مرسى ورأس الزبيبة! - بلال فضل - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 3:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مرسى ورأس الزبيبة!

نشر فى : السبت 9 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 9 فبراير 2013 - 8:00 ص

قال أبو تمام: وإذا أراد الله نشر فضيلةٍ طُويت.. أتاح لها لسان حسود، وأُتَمِّم كلامه فأقول: وإذا أراد الله فضح رذيلة طويت فى الصدور مثل رذيلة تمنى الفتك بالمعارضين، أتاح لها لسانا منفلتا لشيخ ينافس «هبنّقة» فى الذكاء لكنه ينافس أيضا السموأل فى الوفاء لأفكاره، ليس للرجل قدرات زملائه فى اللوع والمغالطة وقطم الكلام، ولذلك فقد اعتقد أنه سينصر الشريعة بخروجه فى برنامج تلفزيونى شاهرا صحيح مسلم فى وجوه المشاهدين ليقرأ عليهم أحاديث منه تدعو لقتل قادة جبهة الإنقاذ المطالبين بإسقاط ولى الأمر الشرعى محمد مرسي، وعندما استنكر بعض المشاركين حديثه نظر إليهم مندهشا وملوحا بالكتاب فى وجوههم «الكتاب أهوه أنا جايبه معايا»، ثم لما قامت الدنيا ولم تقعد بعد أن تم اغتيال المعارض التونسى شكرى بلعيد عقب فتاوى متطرفة سبقت بإهدار دمه، تعمقت ورطة الشيخ الذى أخذ يطوف على الفضائيات محاولا التملص من كلامه تارة والإدعاء بأنه تعرض للإجتزاء تارة أخرى، مرددا فى كل مداخلة له بحرقة من انكشف ظهره «لكن هل يجرؤ أحد الأشياخ على تكذيب ما ذكرته من أحاديث صحيحة؟».

 

بدوره انبرى مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف للتنديد بفتوى الشيخ الأزهري، لكن ولكى لا يقطع الله لمشايخه عادة العمل فى خدمة الحاكم أيا كان إسمه ورسمه،  وطبقا لما نشرته صحيفة اليوم السابع «ناقش المجمع حكم الخروج على الحاكم، واتفق المجمع على عدم الخروج على الحاكم استشهادا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: واسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشى كأن رأسه زبيبة، كما أكد على تحريم المظاهرات التى يصاحبها عنف وتأييد وثيقة الأزهر لنبذ العنف ودعوة القوى السياسية للحوار ودعوة الجميع للعمل»، وبناء عليه، وبما أن محمد مرسى ليس عبدا حبشيا كأن رأسه زبيبة، بل هو رجل قمحى فى رأسه لحية وزبيبة صلاة، فإن على عموم الشعب طاعته حتى لو لم يكن قد أطاع الله فى شعبه، وحتى لو كان قد نقض العهد الذى انتخبه الملايين بناءا عليه، وحتى لو كان قد كذب على ناخبيه بدل المرة مرارا، وحتى لو كان يتحمل المسئولية السياسية عن إراقة دماء مواطنين مصريين وهى ذات التهمة التى حوكم على أساسها سلفه مبارك، وحتى لو كان قد سمح لأجهزة أمنه أن تعيث فى البلاد قمعا فتعذب وتخطف وتسحل. كل هذه المخازى لم يتوقف عندها شيوخ الأزهر بتنديد أو إستكار، وتساوى فى تجاهلها أصحاب الذقون الرسمية المهذبة مع أصحاب ذقون القطاع الخاص المرسلة، فالخلاف بينهم فقط على التكنيك المستخدم فى قمع الشعب.

 

ببساطة يجب أن يهدأ كل شيئ الآن، فإذا كان شيخ منفلت اللسان قد خرج على الناس بأحاديث من صحيح مسلم تدعو لقتل قادة المعارضة، فهاهم شيوخ منضبطون «تبع الأزهر» قد ردوا عليه دون أن يفوتوا فرصة الإستدلال بحديث من صحيح البخارى يدعو للسمع والطاعة، لتصبح المعادلة النهائية على الأرض « أيها الثائر الذى تطلب رحيل حاكم كذاب ناقض للعهد، لن نترك أحدا يقتلك غير اجهزة الأمن التابعة للحاكم لأنها المخولة شرعا بذلك، أما القتل بالمجهودات الأهلية فسنقف ضده بشدة مقابل أن تلتزم بالسمع والطاعة حتى ولو حكمك عبد حبشى كأن رأسه زبيبة، وعليك أن تكتم كل مايدور فى ذهنك من تساؤلات عن منطق إستدعاء حديث نبوى قيل فى سياق تاريخى كان به عبودية ورقيق ليتم تطبيقه فى سياق معاصر به حقوق مواطنة ومطالب شعبية ودماء شهداء تسفك كل يوم».

 

ما تخرج به من قراءة هذا المشهد العبثي: أن أغلب المشايخ الذين يتصدرون ساحة الفُتيا والدعوة لم يقرأوا حقيقة ما حدث فى مصر خلال العامين الماضيين ولم يقتربوا من فهم نفسية الأجيال الثائرة التى لن تنجح أى سلطة فى إرهابها بإستخدام النصوص الدينية التى لا يُختار منها دوما إلا ما يرضى الحاكم ويبرر مظالمه، بينما يتم تجاهل النصوص التى تنحاز لقيم الحرية والعدل وتعليها على مصالح السلطان، لم يدرك هؤلاء أن أحرار المصريين عندما ثاروا فى يناير 2011 لم يلقوا بالا لأغلب مشايخ البلاد الذين كانوا برغم إختلاف توجهاتهم يتفقون على تحريم الخروج على الحاكم واعتبار مبارك أبا لكل المصريين خاصة أنه لم يكن عبدا حبشيا على رأسه زبيبة، ويوظفون أقدس النصوص الدينية فى خدمة أقذر المشروعات السياسية، ومع ذلك فقد أدار أحرار المصريين قلوبهم وعقولهم بعيدا عن كل هؤلاء سواءا كانوا خائفين من سيف مبارك أو الطامعين فى ذهبه، واستفتوا قلوبهم التى تؤمن بأن الله لا يرضى لعباده الظلم، فخرجوا ليواجهوا بطش الحاكم بصدورهم العارية ويسقطوا نظامه الفاسد الذى تأخر سقوطه كثيرا ببركة كهنة فرعون.. وسحرته.

 

لا أدعى لنفسى أننى مجتهد أو أهل للفُتيا، فما أنا إلا عبد خطاء من الذين يعترفون بأنهم «خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم»، لكننى أتقرب إلى الله عز وجل بإيمانى أن حذاء الثائر الذى يرفض الظلم برقبة الشيخ الذى يبرر القمع والكذب، تماما كما أؤمن أن السلطة التى تتراخى فى محاسبة القتلة وسافكى الدماء فى حين تتداعى بكل همة للفتك بشباب دفعه اليأس من تحقق العدل إلى الغضب، هى سلطة تتسم بالوساخة السياسية إذا استعرنا توصيف رئيس الوزراء المهتم بالنظافة الشخصية للمواطنات، وهذه السلطة لن ينجيها من غضب المظلومين مليون مفتي، ولو اجتمع كل شيوخ مصر لينفوا تلطخ يدى محمد مرسى بدماء المصريين كما تلطخت يدا محمد مبارك من قبله، لما نجحوا فى ذلك حتى لو استخدموا كل كتب الصحاح فى التبرير، لأن حرمة الدم وحتمية القصاص ستلقف كل ما يأفكون ويبررون.