عن مشروع (مكتبة الأسرة) - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن مشروع (مكتبة الأسرة)

نشر فى : السبت 10 سبتمبر 2022 - 8:20 م | آخر تحديث : السبت 10 سبتمبر 2022 - 8:20 م
ــ 1 ــ
أقل من عامين فقط، ويُكمل مشروع مكتبة الأسرة ثلاثين عامًا بالتمام والكمال (تم تدشينه فى صيف عام 1994 ضمن فعاليات مهرجان القراءة للجميع)؛ ثلاثة عقود من الحضور والاستمرار والتأثير، أكثر من ثلثى هذه المدة تألق فيها فى هذا المشروع تألقًا غير مسبوق، وحظى بإقبال مذهل، وحقق نجاحات لم يلقها مشروع جماهيرى ــ سابق أو لاحق ــ فى تاريخ مصر المعاصرة؛ فى سبيل نشر القراءة والترغيب فيها، وتيسير الكتاب القيّم لشرائح واسعة من الجمهور، بطول البلاد وعرضها، وعلى مدى هذه المدة الطويلة.
صحيح أن المشروع عانى، وما زال للأسف يعانى فى السنوات الأخيرة، من ضعف موارد التمويل بل انعدامها تقريبًا من ناحية، وتوارَى ظهوره وخفتت الأضواء المسلطة عليه بتراجع الإعلانات عن كتبه وإصداراته (كما كان يحدث قبل ذلك) فى زحمة الأحداث الجسام والأعوام الصعبة التى شهدتها مصر فى السنوات العشر الأخيرة، من ناحيةٍ ثانية.
لكن المشروع لم يتوقف ولم يمت، ولم يتخل عن دوره، حتى لو قلَّ المعدل الذى تُنشر فيه الكتب عن المعدل المعتاد، والذى ينتظره الناس وجمهور القراءة ومحبو الكتاب كل عام. فما زالت نسخ الكتب الممهورة بشعار (مكتبة الأسرة) على مدى السنوات الماضية متاحة فى مكتبات وفروع هيئة الكتاب، ولدى باعة الكتب القديمة، وتجار سور الأزبكية، ودائمًا ما تحظى بالإقبال، ولا يتوقف الطلب عليها.

ــ 2 ــ
فى مرحلةٍ من مراحل نمو المشروع وتوسعه وازدهاره، كان يحظى بتمويل جهاتٍ عديدة؛ حكومية وخاصة، حتى بلغت ميزانيته فى بعض السنوات إلى ما يقرب من خمسين مليون جنيه (وهو مبلغ مهول وشديد الضخامة بحسابات وأرقام السنوات ما بين 2000 و2010).
وفى هذه المرحلة دخل المشروع بثقله فى تيسير طبعاتٍ من الأعمال الكاملة ذات الأجزاء المتعددة؛ على سبيل المثال تيسير الأعمال الكاملة لرواد النهضة المصرية، أعمال رفاعة الطهطاوى (فى 5 مجلدات) وأعمال الأستاذ الإمام محمد عبده (فى 5 مجلدات)، وقاسم أمين (فى مجلد واحد)..
هذا فضلًا على طباعة ونشر الموسوعات ذات الطبيعة النوعية، والأعمال الفكرية والتاريخية والثقافية الكبرى ذات الأجزاء المتعددة؛ منها على سبيل المثال أيضًا: «قصة الحضارة» لديورانت (فى 44 جزءًا)، وموسوعة «وصف مصر» لعلماء الحملة الفرنسية (فى 33 جزءًا شاملة مجلدات الرسومات واللوحات والخرائط)، وموسوعة «مصر القديمة» للأثرى الكبير سليم حسن (فى 18 مجلدًا بما فيها الجزءان المخصصان للأدب المصرى القديم وهما من أهم ما كتب فى هذا الموضوع)، وكذلك «الخطط التوفيقية الجديدة» لعلى مبارك (21 مجلدًا)، و«الأغانى» لأبى الفرج الأصفهانى (فى 24 مجلدا)... إلخ.

