أسئلة تبحث عن إجابات حقيقية - سمير العيطة - بوابة الشروق
الإثنين 12 مايو 2025 12:39 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

أسئلة تبحث عن إجابات حقيقية

نشر فى : الأحد 11 مايو 2025 - 7:20 م | آخر تحديث : الأحد 11 مايو 2025 - 7:20 م

هناك سؤال لا بد ألا يبارح دوما ذهن الشعب السورى: هل كانت الدول التى سمت نفسها «داعمة لسوريا» تعمل حقا كى تنتصر «ثورة» الشعب السورى على الاستبداد وأن يتحقق حلمهم بالحرية والكرامة؟ أربع عشرة سنة من المؤتمرات ومن تشكيل هيئات معارضة و«حكومة منفى» مؤقتة وتسليح ودعم مالى وإغاثى وعقوبات تزداد قسوتها، لكن فى الواقع جرى تحويل «الثورة» إلى حرب أهلية ودمار واسع وانهيار اقتصادى وتقسيم فعلى للبلد وصعود كبير للشرذمة الطائفية والإثنية والاستسلام للتبعية الخارجية.
بالتأكيد سيختلف السوريون اليوم فى الإجابة على السؤال المطروح، اختلاف حاد بقدر المظالم التى خلقتها بهم حربهم، وبقدر المطامع التى بدأت تظهر ملامحها، لكن يمكن فى سياق الإجابة أن يتم طرح أسئلة أخرى: ألم يكن بقدرة هذه الدول الداعمة أن توحد المعارضة، وخاصة المسلحة منها، منذ زمن كى لا تستمر المعاناة طويلا؟ أم أن الحرب فى سوريا لم تكن فقط صراعا مع إيران وحلفائها، بل أيضا صراعا بين هذه الدول «الداعمة» ذاتها؟ وكذلك ألم تكن هذه الدول تعرف أن العقوبات التى فرضتها ستنهك أصلا الشعب السورى أكثر بكثير من السلطة القائمة، وأن هذا سيضعف إمكانية مقاومة الشعب لهذه السلطة؟
الآن وبعد هروب الأسد الابن من السلطة، يبقى السؤال قائما حول إمكانية توافق الدول «الداعمة» للسوريين، أم أن إعادة نهوض سوريا ما زال يخضع لصراعات هذه الدول بين بعضها البعض؟ بالتأكيد ستأتى الإجابة سريعة فيما يخص تركيا وإسرائيل، رغم أن هذه الأخيرة اعتبرت هى التى أطالت بقاء الأسد طويلا فى السلطة، ولكن الدعم التى تظهره لبعض السوريين لا هدف له سوى شرذمة السوريين وبسط النفوذ، خاصة على المناطق الجنوبية، ولكن ماذا عن الدول الأخرى؟ هل هناك بينها تسابق على التحالف مع هذه أو تلك، أو بشكل فردى بغية تحقيق مصالح فى أفق وضع سوريا على خارطة المنطقة المستقبلية؟ إن المنافسة تتمحور حول مصالح تخص الموارد الطبيعية وطرق إمدادها ومصادر الريع أكثر من إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادى ورخاء الشعب السورى.
على هذا الصعيد، من الواضح أن المناخ الدولى والإقليمى القائم غدا بعيدا عن التوافقات، فلا توافق حقيقيا بين الدول الأوروبية بل منافسة، وكذلك هو الأمر بين الدول الخليجية، ولا توافق بين هاتين المجموعتين وبين إدارة ترامب فى الولايات المتحدة، التى باتت تفرض «أولوية أمريكية» على الجميع وحتى على تركيا وإسرائيل... هذا ما نشهده اليوم بالتحديد على لبنان، بعد الحرب الأخيرة وفى القرارات المتعاقبة فيما يخص غزة.
•••
فى سوريا، لافت أن أغلب الحديث يكثر عن رؤية مستقبلية بعد عشرات السنين، إلا نادرا، بدل التنطح للإشكاليات التى يعانى منها السوريون اليوم وسبل حلها سريعا، علما أن البلاد لن تكون قادرة على أخذ القرارات الصائبة ضمن التنافس الدولى إلا إذا أعادت بناء قدرات مؤسساتية داخلية تستطيع فعليا خدمة الصالح العام... السورى… ولجميع السوريين.
أما فيما يخص العقوبات، ينشط ذات أولئك السوريون الذين بذلوا جهودا كبيرة على تشديدها وتعقيدها واستطالة أمدها، على إزالتها كاملة اليوم، هذا رغم أنهم كانوا يعرفون جيدا أنها تعاظم فقر السوريين، وأنها تخلق فروقا باتت كبيرة بين مناطق السيطرة فى سوريا مما يجعل إعادة توحيد البلاد أمرا صعبا حتى بعد «سقوط السلطة»، لقد بات رفع العقوبات أيضا صعبا، إذ غدت عالقة فى غياهب التنافس بين الدول، بل أيضا التنافس بين مراكز النفوذ فى مجلسى النواب والشيوخ الأمريكيين.
وفى الواقع، باتت اليوم كل عملية مساعدة للنهوض بسوريا، مثلا لاستعادة الكهرباء أو لعودة شركة الطيران السورية للعمل أو لدرء آثار الجفاف المحدقة، مجالا لمقايضات بين دول وجهات إقليمية ودولية.
من اللافت أن لا أحد يتحدث حقا عن العقوبات الأخرى، الأممية وليست «أحادية الجانب»، التى تمس «هيئة تحرير الشام» وقادتها، أو ما يسمى «قائمة 1267» فى مجلس الأمن الدولى، كما لا تقوم السلطات الحالية فى سوريا بطلب رسمى لإزالتها، ولا جهود أيضا تجاه القائمة الأمريكية حول الكيانات التى ترتكب انتهاكات حيال الحريات الدينية، هذا فى حين أن هناك تشابكا بين كلا النمطين من العقوبات وأنها ذات علاقة عضوية ببعض الآليات المالية التى تتم اليوم محاولة تفعيلها فى سوريا.
•••
رغم الظلال التى تطرحها هذه الأسئلة، تبقى هناك التحديات الحقيقية داخل سوريا وعلى أصعدة الدولة والمجتمع ووحدته ووحدة الأرض، إذ إن مواجهتها بشكل فعلى هى التى تفتح الآفاق تجاه «لعبة الأمم».
ولا بد من القول أنه رغم الحماسة برحيل الأسد و«بالانتصار» ورغم الجهود المبذولة، تبقى سوريا بحاجة إلى آلية لتوحيد أرضها ومؤسساتها بشكل حقيقى. فالأمور ما زالت فى تفاوت كبير بين مناطق الشرذمة السابقة، إدلب وشمال حلب وشرق الفرات وبقية سوريا، ولا بد من رؤية تضع توحيد المؤسسات والآليات والأوضاع وتقليص الفروقات كأولوية وطنية، خاصة وأن التفاوت بات يتسع اليوم حتى بين المدن والمناطق التى كانت سابقا تحت سيطرة السلطة البائدة.
وناهيك أن هناك تلاعبا على وحدة المجتمع، تبقى سوريا أيضا بحاجة ماسة إلى آلية عدالة انتقالية شفافة، لا مصالحات آنية، كى تلتئم جراحات سنين الحرب وتعالج مظالمها، ولا بد أن هناك الحاجة إلى عودة سريعة للحريات والحياة السياسية، لأن نهوض النشاط السياسى ولو تدريجيا هو الكفيل بإيجاد جهات مجتمعية يتم التفاوض معها، وكذلك التعاون معها، مقابل استفزازات ما يسمى بالجهات «المنفلتة» أو «الخارجة عن القانون» أو الخارجية، وإذا ما كان من ضرورة لـ«مجلس سياسى» يضبط إيقاع خروج البلاد من أزمتها، لا بد من أن يشمل هذا المجلس جميع التنوعات السياسية والطائفية والإثنية، وما هو أكثر أهمية وأساسى هو أن يشعر السوريون بالأمان وأن الجيش الجديد يبنى عسكريا وفكريا على أنه جيش الوطن، كل الوطن.
•••
جميع الدول التى تعيش هشاشة حرب داخلية طويلة وصراع دولى وإقليمى بالوكالة تواجه بعد نهاية القتال أو التغيير مجددا من «لعبة الأمم»، وإن بشكل مختلف عما كانت عليه الأمور خلال الصراع المسلح، والسبيل الوحيد للنهوض هو تمكين مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، وآليات السلم المجتمعى كى تنفتح آفاق وطن لجميع مواطناته ومواطنيه... وبالتأكيد هذه هى المسئولية الحقيقية اليوم.

سمير العيطة رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب
التعليقات