ثلاثة تحديات رئيسية حددتها استراتيجية الأمن القومى الأمريكى فى عهد الرئيس دونالد ترامب والتى كشف النقاب عنها ترامب فى ديسمبر 2017، وتلك الاستراتيجية تحدد بشكل كبير رؤية وتوجهات الإدارة والمؤسسات الأمريكية تجاه أهم المخاطر العالمية التى يجب مواجهتها.
إضافة للتحدى الروسى والصينى وتحدى الجماعات الإرهابية، أشار ترامب إلى دولتين مارقتين هما إيران وكوريا الشمالية كمصدر تهديد رئيسى لبلاده، وذكر ترامب أن «ديكتاتورية إيران الإقليمية تنشر الرعب وتهدد جيرانها فى المنطقة، إضافة إلى سعيها إلى امتلاك قدرات نووية».
وكذلك أشار ترامب إلى أن كوريا الشمالية دولة مارقة ووصفها بأنها لا تستطيع إطعام سكانها لكنها تحاول بناء ترسانة نووية تستطيع منها قتل ملايين الأمريكيين، وتهدد بها جيرانها الإقليميين.
ودعا ترامب إلى ضرورة «توحيد العالم ضد هذه النظم المارقة التى تسعى لزعزعة استقرار حلفاء الولايات المتحدة، وتهديد الأمريكيين وحلفائهم»، تعهد ترامب فى استراتيجية الأمن القومى بالعمل مع «حلفاء واشنطن لتحييد النفوذ الإيرانى فى الشرق الأوسط، والتخلص من أسلحة كوريا الشمالية النووية».
وعلى الرغم من تلك التهديدات، لم تتوتر علاقات واشنطن ببيونج يانج بنفس الصورة التى تسارعت بها وتيرة التوتر بين واشنطن وطهران خلال الأيام الماضية، وذلك على الرغم من تهديد ترامب من أن أمريكا تستطيع أن تبيد كوريا الشمالية وشعبها فى إحدى تغريداته.
***
فى بداية عام 2018 اختبرت كوريا الشمالية رأسا حربية نووية وثلاثة صواريخ باليستية عابرة للقارات، وزعم الرئيس الكورى الشمالى كيم جونج أون، أنه يملك زرا نوويا فى مكتبه، وأجابه الرئيس الأمريكى ترامب بتغريدة على موقع تويتر بأنه يمتلك زرا نوويا أكبر وأقوى.
وتحدث بعدها ترامب مهددا الرئيس الكورى الشمالى وقال «إذا تلفظ كيم جونج أون بتهديد واحد فى شكل تهديد علنى أو شن أى هجوم على أراضٍ أمريكية أو أراضٍ تخص حليفا لأمريكا، فسيندم على ذلك حقا وسيندم سريعا».
إلا أنه وبعد عدة شهور التقى الرئيسان فى قمة سنغافورة منتصف عام 2018 ثم فى قمة هانوى فى فبراير 2019 ولقاء ثالث فى المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين، ثم وصلت المفاوضات حول برنامج كوريا الشمالية النووى إلى طريق مسدود، لكن لم تقم واشنطن بأى عمل عدائى ضد بيونج يانج.
وقبل نهاية عام 2019، أعلن زعيم كوريا الشمالية انتهاء الوقف الاختيارى للتجارب النووية وتجارب الأسلحة الباليستية العابرة للقارات، وهو ما ينذر بأزمة كبيرة مع واشنطن تلوح فى الأفق.
***
منذ وصول ترامب للحكم، عرفت علاقات طهران بواشنطن توترات لا تتوقف، وشهد عام ترامب الأول فى الحكم سلسلة حادة من السجالات اللفظية والتغريدات المتبادلة بين الرئيس ترامب والقادة الإيرانيين شملت تهديدات، وتعهدات بمواجهة الطرف الآخر وتحذيرات كذلك.
وقال ترامب فى تغريدة على صفحته بموقع تويتر مهددا فيها الرئيس الإيرانى: «لا تهدد أبدا الولايات المتحدة مرة أخرى أو أنك ستعانى عقبات وخيمة لم يرها مثلك من قبل على مر التاريخ، نحن لم نعد البلد الذى سيرد على تهديدك بكلمات فقط. كن حذرا»!
ثم رد وكتب وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف فى تغريدة «نحن موجودون منذ آلاف السنين، وشهدنا سقوط امبراطوريات، من بينها امبراطوريتنا، التى دامت أكثر من عمر بعض الدول».
ثم هاجم ترامب النظام الإيرانى فى مناسبات عدة، كما هاجم إيضاح سجل إدارة الرئيس أوباما السابقة فى التعامل مع إيران ووصف الاتفاق النووى بأنه أسوأ صفقة فى التاريخ، وحظر ترامب دخول المواطنين الإيرانيين للولايات المتحدة.
وقرر ترامب الانسحاب من الاتفاق النووى، وفرض ترامب المزيد من العقوبات على النظام ومؤسسات ومسئولين إيرانيين، كما توعد بفرض عقوبات على الشركات التى تتعامل مع إيران. وعرفت علاقات الدولتين توترا غير مسبوق منذ نهاية الصيف الماضى مع تشديد واشنطن عقوباتها على طهران، وقيام النظام الإيرانى بالرد بطرق غير تقليدية.
هاجمت طهران ناقلات نفط فى مياه الخليج، واحتجزت ناقلات أخرى، ثم أسقطت طائرة مسيرة أمريكية، وذلك قبل أن تهاجم منشآت لشركة أرامكو السعودية وتعطل تصدير كميات كبيرة من النفط السعودى لأسابيع.
ثم كان التصعيد الأخير الذى بدأ مع مهاجمة ميليشيات شيعية عراقية تابعة لإيران لقاعدة عسكرية أمريكية وقتل مواطن أمريكى، وتبعها رد أمريكى عنيف على معسكرات لتلك الميليشيات وقتل عشرات من أفرادها.
وتسارعت الأحداث مع محاولة اقتحام السفارة الأمريكية ببغداد، وما تبعها وصولا لاغتيال القائد قاسم سليمانى ورد إيران الرمزى ضد قاعدتين أمريكيتين فى العراق.
***
اختلفت حالة كوريا الشمالية بصورة كبيرة عن مثيلتها الإيرانية فى نقطتين شديدتى الأهمية.
أولا: لدى كوريا الشمالية سلاحا نوويا، فى حين لا تمتلك إيران مثل هذه الأسلحة. ويمثل امتلاك السلاح النووى رادعا كبيرا ضد أى تهور أو تهديد من واشنطن أو غيرها.
ثانيا: يرغب جيران كوريا الشمالية الإقليميين مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية فى التوصل لاتفاق بينها وبين واشنطن، وهذا على عكس الحال مع إيران وجيرانها. إذ لا يرغب حلفاء واشنطن الإقليميين مثل المملكة السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل فى حدوث أى تقارب بين طهران وواشنطن، ولا يرحبون بأى مفاوضات أو اتفاقيات بين الطرفين.
فى حالة كوريا الشمالية حبس العالم أنفاسه فى عدة مناسبات خوفا من اندلاع مواجهة نووية، وانتهى ذلك بلقاءات بين ترامب ورئيس كوريا الشمالية. وما زال العالم يحبس أنفاسه خوفا من وقوع حرب جديدة فى الشرق الأوسط على الرغم من التهدئة المتبعة بين الدولتين.
ويبقى السؤال: هل ننزلق للحرب؟ أم أننا يمكن أن نشهد قمة أمريكية إيرانية قريبا تجمع ترامب بآية الله.
كاتب صحفى يكتب من واشنطن