إنذار نجع حمادى.. لنسرع بإنقاذ مصر قبل فوات الأوان - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 8:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إنذار نجع حمادى.. لنسرع بإنقاذ مصر قبل فوات الأوان

نشر فى : الإثنين 11 يناير 2010 - 9:43 ص | آخر تحديث : الإثنين 11 يناير 2010 - 9:43 ص

 كثيرة هى الأحداث التى جرت خلال الأسبوعين الأخيرين وتستحق التوقف عندها لتأمل دلالاتها وآثارها على أوضاعنا فى مصر والوطن العربى، مثل اكتشاف قيام الحكومة المصرية بناء جدار فولاذى تحت الأرض بموازاة الشريط الحدودى مع غزة، بدعوى أنها قد تنبهت أخيرا وعلى حين فجأة إلى أن الأنفاق التى لا يجد أبناء غزة سبيلا غيرها للحصول على احتياجاتهم الأساسية التى يمنعها عنهم الحصار الإسرائيلى تستخدم فى تهريب السلاح والمخدرات إلى مصر، وذلك دون أن تعبأ بأن تقدم لرأيها العام الذى تستهين به ما يؤكد صحة هذه الادعاءات، ومثل التعامل المرتبك لهذه الحكومة مع قافلة شريان الحياة والتى أقامت فى وجهها كل الصعوبات على أمل أن يقلع المشاركون فيها عنها أو أن يعجزوا عن التعامل مع الحيل الرخيصة التى لجأت إليها هذه السلطات فيعودون أدراجهم.

والواقع أن التحية والتقدير هما أقل ما نستطيع أن نوجهه لأصحاب الضمير الحى من ذوى العقائد المختلفة والجنسيات المتعددة،الذين ضربوا لشعوبنا العربية أروع الأمثلة فى أن مشاعر التضامن الإنسانى مع ضحايا الاحتلال وغياب العدالة الدولية لا تعرف حدودا ولا فوارق مصطنعة بين البشر. فى هاتين الحالتين لا ينبغى أن نندهش للموقف الذى اتخذته الحكومة المصرية، فهى تاستأسد على مواطنيها وعلى أبناء غزة،وتتخفى وراء حجج باهتة أمام المناصرين الأجانب لقضية الشعب الفلسطينى، ولكنها تسلك على نحو مختلف تماما عندما يتعلق الأمر بإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

وإذا كانت ثمة حاجة لمثل يؤكد التفاوت الهائل فى أسلوب التعامل فى الموقفين فهو ارتفاع نبرة الإعلام المصرى فى تعليقه على المقتل المؤسف لجندى مصرى برصاص فلسطينى، وسكوته شبه الكامل عن العديد من الجنود المصريين الذين لقوا حتفهم بنيران إسرائيلية. إلا أن خطورة المنحى الجديد الذى أخذته أحداث التوتر الطائفى فى صعيد مصر تستأهل التوقف مليا عندها لأن كل دعوات إصلاح سياساتنا الداخلية والخارجية لا قيمة لها إذا لم يكن علاج الأوضاع التى تكاد تمزق نسيج الوطن فى صلب اهتماماتها. بل لعل إصلاح المجتمع هو الأساس الوطيد لإصلاح الدولة فى مصر، وفى غيرها من الدول.

تدعيم الوحدة الوطنية هو مسئولية رأس الدولة

أذكر أن الأستاذ محمد حسنين هيكل قد تناول هذا الموضوع منذ سنوات فى مقال مؤثر له فى مجلة وجهات نظر، ووجه هذا المقال فى المحل الأول إلى الرئيس حسنى مبارك، باعتبار أن التوتر الطائفى فى أعقاب أحداث الكشح الشهيرة قد بلغ حدودا تهدد النسيج الوطنى فى مصر، على نحو دعى العديد من المسيحيين إلى أن يصلوا إلى الاستنتاج المؤلم والمحزن لهم وللمسلمين أيضا بأنه لا أمان لهم فى مصر.. فالدولة تضيق عليهم فى إقامة أماكن العبادة، وتتراخى فى فتح فرص التوظيف لهم فى العديد من أجهزتها الحساسة، أو فرص الترقى المشروعة لهم عندما تتوافر لهم الكفاءة فى المناصب القيادية فى أجهزة الإدارة،بل وفى المدارس والجامعات، وأخيرا فإن تعامل رجال الأمن وأحكام المحاكم فيما يتعلق بشئونهم تترك المجال للكثير من التمنى، وهذا أقل ما يمكن لهذا الكاتب أن يقوله؛ وأخيرا فإن أمنهم الشخصى وأمن أماكن عبادتهم قد أصبح فى خطر.. كما أن هذا العنف يهدد بتغيير شخصية مصر، وقد كانت على مر العصور موطنا رحبا لكل من يعيشون على أرضه أيا كانت عقائدهم، بل واحة وارفة يلجأ إليها المضطهدون فى بلاد مجاورة.

ولا يبدو أن رسالة الأستاذ القدير هيكل قد وصلت لمن وجهت إليه، فلم ير الأستاذ هيكل، ولم نر معه صحوة لأجهزة الدولة بناء على تعليمات رئاسية لعلاج هذه الأوضاع، ومن ثم أصبحنا نشهد وتيرة متصاعدة لهذه الأحداث يشارك فيها مئات من المسلمين والأقباط، وتعم أرجاء الوطن من الإسكندرية فى الشمال إلى نجع حمادى فى الجنوب، ولم يعد الأمر يقتصر على تظاهرات تتفرق بعد حين، ولكنه وصل إلى إطلاق النار على مواطنين آمنين وهم يخرجون من احتفال دينى فى ليلة عيدهم الذى يفترض أن يشاركهم فيه المصريون جميعا باعتبار العيد يوم عطلة رسمى. لا أدعى أن رسالتى سوف تكون أكثر حظا من رسالة الأستاذ هيكل ويكون لها من الأثر ما لم يتحقق لرسالته، ولكنها قول للحق كما أراه، والساكت عن الحق شيطان أخرس.

وضع المسألة فى حدودها الصحيحة

وبداية لا ينبغى التهوين من شأن ما حدث، فمظاهر التوتر الطائفى عديدة ومتكررة، ومع أن ما جرى فى نجع حمادى ليلة عيد الميلاد قد يكون فى طريقه للتصاعد، وخصوصا وأن الثأر مازال عادة متأصلة فى صعيد مصر..ولكن من ناحية أخرى لا تنبغى المبالغة، لقد كانت هناك ظروف خاصة أدت إلى هذا الحادث المشين فى نجع حمادي،كما أنه لولا هذا الحادث لكان عيد الميلاد هذا العام قد مر على نحو يؤكد وحدة المصريين فى احتفالاتهم أيا كانت عقائدهم. ولم تشهد حسب علمى أى أماكن أخرى على امتداد ربوع هذا الوطن أى توتر بين المسلمين والمسيحيين.

ومع ذلك فهناك من الأسباب ما يستدعى شعورا عميقا بالقلق، وإحساسا بضرورة العمل بسرعة لتقليل احتمالات تكرار مثل هذه الأحداث، وانتزاع فتيلها فى أقرب وقت. أول هذه الأسباب أن مثل هذه الصراعات التى يبدو ظاهريا أنها تدور حول قضايا الهوية تنطوى على عنصر غير عقلانى، يفتقد أى نوع من رشاده رد الفعل. المنتمون إلى كل طرف فى الصراع يأخذون جانب أعضاء طائفتهم دون تفكير لمجرد أنهم ينتمون إلى نفس الطائفة. ويشعر كل منهم أن الإهانة التى لحقت بواحد من أفراد طائفته هى إهانة موجهة له أو لها شخصيا. وهكذا يزداد الأنصار لأطراف الصراع الأصليين على الجانبين، ويتضاعف المتعاطفون معهم فى أنحاء نفس الوطن، بل ومع العولمة سرعان ما يكتسب الحدث طابعا يتردد صداه فى أنحاء المعمورة، ويهب المنتمون إلى كل طائفة لنصرة إخوانهم وأخواتهم فى الطائفة، فهم يكادون يشعرون بأن الهوية التى تجمعهم هى أقرب إلى صلة الدم. وهم لهم تفسيرهم التلقائى لنصرة الأخ، فهى واجبة سواء كان الأخ ظالما أو مظلوما، ولا يفكرون فى أن نصرته تكون عن طريق نصحه بالعودة إلى جادة الصواب. فهناك جادة صواب واحدة، وهى الوقوف معا فى مواجهة الطائفة الأخرى فإما «نحن» أو «هم».

والسبب الثانى لغياب العقلانية والرشادة فى مثل هذه المواقف هو ارتباطها فى العادة بمن يحاولون التلاعب بالمشاعر الطائفية لخدمة مصالحهم التى قد تقتصر على كسب زعامة زائفة، وأضمن السبل لكسب مثل هذه الزعامة هو اتخاذ مواقف متطرفة، وتأليب المشاعر ضد الطرف الآخر. إبداء التعقل،والدعوة إلى الحلول الوسط يظهر لأبناء كل طائفة وكأنه انهزام واستسلام للطرف الآخر. وهكذا يضيع صوت العقل على الجانبين قبل أن ينهك الصراع أطرافه ولا يجدون جدوى من استمراره.

الطريق إلى العلاج

ولكن تعقد مثل هذه الصراعات لا يعنى استعصاءها على الحل، ولكنه يستلزم الابتعاد عن الأسلوب السطحى الذى جرى به التعامل مع أحداث سابقة، سواء بلقاءات المصالحة بين القادة الدينيين الذين لا يملكون بالضرورة نفوذا كبيرا على القادة الحقيقيين للجانبين، أو بإيكال الأمر لأجهزة الأمن التى لم توفق فى السابق، كما لا تحظى بمصداقية كبيرة لدى الطرفين أيا كانت أسباب ذلك.

