ما يزعج إسرائيل في قصة الطفل ريان - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما يزعج إسرائيل في قصة الطفل ريان

نشر فى : الخميس 10 فبراير 2022 - 8:55 م | آخر تحديث : الخميس 10 فبراير 2022 - 8:55 م
منذ نشأة إسرائيل، بل ومنذ ظهور الحركة الصهيونية، وإسرائيل تسعى لكى تصبح جزءا من المنطقة، ولكن كيف يمكنها تحقيق ذلك والمنطقة تسمى «العالم العربى»، فلا بد من تنحية هذا المفهوم والبحث عن مفهوم جديد للمنطقة يشمل إسرائيل. فبدأت الدراسات تنشر حول القوميات العديدة التى تسكن المنطقة؛ فالأكراد والتركمان فى سوريا والعراق، والأقوام والعرقيات العديدة التى يتشكل منها لبنان، والأمازيج فى الدول المغاربية، والعرقيات الأفريقية العديدة فى السودان وموريتانيا، أما دول القرن الأفريقى التى انضمت للجامعة العربية فلا تنطبق عليها كل المعايير العربية وأولها اللغة.. إذن فإن تسمية المنطقة «بالعالم العربى» هى تسمية مضللة، ولم تكتف إسرائيل بالدراسات بل شرعت فى التنفيذ فطرحت مسمى جديدا للمنطقة هو «مِنَا» MENA وهى الحروف الأولى من عبارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالإنجليزية.
وساعدتها ظروف عديدة على انتشار هذا المفهوم بل وقبوله من بعض الأطراف العربية، منها غزو صدام حسين الكويت، فكانت إسرائيل تبث فى أذهان وأسماع الدول الخليجية «إن الخطر عليكم يأتى من القومية العربية والمنادين بها.. هؤلاء القوميون العرب الذين يرفعون شعار «بترول العرب للعرب» والذين يرون فى وجود دويلات صغيرة مستقلة فى الخليج وخاضعة للنفوذ الغربى خطرا على القومية العربية.. وها هى العراق تغزو الكويت وتضمه إليها وتعرض اقتسام الخليج مع السعودية. مثل هذا الكلام وجد آذانا صاغية فى أنحاء الخليج العربى خاصة بعد أن ثبت لهم أن أمنهم وأمن أنظمتهم لا يتحقق من خلال معاهدة الدفاع المشترك العربى بل تحقق بالفعل من خلال أمريكا وحلفائها، وتلا ذلك تحطيم العراق وسوريا وإزالة قوتهما العسكرية ثم بزوغ الخطر الإيرانى الذى نفخت فيه إسرائيل حتى ارتعدت فرائصهم وهرعوا يهرولون نحو إسرائيل.. ولم تكتف إسرائيل بذلك بل بحثت عن أيديولوجية فكرية وياحبذا لو تكون دينية تجمع بينها وبين العرب والمسلمين ووجدت ضالتها فى «الرسالة الإبراهيمية». فسيدنا ابراهيم هو أبو الأنبياء الذى يؤمن به المسلمون والمسيحيون واليهود على حد سواء، فكانت الاتفاقيات الإبراهيمية، وما تلاها من اتفاقات تعاون عسكرى واستراتيجى بين بعض الدول العربية وإسرائيل.
هكذا حققت إسرائيل أو ظنت أنها حققت ما تسعى إليه؛ فها هى الدول الخليجية تستبدل العدو الإسرائيلى بالعدو الإيرانى، بينما سوريا تمزقت وأصبح غالبية سكانها من اللاجئين، والعراق تحطم وتحول إلى دولة طوائف، بينما الجماعات المسلحة مازالت متربصة بليبيا، والحرب فى اليمن تزداد اشتعالا، والسودان وتونس يعانيان من الانقسامات الداخلية.. والمغرب العربى بأسره قد حول اتجاهه شمالا نحو أوروبا والبحر المتوسط.
• • •
هكذا حققت إسرائيل الحلم بل وأكثر مما كانت تحلم به، فقد تناثر عقد الوحدة العربية وتطايرت الشظايا فى جميع الأنحاء، وماتت القومية العربية ودفنت ولا أمل فى إحيائها إلا لدى من يؤمنون بتناسخ الأرواح.
• • •
ولكن فجأة حدث ما لم يكن فى الحسبان. فقد سقط طفل مغربى فى بئر مهجورة فى منطقة نائية من المغرب وإذا بالعالم العربى بأسره يهب مذعورا قلقا داعيا ومتضرعا إلى الله كأسرة واحدة قد سقط طفلها فى البئر.. لقد أثبت العرب ــ بلا تكلف أو افتعال ــ أن جذوة العروبة مازالت مشتعلة.. وقد يقول قائل إن العالم بأسره تعاطف مع الطفل ريان.. نعم ولكنه التعاطف الإنسانى العادى، أما ما شهدناه خلال الأيام الخمسة لمأساة الطفل ريان قد فقد تجاوز التعاطف الإنسانى البعيد إلى الشعور بالمصيبة التى تحدق بأحد أطفال أسرة واحدة.. نعم هذه أمتنا أمة واحدة رغم أنف الماكرين.
سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات