حيرة.. رسائل البحر - كمال رمزي - بوابة الشروق
الإثنين 20 مايو 2024 12:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حيرة.. رسائل البحر

نشر فى : الأربعاء 10 فبراير 2010 - 12:04 م | آخر تحديث : الأربعاء 10 فبراير 2010 - 12:04 م

 العاصفة الهوجاء التي تهب على الإسكندرية ليست فقط تلك الرياح العاتية والأمطار الغزيرة والأمواج الوحشية التي تكاد تبتلع سفينة مترنحة وحيدة، ولكنها، عند داود عبد السيد، تعبر عن عواصف أشد بطشا، تهدد معظم أبطال فيلمه، فلكل منهم عاصفته، مأزقه الوعر، يحاول الخروج منه بكل السبل، يرنو إلى شاطئ آمن بعيد المنال، محاط بضباب كثيف، لا يستطيع الوصول إليه..

«رسائل البحر» فيلم حالة، يوحى أكثر مما يصرح، يبعث على التفكير والتأمل، فمعنى أحداثه، ودلالة شخصياته، أعمق غورا، وأوسع شمولا مما قد يبدو على السطح. هنا، مع المشاهد الافتتاحية التي يغرم بها داود، يتم الاتفاق بين بطل الفيلم، يحيى ــ بأداء أخاذ من آسر ياسين ــ المتلعثم النطق، وشقيقه الذي سيعود إلى أمريكا، على غلق «البيت الكبير»، ثم ذهاب «يحيى» إلى الإسكندرية، كي يعيش فى شقة الأسرة المهجورة، منذ سنوات طويلة.

في الإسكندرية يبدو «يحيى» كما لو أنه ولد من جديد، يتأمل، بعين الكاميرا، جمال المعمار القديم، بزخارفه البديعة، والجدران التى زحفت الرطوبة المالحة عليها، مع بطانة الموسيقى الخافتة التى وضعها راجح داود، والتى يتخللها صوت الريح، نكاد نحس بعبق المدينة.

داخل البيت، يطرق «يحيى» باب شقة جارته، فرنشسكا، الإيطالية الأصل، الطيبة الوديعة، بأداء عفوى عذب من نبيهة لطفى، ومعها الممثلة الواعدة، سامية أسعد، التى تؤدى دور ابنتها «كارلا»، «فرانشسكا»، بكلمات قليلة، تلخص ما جرى للعقار الذى تسكن فيه، والذى آل إلى أحد أثرياء العصر، يقرر هدمه لإقامة «مول»، ويصبح عليها مغادرة البلاد، إنها، على نحو ما، ضحية مجتمع طارد للأقليات، بالإضافة إلى معاداته للآخر، المختلف، حتى إن «يحيى»، الطبيب أصلا، يتوقف عن ممارسة مهنته بسبب سخرية «المرض» من تلعثمه.

وها هو فى الإسكندرية، يبحث عن حياة جديدة، تقوده قدماه لحانة، يتعرف على «قابيل»، صاحب القلب الطيب والمظهر الخشن الذى أهله ليعمل «فتوة» فى ملهى ليلى، وشأنه شأن الآخرين، يعانى من عاصفته الخاصة، وهى من داخله هذه المرة، ذلك أنه مصاب بورم فى داخل رأسه يهدده بفقدان الذاكرة، وفى مشهد بديع، يمتزج فيه الأسى بالأمل، يطلب «محمد لطفى» من صديقته أن تحكى له عن حياته، وأصدقائه، إذا دخل عقله فى دائرة الغياب.

ينسج داود خيوط فيلمه ويجد لها، برقة ونعومة، فيبدو أقرب للدنتيلا، فالشخصيات تنساب داخل «رسائل البحر» على نحو مرهف، فبطلة الفيلم، نورا، برونق جديد للنجمة بسمة، تتسلل لنا، ولقلب «يحيى» عن طريق عزفها للموسيقى، وعندها أيضا، عاصفتها الخاصة، فهى الزوجة السرية لرجل غليظ، يبتذلها ويعاملها مجرد مطفئة شهوات، وتكاد تعاقب نفسها بتظاهرها، أمام «يحيى» بأنها فتاة ليل، يخفق قلبه لها، ولا يعرف حقيقتها إلا فى النهاية، حين يغدو مطرودا من شقته، وتدرك هى أنها أقرب للرهينة.

وها هما فى قارب يتأرجح وسط مياه البحر.. نهاية مفتوحة لفيلم بالغ الثراء، يتحمل ويستحق، أكثر من قراءة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات