عن دور المرأة فى نُصرَة الأديان - أكرم السيسى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن دور المرأة فى نُصرَة الأديان

نشر فى : الثلاثاء 9 مارس 2021 - 7:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 9 مارس 2021 - 7:55 م
ونحن نحتفل بيوم المرأة العالمى، يجدر بنا أن نتذكر دور المرأة فى نُصرَة الأديان، وبعيدا عن الأساطير والخرافات التى أحاطت بالمرأة منذ خلق الله الإنسان، فقد قال سبحانه عنها: «هُوَ الَذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا»، أى أن النساء شقائق الرجال، كما أن السكينة التى تمنحها المرأة هى أكبر نعمة يتمتع بها الرجل، فضلا عن أن اسم «حواء» مشتق من «الحياة»، فهى التى تعطى الحياة للرجل وللأبناء.
كانت حواء أول أنثى، ومن بعدها توالت نساء عديدات، ورجال كُثر: «يَا أَيُهَا النَاسُ اتَقُواْ رَبَكُمُ الَذِى خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرا وَنِسَاء»، وبطبيعة الحال، كانت منهن الصالحات، ومنهن الفاسدات، وخص القرآن الكريم بعضهن بذكر قصَصهن.
تحملت حواء مع زوجها تبعات الخطيئة الأولى، عندما عصيا ربهما، وأكلا من الشجرة التى حرَمها الله عليهما، فقد تحملا آلام فَقْد اثنين من أبنائهما: الأول هابيل، فقداه فى الدنيا عندما قتله أخيه قابيل، والثانى قابيل عندما فقداه فى الآخرة لارتكابه جريمة القتل، فكانت حواء عونا وسندا لزوجها آدم.
هذه المساندة التى قدمتها حواء لزوجها تكررت مرارا فى تاريخ البشرية، وكانت القاعدة فى أغلب الأحوال، فقد روى لنا تاريخ الأديان قصص نساء عديدات، منهن مَن توافقت سيرتهن مع هذه القاعدة، وأخريات شذت عنها مثل امرأتى نوح ولوط: «ضَرَبَ اللَهُ مَثَلا لِلَذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَهِ شَيْئا وَقِيلَ ادْخُلَا النَارَ مَعَ الدَاخِلِينَ».
نحن، فى مقالنا هذا، معنيين بسرد قصص النساء اللاتى تتوافق سِيرَهن مع القاعدة العامة، ولسنا معنيين بمن شذت سيَرَهُن عن القاعدة سوى فى إثبات أن وجود استثناء للقاعدة يؤكد وجودها.
***
قدمت «هاجر» و«سارة»، زوجتا إبراهيم، عليهم جميعا السلام، كلا منهما نموذجا فى الصبر والعطاء، فبعد أن بلغت سارة من العمر عتيا، ولم تنجب، شعرت برغبة زوجها فى أن يكون له ولد، فطالبته بأن يتزوج جاريته هاجر التى ولدت له إسماعيل، ومن بعده أنجبت سارة إسحاق، وهكذا صار لإبراهيم ولدان، ولحكمة أرادها الله، أمر خليله أن يَخرج بإسماعيل وبأمه، ويبتعد بهما عن سارة.
صبرت سارة مع زوجها على تأخر الذرية، فرزقها الله على الكِبر إسحاق: «وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ(...)، قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِى شَيْخا إِنَ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ(...)«(هود: 71ــ73).
وأما هاجر وابنها إسماعيل، فقد أصطحبهما إبراهيم إلى مكة، حيث لا زرع ولا ماء، وعندما أراد أن يترك هاجر وولدهما فى ذلك المكان القاحل المقفر، خافت هاجر على نفسها وعلى ولدها من الهلاك، فسألته، أكثر من مرة، إلى أين يذهب ويتركها هى وطفلها حيث لا أنيس ولا زرع ولا ماء، وكيف لا يخاف أن يهلكا من الجوع والعطش؟
كانت هذه الأسئلة تُحير إبراهيم، ولكنه كان يُجيبُها بأنه أمر الله، وهو لا شك لن يضيعهما، فرضخت لإرادة الله، وقالت: «إذن لا يضيعنا»، ثم عاد إبراهيم إلى بلاد الشام حيث سارة، وقلبه يهوى إلى ولده إسماعيل، ولا حيلة له إلا الدعاء: «رَبَنَا إِنِى أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِيَتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَمِ رَبَنَا لِيُقِيمُوا الصَلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَة مِنَ النَاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَمَرَاتِ لَعَلَهُمْ يَشْكُرُونَ»، كما أن الله لم يذكر فى كتابه أن هاجر اعترضت على إرادة الله عندما أمر إبراهيم بذبح ابنهما، كما جاء فى الرؤية!
***
ومن بعد سارة وهاجر، تُعطينا زوجة النبى أيوب عليهما السلام مثلا رائعا فى الصبر والوفاء، كان أيوب ذى مال وأولاد كثيرين، ولكنه أُبتلى فى هذا كله، وأُبتُلِى بأمراض استمرت أعواما عديدة، فاعتزله الناس إلا امرأته، عملت لكى توفر قوت يومهما حتى عافاه الله من مرضه، وأخلفهما فى كل ما ابتليا فيه، فكانت نموذجا للصبر ومساندة زوجها فى ابتلاءاته فى المال والصحة.
***
واقترنت حياة النبى موسى بأربعة نسوة، اشتركن فى حمايته، وحفظه، ودعمه، ومناصرته، كانت الأولى أمه التى حَمَته عندما ارتضت لنفسها أن تُحرم منه وهو رضيع، فوضعته فى صندوق، وألقته فى النيل، كى لا يقتله فرعون: «وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِ...».
وعندما وصل مصر فى صندوقه، حفظته «آسيا» زوجة فرعون، فنصحت زوجها بألا يقتله: «وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَتُ عَيْنٍ لِى وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَخِذَهُ وَلَدا(...)»، وآمنت به فيما بعد، وقال تعالى عنها: «وَضَرَبَ اللَهُ مَثَلا لِلَذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِ ابْنِ لِى عِنْدَكَ بَيْتا فِى الْجَنَةِ وَنَجِنِى مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَالِمِينَ.
ودعَمته أخته عندما راقبته حتى وصل إلى بيت فرعون، وعندما رفض الرضاعة من كل النساء، دَلَت آل بيت فرعون على امرأة تُرضع موسى، فكانت هى أمه: «وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَحَرَمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ، فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِهِ كَيْ تَقَرَ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ...».
وأما التى ناصرته وصاحبته حتى أتم رسالته فهى زوجته، ابنة النبى شعيب، كانت نموذجا للمؤمنة ذات الفراسة والحياء، وكانت قدوة فى اختيار الزوج الأمين العفيف، ذكر قصتها القرآن: «وَلَمَا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَة مِنَ النَاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِى حَتَى يُصْدِرَ الرِعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ(...)، وقَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوىُّ الْأَمِينُ».
***
ومن بعد، تعطينا بلقيس، ملكة سبأ، نموذجا فى الحكمة ورجاحة العقل، والقيادة، والشورى، فحفظت قومها من القتال والفناء، وجلبت لهم الخير بأن آمنوا بالله ورسوله سليمان، وتركوا عبادة الشمس: «قَالَتْ يَا أَيُهَا الْمَلَأُ إِنِى أُلْقِيَ إِلَىَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ، إِنَهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَهُ بِسْمِ اللَهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ، أَلَا تَعْلُوا عَلَىَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ، قَالَتْ يَا أَيُهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِى فِى أَمْرِى مَا كُنْتُ قَاطِعَة أَمْرا حَتَى تَشْهَدُونِ».
***
ثم تتكرر قصة إبراهيم مع أحد أحفاده، النبى زكريا الذى لم يُنجب من زوجته، أخت حنة أم مريم بنت عمران، وأم النبى يحيى (يوحنا المعمدان)، فقد ولدته بعد أن تقدمت بها وبزوجها السن: «قَالَ رَبِ إِنِى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِى وَاشْتَعَلَ الرَأْسُ شَيْبا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِ شَقِيا، وَإِنِى خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِى وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرا فَهَبْ لِى مِنْ لَدُنْكَ وَلِيا، يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِ رَضِيا».
ومن بعد زوجة زكريا (أم يحيى)، يُحدثنا الله عن امرأة عمران (أم مريم) عليهم السلام، لم تكن تنجب هى الأخرى، فدعت الله أن يهب لها ولدا، وتعهدت بأن تتصدق به لبيت المقدس: «إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِ إِنِى نَذَرْتُ لَكَ مَا فِى بَطْنِى مُحَرَرا فَتَقَبَلْ مِنِى إِنَكَ أَنتَ السَمِيعُ الْعَلِيمُ»، ولكنها ولدت أنثى، وأسمتها مريم، فنذرتها لله: «فَلَمَا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِ إِنِى وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِى سَمَيْتُهَا مَرْيَمَ(...)».
وتَلد السيدة مريم العذراء المسيح عيسى، دون أن تتزوج، ودون أن يمسسها أحد، فتواجَه من قومها باتهامات تمس أعز ما تملك المرأة، وينكرون عليها الأمر: «يا أُخْتَ هَارونَ ما كانَ أَبوكِ امْرأ سُوءٍ وما كَانت أمُكِ بغيَا»، ولكن الله يُبرئها: «وَالَتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَة لِلْعَالَمِينَ«؛ وتتحمل السيدة مريم البتول تنشئة ابنها ورعايته، وعندما علمت بنية بنى إسرائيل بقتلهما هاجرت من موطنهما فلسطين إلى مصر، وظلت تحميه حتى عاد لفلسطين ليعاود دعوته لعبادة الله الواحد الأحد.
***
وعن نساء النبى محمد عليه السلام، كان لزوجته خديجة بنت خويلد دورا أساسيا فى دعمه، وفى نشر رسالته، فلقد فُزع فزعا شديدا عندما جاءه الوحى فى غار حراء، فعاد إلى خديجة مسرعا يرتعش، فطمأنته، وقالت: «كلا والله لا يخزيك الله أبدا(...)»، ثم أخذته لابن عمها ورقة ابن نوفل، فبشر النبى بأنه خاتم المرسلين، فكانت أول من آمن، وظلت تناصره حتى وافتها المنية، وقال عنها النبى (صلى الله عليه وسلم): «آمنت بى إذ كفر بى الناس، وصدقتنى إذ كذبنى الناس، وواستنى بمالها إذ حرمنى الناس، ورزقنى الله عز وجل ولدها إذ حرمنى أولاد النساء»، كما روى أبو هريرة: «قال رسول الله: خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وابنة مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد».
***
وختاما، نقول أن نابليون بونابرت كان مُحقا فى مقولته: «وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة»، فلقد لاحظنا أن كل النساء اللاتى اقترن بالأنبياء (عدا امرأتى نوح ولوط) سواء كن زوجات أو أمهات أو أخوات، قدمت كلا منهن نموذجا فى العطاء والتضحية والوفاء والصبر والمساندة والعون، ولولاهن ما اكتملت رسائل الأنبياء!
أكرم السيسى أستاذ متفرغ بكلية اللغات والترجمة (قسم اللغة الفرنسية)– جامعة الأزهر
التعليقات