«تهز البحث العلمى العالمى كله»!!! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«تهز البحث العلمى العالمى كله»!!!

نشر فى : الأحد 9 أغسطس 2020 - 9:55 م | آخر تحديث : الأحد 9 أغسطس 2020 - 9:55 م

أتمنى أن يتحلى بعض المسئولين فى القطاع الطبى بالتواضع والمهنية والعلم والدقة والصدق، وهم يتحدثون عن الأبحاث واللقاحات والأدوية والأمصال، حتى لا يتسببوا بقصد أو من دون قصد فى الإساءة لصورة مصر فى الأوساط العلمية والبحثية الطبية والعامة، والأخطر إشاعة آمال كاذبة للجمهور.
فى يوم ٢٦ يوليو تحدث الدكتور حسام حسنى رئيس اللجنة العلمية لمواجهة فيروس كورونا. وقال: «إن العالم سيندهش من حجم الإنجازات البحثية المصرية فى مكافحة الفيروس، وأن هناك ٤٠ بحثا مصريا عن الفيروس، ولن تعلن نتائجها إلا بعد نشرها فى المجلات العلمية، ونعدكم أن هذه الأبحاث ستهز البحث العلمى العالمى كله، وثبت أن العالم المصرى هو أحسن عالم فى العالم، وأن الدولة المصرية «أقوى دولة» وأن الكثير من المواد الفعالة تصنع داخل مصر، وبكفاءة عالية والدول المجاورة تحسدنا على كفاءة الإنتاج».
وتعليقا على هذا الكلام هناك مجموعة من الملاحظات السريعة والمبدئية.
الملاحظة الأولى: إننى أتمنى كمواطن مصرى أن يتحقق ما قاله الدكتور حسام على أرض الواقع لأن تحققه يعنى إنجازا علميا بحثيا مصريا متميزا.
الملاحظة الثانية: أن اللغة التى يفترض أن نستخدمها فى الحديث عن الأبحاث الطبية، يجب أن تكون رصينة ومتزنة ودقيقة، وموجهة بالأساس إلى الباحثين والعلماء. لا مانع بالطبع من طمأنة الجمهور العام، لكن ضرر الإفراط فى استخدام الكلمات والعبارات الحماسية، أكثر من نفعه.
ومن الملاحظة الشكلية إلى الموضوعية، فأعتقد أنه لا يصح لمسئول رسمى كبير، بحجم المنصب الذى يشغله الدكتور حسام حسنى، أن يتحدث ويقول إن «الأبحاث المصرية ستهز البحث العلمى العالمى كله».
أولا هناك واقع علمى عالمى نعرفه جميعا، نحن لسنا الأفضل فيه. كنت أتمنى كمصرى أن نكون كذلك، لكن الواقع يقول إن الإنتاج البحثى المصرى قد يكون معقولا مقارنة بالمنطقة العربية وإفريقيا، ولكنه ليس كذلك على المستوى العالمى.
هذا الأمر لا يقلل إطلاقا من قيمة وأهمية وتميز العلماء والباحثين المصريين، لأنهم ببساطة حينما يعملون بالخارج، يحققون نتائج مبهرة، والدليل على ذلك نماذج متميزة جدا مثل الراحل الكبير أحمد زويل، ومصطفى السيد، ومجدى يعقوب، وغيرهم كثيرون.
البحث العلمى يحتاج لموارد مالية كبيرة جدا. ونعلم أن معظم ميزانيته التى تصل إلى 60 مليار جنيه تذهب لمرتبات الموظفين والعاملين. وبالتالى فالنسبة المتبقية لا تكفى بالمرة لإنتاج بحث علمى مستدام. ثم إن البحث العلمى يحتاج لبيئة مشجعة، وهى كانت غائبة تماما فى السنوات الماضية، وهناك جهود الآن لإعادة تنشيطها.
يفترض أن الدكتور حسام حسنى حينما يطلق مثل هذا التصريح يفرق بين الكلام الموجه لرفع الروح المعنوية للناس وبين مخاطبة المتخصصين والباحثين.
مثل هذا التصريح إذا ثبت أنه غير دقيق، سوف يسىء كثيرا إلى سمعة البحث العلمى المصرى.
وأعتقد أن ما قاله الدكتور حسنى، لم يكن مجرد حماسة زائدة، لأن هناك العديد من كبار أساتذة الجامعات، تحدثوا بنفس الطريقة. بل إن بعضهم تحدث بما معناه أننا نقترب من إنتاج لقاح مصرى خالص لعلاج كورونا. وبعضهم خلط بين أن مصر ستحصل على حق استيراد أو تصنيع بعض اللقاحات العالمية فى أراضيها، وبين أننا نحن من اخترعناه!
كان هناك تصريح دقيق قبل أسابيع بأن مصر اتفقت مع الصين لتصبح مركزا لصناعة أحد اللقاحات الصينية فى إفريقيا.
مرة أخرى موضوع إنتاج لقاح لمعالجة كورونا أو أى فيروس جديد مسألة ليست سهلة وتحتاج خطوات وموارد كثيرة، وخطوات وتجارب محددة بحثيا وعلميا ومعمليا.
هو ليس فقط صراعا دوليا علميا ومن يسبق الآخر، بل سباق اقتصادى شرس لأنه يعنى مكاسب مالية واقتصادية وعلمية هائلة. وفى هذا الصدد علينا أن نتأمل الحملة الأمريكية الأوروبية الشرسة ضد إعلان روسيا أنها بصدد إنتاج لقاح للفيروس خلال أيام كثيرة.
للأسف الشديد من الواضح أن بعض المسئولين وأساتذة الجامعات يسرفون فى استخدام التعبيرات والتصريحات الحماسية، ظنا أن ذلك سيرضى الرأى العام وبعض كبار المسئولين، لكنهم لا يدركون أنهم يرتكبون جريمة كبيرة ضد البحث العلمى وضد الوطن بأكمله، لأنهم يغرقون الناس فى أوهام لم تتحقق حتى الآن. وكلنا ندرك أن المتاجرة بآلام وأمراض الناس جريمة لا تغتفر. فهل نطمع بعد كل ذلك أن يتحلى بعض العاملين فى القطاع الطبى والصحى، بالتواضع قليلا وهم يتحدثون عن الأبحاث واللقاحات؟!

عماد الدين حسين  كاتب صحفي