المسئولية الأولى تقع على عاتق الدولة التى يجب عليها أن تتوقف عن التباطؤ فى حسم أمرها بالنسبة لمطالب المسيحيين وغيرهم بأن يتمتعوا بحقوق المواطنة الصحيحة، فيعاملون على قدم المساواة مع غيرهم من أبناء الوطن بدون تمييز،من حيث حقهم فى بناء أماكن العبادة وفى التوظف والترقى فى كافة أجهزة الدولة بناء على اعتبارات الكفاءة وحدها، وكذا حقهم فى الاعتبار، والذى يعنى أن ينعكس ذلك على المقررات الدراسية التى يجب أن تبين دورهم المشرف فى تاريخ هذا الوطن. وعلى أجهزة الإعلام التى يجب أن تتوقف عن الغمز واللمز ضدهم،وعلى الحكومة أن تتوقف عن استخدام الدين فى كل الأمور بالانتهاك الواضح والصريح لتعديلاتها الدستورية التى تتفاخر بها، وهى أول من يضرب بها عرض الحائط عندما تشعر بالحاجة إلى ذلك. وقد رأينا مثلا على ذلك أخيرا فى الأسبوع الماضى عندما انبرت المؤسسة الإسلامية الرسمية للقول بأن بناء الجدار العازل مع غزة،والذى يجعل من الصعب حصول الفلسطينيين على غذائهم وحاجاتهم الأساسية،وكثرتهم من المسلمين، هو عمل يتفق وصحيح الشرع وناقدوه من الكفار. إن كثرة وسوء التعلل بالدين على هذا النحو يجعل من المتوقع أن يرى المواطنون كل القضايا بمرآة الدين،فانحراف قبطى أو مسلم لا ينظرون إليه على أنه عمل فردى، ولكنهم يجدون فيه معلما لمؤامرة منظمة ضد دينهم.

وفضلا على ذلك فعلى الحكومة أن تحدد قواعد معينة للتوظيف فى المؤسسات الاقتصادية وفى منظمات المجتمع المدنى بألا يقتصر التوظيف فى أى منها على أبناء طائفة واحدة وسواء تعلق الأمر بالمشروعات الاقتصادية أو النقابات أو الجمعيات، ودون أن تكون هناك بالضرورة حصة محددة لأتباع العقائد المختلفة..فلا يجب أن يكون كل العاملين فى أى منها من طائفة واحدة، فاستمرار ممارسات شائعة فى الوقت الحاضر فى عدد من هذه المؤسسات يسهم فى توسيع الهوة بين المسلمين والمسيحيين،ويمهد السبيل للتباعد والانفصال بينهم، وكأنهم ليسوا مواطنى دولة واحدة.

وتتحمل الأحزاب والقوى السياسية قدرا كبيرا من المسئولية، صحيح أن المسئولية الكبرى تقع هنا على الحزب الحاكم، ولكن كل القوى الحزبية والسياسية الأخرى تشارك فى نفس خطيئة تهميش المسيحيين، بعزوفها جميعا عن ترشيح المسيحيين على قوائمها، بل وبتمييز الإخوان المسلمين ضدهم فى مشروع برنامجهم السياسى الذى يحظر ترشيح المسيحيين لمنصب رئاسة الدولة،وبتصريح لمرشد عام أسبق بأنه لا يجوز للمسيحيين أن يخدموا فى القوات المسلحة.

وأخيرا،فإن نمو مشاعر التعصب يجد أرضا خصبة عندما تتردى أحوال المعيشة ولا يجد المواطنون وخصوصا الشباب بينهم فرصا للعمل ولكسب القوت اللائق. ولذلك جرت الأحداث الأخيرة فى مناطق يعانى سكانها من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتردى الخدمات الحكومية. كما ندرت بل ولا تعرف أحياء الطبقة المتوسطة فى المدن الكبرى مظاهر التوتر الطائفى هذه. ومع ذلك لا ينبغى اختزال أسباب هذه الأحداث فى الخلفية الاقتصادية والاجتماعية لمرتكبيها وأنصارهم، فنزاعات الهوية هذه تجتذب أنصارا لها بين كل الطبقات، وإن كان الانخراط فى العنف الطائفى يجد جنوده بين من تضيق بهم سبل الحياة عموما.

لقد كان همنا فى الأسابيع الأخيرة هو العمل من أجل إنقاذ فلسطين، ولكن يبدو أن أحد أولوياتنا منذ الآن، وعلى ضوء هذه الأحداث الطائفية،هو أن ننقذ مصر،التى نحبها ونريد لها أن تستمر نموذجا رائعا للمحبة، وترجمة صحيحة ونقية لشعار ثورة المصريين ضد المحتل فى سنة 1919، بأن يكون الدين لله والوطن للجميع.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات