إلى نهاية الحياة.

وهنا نضيف ما يمكن التفكير فيه: هل يمكن اعتبار الزيادة السكانية موردا نافعا ومعمرا؟! أم مازالت الأنظمة السياسية المتحكمة فى العالم تنظر إلى الإنسان على أنه عبء ومشكلة وليس كما يجب اعتباره اداة للنمو والإعمار والتطور.. إلخ.

لكن تلك العناية تتنوع بتنوع عمر الإنسان كما تختلف باختلاف البيئات. فالمرحلة الأولى من خلق الإنسان «الجنين» تفرض على الأمم والحكومات حسن رعاية الام الحامل ومتابعة الجنين متابعة تضمن سلامة وانتظام نموه المقدر له حتى يولد صحيحا سليما، وتبدأ مرحلة الرضاع الطبيعى أو غيرها مع تهيئة بيئة ملائمة لإشعال حوافز التفكير لدى الطفل كيف يعتمد على نفسه فى الوقوف ثم المشى، وفى طلب الطعام واختياره، ثم فى التعبير عن قدراته فى اختيار هواياته التى يتنقل بينها حتى يتم كتشاف أنسب الأنشطة والهوايات التى تستوعب قدراته وملكاته.

ومرحلة ثالثة يختار لهذا الشخص نوع التعليم والتدريب الذى يظهر مواهبه ويستثمر قدراته المميزة له حتى يبلغ درجة التخصص العلمى والعملى فى فرع من فروع الإعمار والاقتصاد.

(2)

والضرورات الاقتصادية للفرد أو المجتمع اربعة ضرورات، قد خلقها الله جل جلاله وجهزها خير تجهيز وإعداد كما أودعها فى خزائنه إيداعا يحافظ عليها صالحة للإستعمال إذا جاء وقتها.

كما ضمن جل جلاله كفايتها لكل المخلوقات حتى آخر الزمان. ودليل ذلك مخاطبة آدم لربه عما أعده له قبل خلقه: (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) طه) فقد خلق الله كل ذلك قبل خلق آدم وأودع الموارد والأرزاق فى خزائنه (...وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...) (7 المنافقون) (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (21 الحجر).

فكل كائن حى خلق الله له جميع ضروراته وحاجاته قبل أن يخلقه هو، وليس على ابن آدم إلا أن يعمل حواسه التى منحها الله له فى البيئة التى خلقه الله فيها، تفكيرا وبحثا وتنقيبا، فسوف يجد أمامه بدائل لكل ما يريد... وجدير بنا الا ننسى أن ابنى آدم حينما اختلفا لم يختلفا بسبب قلة الموارد المتاحة، بل اختلفا لطمع احدهما ورغبته فى الاستئثار بما ليس له. فلما قتل أخاه اكتشف نفسه نادما وعاجزا، (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابا يَبْحَثُ فِى الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِى فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) (31 المائدة).

هكذا رأى ابن آدم أن الأرض تحمله، وتأتيه بطعامه وشرابه، أو يسكنها كما أن ترابها يواريه إذا مات. فليس على ابن آدم سوى التفكير والعمل (فالعمل البشرى) ليس أساس الاقتصاد بحسب بل هو كل الاقتصاد. إذ بالعمل يتم الإنتاج واكتشاف البدائل، واستخدام الأفضل والأرخص والأنفع

(3)

وفى أيامنا هذه يتفاحش الغلاء فيقصم ظهر العرب والمسلمين ورغم ذلك نسمع ونرى أن تذكرة المترو فى اليابان أصبح ثمنها «فوراغ» المياه والمرطبات يضعها المواطن فى الماكينة فيحصل على تذكرة الركوب دون نقود... ماذا نقول؟

نقول إن القوة الاقتصادية أساسها العمل الإنسانى فها هى فوارغ الزجاجات وأشباهها تحل محل النقود فهل نقول حسبنا الله ونعم الوكيل فى أمة تتكاثر القمامة فيها ويندر الوقود وترتفع أسعار تذاكر المواصلات.

أليس العمل البشرى فى أدنى صوره يدر أموالا وفيرة ومترو اليابان خير شاهد على ذلك.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات