«المصالحة» فى بيان مجلس التعاون الخليجى - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«المصالحة» فى بيان مجلس التعاون الخليجى

نشر فى : السبت 9 يناير 2021 - 7:55 م | آخر تحديث : السبت 9 يناير 2021 - 7:55 م

يعتذر كاتب هذا المقال عن الخطأ فى العنوان أعلاه فليس فى البيان الصادر عن قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية المنعقدة يوم الثلاثاء الماضى 5 يناير 2021 فى العلا بالمملكة العربية السعودية أى ذكر للمصالحة بين قطر، من جانب، والمملكة والإمارات العربية السعودية والبحرين، وهى الدول الأعضاء فى المجلس، ومعها مصر، من جانب آخر. هذا المقال يشدد على أهمية التفاهم والود والتكامل بين الدول العربية كافة ولذلك فهو يرحب بتسوية أى خلافات بينها ويدعو إليها. المقال ليس عن «المصالحة» المذكورة فى حد ذاتها وإنما هو عن المنهج المتبع فى تحقيقها. المنهج مفتاح لفهم سلامة ما يراد تحقيقه من وراء أى خطوات تتخذ وصلابة ما يتحقق. هذا المقال يعتبر أن المنهج المتبع ليس من شأنه تسوية الخلافات تسوية قاطعة ولا هو يحقق الأهداف المبتغاة من وراء العمل الخليجى المشترك تحقيقا باتا، وهو يتطرق إلى موضوعه فى ثلاثة أقسام، الأول عن تحليل الجانب الذى يهمنا من البيان، والثانى عن تحقق الشروط الثلاثة عشر التى كانت الدول الأربع المقاطعة لقطر قد أعلنتها فى يونيو 2017 للتصالح معها، والأخير عن وضع مصر من المصالحة المعلن عنها.
البيان يقع فى 120 فقرة تنقسم بعد ذكر الحضور من ممثلى الدول الأعضاء فى المجلس وأمينه العام إلى مقدمة و22 قسما ليس فيها كلمة واحدة لا عن المصالحة ولا عن القطيعة التى استمرت لما يقرب من السنوات الأربع. المصالحة هى المصطلح الذى شاع عند التحضير للقمة، ثم عند التعليق على انعقادها، وهى كذلك ما يفهم من مجرد انعقادها وحضور أمير قطر لأعمالها، وهو مع أمير الكويت كانا رئيسى الدولة الوحيدين الموجودين، وهى أخيرا ما يستنتج من الاستقبال الحار الذى لقيه أمير قطر من ولى عهد السعودية عند وصوله إليها. البيان نفسه يكتفى بالإشارة إلى «رأب الصدع» فى العلاقات بين الدول الأعضاء وإلى «عودة العمل الخليجى المشترك إلى مساره الطبيعى».
***
أوجه التفاهم بين الدول الست الأعضاء فى المجلس ومنها السعودية والإمارات والبحرين وقطر تتبدى أولا من الإشادة بتنظيم قطر لانتخابات لمجلس الشورى فيها فى شهر أكتوبر القادم وباستعداداتها لتنظيم كأس العالم لكرة القدم فى سنة 2022، ومن الترحيب بانتخاب مواطن قطرى لرئاسة المنظمة العالمية للبرلمانيين ضد الفساد، ومن تهنئة قطر على استضافتها لمعرض عالمى للبستنة. وأوجه التفاهم تبدو ثانيا من موافقة الدول الست جميعها، ومنها قطر، على قسم من عشر فقرات يعبر عن أقصى درجات التشدد بشأن إيران، علاوة على فقرات فى أقسام أخرى تندد بدعم إيران لهذه الحركة أو تلك، وعلى قسم خاص بمكافحة الإرهاب بما فى ذلك فقرة عن الإشادة بقرارات بعض الدول تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية. نتوقف هنا عند القسم الخاص بإيران لنتساءل عن المدى الحقيقى لاتفاق الدول الأعضاء فى المجلس على أقصى درجات التشدد تجاهها فمعروف أن لعمان علاقات ودية ممتدة مع إيران كما أن الكويت حريصة على أن تبقى على علاقات غير عدائية معها. يبدو التساؤل إذن مشروعا عما إذا كانت قطر، ومعها عمان والكويت، متفقة فعلا مع المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين بشأن التشدد الأقصى فى مواجهة إيران وهو أول ما يلقى ظلالا من الشك على البيان برمته. الفقرة 74 من البيان تدعو إلى أن تعالج أى مفاوضات دولية مقبلة سلوك إيران فى المنطقة، وبرنامج صواريخها بما فى ذلك صواريخها الباليستية وطائراتها المسيرة، وبرنامجها النووى فى سلة واحدة، من جانب، وإلى اشتراك دول مجلس التعاون فى هذه المفاوضات، من جانب آخر. والفقرة نفسها تشدد على ضرورة منع انتشار الأسلحة النووية وعلى استكمال الجهود الرامية إلى إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط. من منظور دول الخليج، من المنطقى أن تعمل على وضع الموضوعات الثلاثة التى تهمها فى سلة واحدة بل وأن تطلب المشاركة فى المفاوضات بشأنها. غير أن إضافة منع انتشار الأسلحة النووية وإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل تعنى دخول إسرائيل وأسلحتها النووية على الخط، فهل تطرح الولايات المتحدة السلاح النووى الإسرائيلى على طاولة التفاوض وهل تقبل إسرائيل ذلك، نفس إسرائيل التى لم تطالبها الإمارات ولا البحرين بشىء يخص سلاحها ذلك عندما أبرمتا اتفاقيتيهما معها منذ شهور؟ واستطرادا، فهل يمكن ألا تشترك مصر فى مفاوضات بشأن المنطقة الخالية من أسلحة الدمار الشامل وهى صاحبة الاقتراح أصلا كما أنها وإيران صاحبتا اقتراح متجدد بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط منذ سنة 1974؟ التوسع فى إطار التفاوض يعنى إضافة أطراف إقليمية إليه، مثل العراق، وهذا التوسع فى صالح إيران لأن من هذه الأطراف من سيخفف الضغوط عليها.
***
القسم الخاص بالقضية الفلسطينية فى البيان من خمس فقرات ملخصها التمسك بمبادرة السلام العربية وبقرارات الشرعية الدولية، وبحل الدولتين بما فى ذلك دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، ورفض ضم المستوطنات فى الضفة الغربية إلى إسرائيل، والتشديد على أهمية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وتمويلها لتواصل تقديم خدماتها للشعب الفلسطينى. فقرات قوية ولكنها تدعو للتساؤل، فاتفاقية الإمارات مع إسرائيل لم تذكر قرارات الشرعية الدولية بكلمة، والإمارات استقبلت وفدا من المستوطنات فى شهر نوفمبر الماضى توصل على ما أَعلنَ الوفد نفسه إلى اتفاقات تجارية هامة مع شركاء إماراتيين. والفقرات القوية بشأن القضية الفلسطينية لم تمنع من الإشادة عدة مرات فى البيان بالولايات المتحدة، هى نفسها التى نقلت سفارتها إلى القدس، وأغلقت قنصليتها فى القدس الشرقية، وأعلنت أن ضم المستوطنات شرعى، وقطعت كل تمويل عن أونروا وتريد إنهاء أعمالها، والفقرات القوية صدرت أخيرا بينما كان حاضرا فى القمة مدعوا صهر الرئيس الأمريكى، المهندس الرئيسى لكل الخطوات العدائية تجاه الشعب الفلسطينى والمقوضة لتحقيق الأهداف المذكورة فى الفقرات القوية.
ننتقل إلى القسم الثانى. لا يرد فى البيان أى ذكر لما اتفق عليه المجتمعون بشأن الشروط الثلاثة عشر المذكورة أو أنهم حتى قد ناقشوها. الدول الأربع المقاطعة لقطر كانت قد أعلنت فى يونيو 2017 أن على قطر أن تقبل فى غضون عشرة أيام بالشروط جميعا، ومنها تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسى مع إيران وقطع التعاون العسكرى والاستخباراتى معها؛ وإغلاق القاعدة العسكرية التركية الجارى إنشاؤها عندئذ ووقف أى تعاون عسكرى مع تركيا؛ وقطع العلاقات مع جميع التنظيمات الإرهابية والطائفية والأيديولوجية وعلى رأسها الإخوان المسلمين، وداعش، والقاعدة، وفتح الشام/ جبهة النصرة، وحزب الله؛ وقبول قطر لقوائم المنظمات الإرهابية للدول الأربع؛ وإغلاق قناة «الجزيرة» والقنوات التابعة لها. توقعت هذه المساحة من «الشروق» فى الأول من يوليو 2017 ألا تستجيب قطر للشروط، وورد فيها ما معناه أن تصور استجابة قطر لها غير واقعى. حسب البيان على الأقل، لم تنجح الدول المقاطعة لقطر فى مسعاها. النجاح فى تنفيذ أى سياسة يستدعى تحديد أهداف واقعية يمكن تحقيقها.