ــ 3 ــ
كنت فى الخامسة عشرة من عمرى حينما صدر مشروع (مكتبة الأسرة) للمرة الأولى، لم تكن قدراتى وإمكاناتى المادية تسمح أبدًا بشراء كل الكتب التى أرغب فى قراءتها (وما أكثرها!) من دور النشر المعروفة آنذاك الحكومية منها، والخاصة على السواء؛ فإذا تمكنتُ من شراء كتابٍ واحد من إصدارات واحدة من دور النشر المصنفة ضمن الأهم والأعلى فى مصر، على سبيل المثال، فهذا يعنى أننى لن أقدر، ولن يكون فى مستطاعى، أن أشترى كتابًا آخر مهما كان لما يقرب من ثلاثة إلى ستة أشهر كاملة!
ظهر مشروع مكتبة الأسرة (بقصد أو بغير قصد!) ليلبى رغبة شاب فى الخامسة عشرة من عمره فى بحثه عن كتابٍ يقرأه بسعر معقول ومناسب! جاء ليحقق حاجة ويمكنه من شراء وقراءة كتبٍ لطه حسين، وأحمد أمين، وعباس العقاد، ومحمد حسين هيكل، وتوفيق الحكيم، وعبدالرحمن الشرقاوى، ومختارات لنجيب محفوظ، ويوسف إدريس.. وأسماء وروائع أخرى بسعرٍ زهيد.
ولا أنسى ما حييتُ فرحة شرائى لكتاب «نماذج بشرية» لمحمد مندور، وقد كتب له المقدمة الراحل العظيم رجاء النقاش، وكان بجنيه واحد فقط! (فى وقتٍ كانت الطبعة المتاحة منه فى دار النشر التى تتولى طباعته آنذاك تتجاوز العشرين جنيها!).

ــ 4 ــ
وكم كانت فرحتى وسعادتى الغامرة وأنا أرى أمام عينى الكتاب (الموسوعة) الذى لطالما حلمت باقتنائه وقراءته والتوفر على درسه بتركيز وتمعن، لكن سعره آنذاك كان يحول دون تحقيق هذا الحلم، وهو موسوعة الرائد النهضوى العظيم أحمد أمين التى تؤرخ للحياة العقلية للمسلمين فى خمسة قرون.
فى إطار المشروع، صدر من هذه الموسوعة العظيمة كتاب «فجر الإسلام» (فى جزء واحد) لعدة مرات فى 1995 و1996 و1997، ثم «ضحى الإسلام» (فى ثلاثة أجزاء)، وقد صدرت كلها فى مكتبة الأسرة على مدار السنوات من 1995 وحتى 1999 فى طبعة أنيقة بغلاف رائع وجميل من تصميم الفنان الراحل جمال قطب، وبسعر ثلاثة جنيهات فقط للجزء الواحد؛ وأجمل ما فى هذه الطبعة وأروعه أنه جاء صورة طبق الأصل من طبعتها الأولى الصادرة عن لجنة التأليف والترجمة والنشر، بفهارسه التفصيلية، وخرائطه التوضيحية، وكشافاته الوافية.. ولا فى الأحلام والله!

ــ 5 ــ
لولا مشروع (مكتبة الأسرة) لما قرأت «مليم الأكبر» لعادل كامل، ولا «أنا الشعب» لمحمد فريد أبوحديد، ولا «سندباد مصرى» لحسين فوزى.. ولا أظن مهما كان رأينا فى المشروع أو بواعث إطلاقه، أو تقييم البعض له، وربطه بالنظام السياسى آنذاك من عدمه، أن ذلك يمكن أن ينتقص من أدواره العظيمة التى أداها لأجيال وأجيال.
فما يعنينى أننى كنتُ أحد الذين أفادوا من هذا المشروع أكبر وأعظم إفادة، فمن خلال إصداراته عبر ما يقرب من عشرين سنة كاملة، وبالأخص فى السنوات العشر الأولى، تشكلت نواة مكتبة شخصية عظيمة، أظنها جديرة بالاعتبار والاحترام خاصة فى جانب الأعمال الإبداعية؛ الروايات والقصص القصيرة، والأعمال الفكرية الممتازة التى شكلت العقل والوجدان المصرى فى القرن العشرين.
(وللحديث بقية)..