عن معركة الدستور التى لا يجب أن نخسرها - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن معركة الدستور التى لا يجب أن نخسرها

نشر فى : الأحد 8 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 8 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

منذ أن اندلعت ثورة يناير وتلقى كل الأطراف التى عبروا عنها (أو ادعوا ذلك) ضربات موجعة الواحدة تلو الأخرى حتى كان مسار 3 يوليو والتى تم استخدام الجماهير فيها كستار للانقلاب على المسار الديمقراطى المهترئ فى عهد الإخوان وتحويله إلى مسار شعبوى بدلا من تصحيحه، وهو بدوره ما تحول لاحقا إلى إرهاصات مسار قومى فاشى يحاول الانقلاب على ثورة يناير نفسها ولا دليل على ذلك أكثر من تلك النسخة الغابنة التى أخرجتها لنا ماعرف بلجنة الخبراء والتى حاولت إيهام الرأى العام بأن مهمتها فنية بحتة فإذا بها لا تكتفى بتعديل (نصوص) الدستور المستفتى عليه شعبيا فى 2012 بل قامت عملا بالانقلاب على المبادئ التى وضعها ذلك الدستور، وقامت بالإخلال بكل مكتسبات ثورة يناير!

قطعا أنت تتخيل أنى أبالغ! ولكنى ادعوك إلى مراجعة النص الجديد لتكتشف بدورك أنه ليس نتاج عمل فنى محايد، ولكنه نتاج ضربة سياسية محكمة الإخراج والتنفيذ لثورة يناير، فبينما أكدت ديباجة الدستور المستفتى عليه شعبيا فى 2012 على الثورة كأساس للشرعية السياسية الجديدة، وعلى مبدأ عدم جواز تدخل المؤسسة العسكرية فى الشأن السياسى، فإن دستور (الخبراء) حذف الفقرتين من الديباجة وأعتقد لا حاجة لى إذا فى التعليق! فدستور الخبراء لا يمانع إذا فى تدخل المؤسسة العسكرية فى الشأن السياسى ولا يعترف بثورة يناير فى أى فقرة من فقراته إطلاقا، وكأننا ذهبنا للنوم فى 24 يناير 2011 لنستيقظ كأهل الكهف فى 4 يوليو 2013!

●●●

فى تقديرى فإن التيارات الثورية عليها أن تقف وبقوة هذه المرة ضد هذه الضربة والتى إن وجهت بنجاح من جانب القوة المناهضة لثورة يناير فإنها ستكون الضربة القاضية والتى يمكننا أن نعلن بعدها عن وفاة الثورة رسميا! هذا التيار مدعو إذا للضغط على لجنة الخمسين (سلطوية التشكيل والتمثيل) بكل السبل من أجل الدفاع عن المكتسبات الثورية فى النقاط التالية:

أولا: لابد أن تعود فقرتى الثورة والنص الصريح على عدم تدخل المؤسسة العسكرية فى الشأن السياسى، فالديباجة تعبير عن ضمير المجتمع وتاريخه ومكتسبات كفاحه ضد السلطوية. الديباجة بالشكل الذى جاء به مشروع الخبراء يعد هدما صريحا لعامين ونصف العام من الكفاح ضد تلك السلطوية.

ثانيا: لابد أن يعود البرلمان المصرى بغرفتيه، فمعظم الدول الديمقراطية تعتمد الغرفتين لأسباب عديدة، أهمها تمثيل القطاعات النخبوية والكفآت التى قد لا تستطيع المنافسة فى أجواء شعبوية بحتة كما هو الحال فى المجالس الشعبية (التى تعرف بالغرف الأدنى) فتحصل على تمييز إيجابى، وهو ما قد يمهد للفئات الأقل حظا فى المجتمع المصرى (الأقباط، المرأة، الشباب) الحصول على كوتة للتمثيل فى مجلس الشورى حال إقراره فى دستور 2013، بينما تبقى المنافسة حرة فى مجلس الشعب، كما أن وجود مجلسين تشريعيين يساهم فى تفتيت سلطة صنع القرار وتوزيعها على أكثر من مؤسسة تشريعية وتنفيذية وهو ما يحقق قدرا من التوازن فى ممارسة العملية السياسية بين الفاعلين السياسيين.

ثالثا: لابد أن نعود لتقييض سلطة الرئيس فى حل البرلمان، كما كان الحال فى نسخة 2012، فالرئيس إما أنه لا يستطيع حل البرلمان أو أن يفقد منصبه حال رفض الشعب فى استفتاء عام لحل البرلمان، كذلك فلابد من تغيير وتعديل سلطات الرئيس فى تشكيل الحكومة، فالإبقاء على النص القديم للمادة 139 فى دستور 2012 سيجعل من تشكيل الحكومة أمر معقد حال خلاف الرئيس مع الحزب أو الائتلاف ذى الأغلبية فى البرلمان بحيث  يتم إعطاء حق تشكيل الحكومة بشكل مطلق للبرلمان دون الحاجة لذلك المط والتطويل، كما هو الحال فى النص الحالى.

رابعا: لابد من إعادة ضبط العلاقات المدنية العسكرية بحيث تبقى مصر دولة مدنية الطابع، فإذا كنا نقبل أن يعين رئيس الجمهورية وزير الدفاع من بين ضباط القوات المسلحة، كما كان الحال فى دستور 2012، فلماذا أضافت لجنة الخبراء تلك الفقرة المريبة فى المادة 178 بحيث لا يكون ذلك إلا بموافقة المجلس العسكرى؟ ومن يملك حق إقالة وزير الدفاع إذا؟ أضف إلى ذلك ضرورة إلغاء مادة المحاكمات العسكرية للمدنيين، وهى تلك التى أصرت عليها لجنة الخبراء وتسكت عليها نخب سبق، وانتقدت نفس المادة فى دستور 2012، والآن اختارت الصمت المريب!

خامسا: لابد أن يعود نظام الانتخاب بالقائمة جانبا إلى جانب الانتخاب الفردى، فاعتماد النظام الفردى سيعود بموبقات عصور ظننا أنها ولت وسيحول مجلس الشعب إلى مجلس الخدمات والوساطات، وبدلا من أن يكون البرلمانى هو الأقوى فى علاقته مع التنفيذى كونه يمارس سلطته بالنيابة عن الشعب فى التشريع والرقابة على أعمال الحكومة، فإنه سيحول النواب إلى طابور طويل منحنى ومطئطئ الرأس للوزراء المنتشين بحثا عن تأشيرة هنا أو استثناء هناك!

سادسا: لابد أن يحصل المصريون بالخارج على حق التمثيل فى البرلمان من خلال تخصيص دوائر للمناطق الجغرافية للمغتربين المصريين بحسب كثافة وجودهم، كذلك فلابد أن ينتصر دستور 2013 لحقوق المرأة والطفل فضلا على الحريات العامة من اعتقاد وتنظيم واجتماع وتعبير ولا يكتفى بالاحتفاظ بتلك المواد المحافظة الواردة فى نسخة  2012 مع السماح للأحزاب المستندة إلى المرجعية الدينية بالعمل فى إطار ضوابط  محكمة لممارسة العملية السياسية بشكل مدنى.

●●●

إن القضايا الست الماضية يجب أن تشكل لها جماعات ضغط من التيارات الثورية عبر القطاعات المختلفة (مرأة، أقباط، شباب، اكاديميين، قادة الرأى العام.. إلخ) وتستخدم كل الطرق المشروعة لإقناع أعضاء لجنة الخمسين بأهمية إدراج تلك القضايا أو تعديلها بحسب الموضع وتبقى هنا نوعين من المحاذير التى يجب الانتباه إليها، الأول: ألا تشغلنا قنبلة الدخان المعدة سلفا حول مواد الشريعة الإسلامية بحيث تستنفد جهودنا وتشغلنا عن القضايا الأهم، كما حدث فى فخ 19 مارس 2011، الثانى: ألا ننساق لدعوات المقاطعة المنتشرة بين بعض التيارات السياسية والثورية، صحيح أن تشكيل اللجنة به عوار واضح وصحيح أن السياق كله استثنائى، ولكن لابد من المشاركة الإيجابية فى الحوارات المجتمعية، المزمع عقدها وتحويلها إلى اطار جاد لممارسة الضغوط السياسية وإيصال وجهات النظر المجتمعية بأساليب احترافية، وبعيدا عن المراهقات السياسية والرومانسية الثورية المبالغ فيها. لقد انهكت التيارات الثورية فى قضايا متنوعة عبر عامين ونصف العام من النضال ووجهت إليها ضربات متنوعة جلعتها تتراجع بشدة، ولكن فى تقديرى فإن معركة دستور 2013 هى الأهم على الأقل فى الأجلين القصير والمتوسط فهل نكسبها؟

 

مدرس النظم السياسية المقارنة بجامعتى القاهرة والأمريكية بالقاهرة

أحمد عبدربه مدير برنامج التعاون الدبلوماسي الأمريكي الياباني، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.