***
يبقى موقع مصر من المصالحة المعلن عنها. يلفت النظر أن التصريحات الرسمية الصادرة عن المسئولين فى الخليج لم تتحدث إلا عن المصالحة الخليجية، وكأنما مصر ليست طرفا أصيلا فى القطيعة مع قطر، بصرف النظر عن وجاهة هذه القطيعة من عدمها. الدعوة وجهت إلى رئيس الجمهورية لحضور القمة الخليجية ولكنه اعتذر عن عدم قبولها وهو خيرا فعل بهذا الاعتذار. حضرت مصر القمة مع ذلك فى شخص وزير الخارجية وهذا مفهوم نظرا لعلاقات مصر بالسعودية مستضيفة القمة، فضلا عن علاقاتها بإلإمارات، إلا أنه لم يكن واضحا بأى صفة كان حضورها، هل كان بصفة الضيف أم المراقب أم الشاهد. غير المفهوم هو توقيع مصر على البيان الصادر عن القمة. البيانات الصادرة عن المؤتمرات ليست مما يوقع عليه، ولكن الدول الأعضاء فى مجلس التعاون اختارت أن يوقع رؤساء وفودها على البيان الذى يفترض أنه نص على «تفاهمات» بين هذه الدول. لا بأس، ولكن ما شأن مصر به؟ مصر ليست من الدول الصادر البيان باسمها وبالتالى فهو لا يرتب أى التزام ولو معنوى عليها بتنفيذ «التفاهمات» الواردة فيه. لأنه من المصلحة العربية بالفعل تسوية الخلافات بين الدول العربية، فربما أرادت مصر أن تدخل فى مفاوضات سياسية مباشرة مع قطر تفتح بها كل الملفات وتحرص فيها على عدم تجاهل المشكلات وعلى ألا يكنس أى طرف التراب ويخفيه تحت السجاد، كما يقولون باللغة الإنجليزية. وقد يكون مما يبرر هذا السبيل ما رَشَحَ عن أن السعودية تفاوضت مع قطر من قبل القمة وتوصلت للاتفاق معها على إعادة كل العلاقات بين البلدين بما فيها العلاقات الدبلوماسية إلى ما كانت عليه وفتح الحدود بين البلدين. هذا الاتفاق لم يرد ذكره فى البيان الصادر عن القمة.
هذا هو غالبا السبب فى الخلاف على تفسير نتائج الاتفاق السعودى القطرى بين وزيرى الخارجية السعودى والقطرى ووزير الدولة للشئون الخارجية الإماراتى. شدد وزير الخارجية السعودى على أن ما تم فى قمة العلا «طى كامل للخلاف مع قطر وعودة كاملة للعلاقات الدبلوماسية»، وهو ذكر أن الدول الأربع وافقت جميعا على استعادة العلاقات معها بما فى ذلك الرحلات الجوية. وزير الخارجية القطرى اتفق مع الوزير السعودى قائلا أن الخطوات المقبلة هى «عودة العلاقات إلى طبيعتها فيما قبل الأزمة من قبل جميع الأطراف»، مضيفا «أننا لسنا بصدد أن يكون هناك شروط من دولة على دولة أخرى»، ثم قال أن ما تعرضه قناة «الجزيرة» لم تجر «مناقشته خلال التفاوض حول المصالحة مع دول الرباعى العربى». على العكس من ذلك، صرح وزير الدولة الإماراتى للشئون الخارجية أن الإجراءات التى سيجرى تطبيقها فى غضون أسبوع من الاتفاق «تشمل إجراءات عملية تتعلق بخطوط الطيران والشحن البحرى والتجارة»، أما مسائل أخرى مثل استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة فستستغرق وقتا نظرا لاستمرار وجود جوانب خلاف من بينها قضايا جيوسياسية مثل تركيا والجماعات الإسلامية كجماعة الإخوان المسلمين، وتابع أن «بعض المسائل أسهل فى إصلاحها وبعضها الآخر سيستغرق فترة أطول». الاختلاف بين ما قاله الوزيران السعودى والقطرى، من جانب، والوزير الإماراتى، من جانب آخر، بليغ لا يحتاج إلى تعليق.
الخلافات بين الدول من طبيعة النظام الدولى، لا عيب فيها حتى وإن ثارت بين دول تجمعها ثقافة واحدة ووقعت فى إقليم واحد ممتد مثل الدول العربية. العيب كل العيب فى أن تتبع هذه الدول، المرة بعد الأخرى، نفس المنهج الذى لا يسوى خلافات بل يتركها معلقة لكى تتجدد بعد حين وآخر.
المطلوب من الدول العربية أن تبتكر آليات لتسوية خلافاتها بصراحة وصدق، آليات سياسية سبيلها التفاوض الممتد والمفصَل، ونبراسها الحلول الوسط، من غير التنازل عن مصالحها الجوهرية.

أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات