إرهابى «لايت» - امال قرامى - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 4:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إرهابى «لايت»

نشر فى : الإثنين 11 يوليه 2016 - 10:20 م | آخر تحديث : الإثنين 11 يوليه 2016 - 10:20 م

هيمنت حادثة مقتل الطبيب العميد «بيوض» فى تفجيرات مطار إسطنبول على وسائل الإعلام المحلية القديمة والجديدة على حد سواء، وأثارت أيضا اهتمام عدد من الإعلاميين الغربيين. ويعود سبب انكباب الإعلاميين وعموم المتابعين للحدث على تحليل هذه الحادثة إلى أنها تندرج فى إطار «الغريب والعجيب» و«المثير» وفق التصنيفات الإعلامية. ويكمن وجه الغرابة فى هذه الحادثة إلى أن الأب كان يريد تخليص ابنه و«زوجته» من براثن تنظيم داعش، وقد نجح بالفعل فى ترحيلهما من العراق إلى تركيا، وكان يعتزم بالتنسيق مع السلطات التونسية، العودة برفقتهما إلى تونس. ولكن شاءت الأقدار أن يُقتل الأب على يد التنظيم وأن يعود الزوج إلى تونس.


***


وبالرجوع إلى تعليقات التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعى وطريقة تعامل الإعلام التونسى مع هذه الحادثة، نتوقف عند الملاحظات التالية:
ــ إن ما أثار فضول التونسيين هو السردية التى ذاعت فى مختلف وسائل الإعلام والتى ترتكز على بناء صورة الأب بطريقة تجعل الجمهور يتعاطف معه. فهو مثال التفانى فى العمل فى المستشفى العسكرى، وهو يتسم بخصال إنسانية قلما تتوفر فى إنسان، وهو الأب المثالى الذى سافر على نفقته الخاصة وغامر من أجل إنقاذ ابنه الضال، وهو بالنهاية الضحية: ضحية تنظيم داعش وضحية ابنه الذى خذله وحاد عن الطريق.


ــ وبالتوازى مع هذه السردية تظهر سردية الأم فهى التى قادها الشوق إلى اللقاء بابنها فرحلت إلى إسطنبول، ولكن فوجئت بالتفجير وفقدت الزوج ولم تجتمع بالابن. ولكن ما إن عادت إلى تونس واجتمعت بوسائل الإعلام حتى انطلقت فى رسم ملامح شخصية ابنها فهو طبيب وأراد مداواة الجرحى، ومعنى هذا أن مهمته كانت إنسانية صرفة. وليست صناعة صورة الابن فى مثل هذه الحالة، إلا محاولة لإنقاذ الابن من التتبعات العدلية وإضفاء نوع من البطولة عليه، لعله بذلك يفلت من العقاب وينقذ شرف العائلة.


ــ ينم التشويش الذى حصل فى المعجم اللغوى الذى وظفه الإعلاميون ومن سار على دربهم عن الإرباك الذى حصل لفئات من التونسيين. فالعميد هو من المنتمين إلى المؤسسة العسكرية ومن ثم نال الاحترام والتقدير الذى يتمتع به كل من يعمل داخل هذه المؤسسة التى قدمت تضحيات جسام أثناء مرحلة الانتقال الديمقراطى. ونجم عن تقدير الأب امتناع عدد من الإعلاميين من الإساءة إلى ذكراه. فلم يعامل الابن على أساس أنه داعشى وإرهابى بل هو نجل الفقيد، وابن العميد الشهيد، والمتهم. وهذا أمر يفضح التمييز بين من تورطوا فى العمل الإرهابى ويبين عن دور الانتماء الطبقى فى تصنيف الإرهابيين وفى التعاطى معهم إعلاميا ويثبت مرة أخرى أن الإعلام وجد عسرا فى تطبيق مبدأ الحياد.


ــ استأثر الأب والابن باهتمام الإعلاميين والفيسبوكيين. أما المرأة التى صاحبت الشاب فى حله وترحاله من العراق إلى الشام فقد ظلت محجوبة عن الأنظار غاية ما وصلنا أنها عقدت زواجا عرفيا مع الشاب. ثم شيئا فشيئا بدأت الأخبار تتوارد فقد تحولت إلى مُدانة باعتبار أنها هى التى استقطبت الشاب وغررت به. كما أنها قُدمت على أساس أن والدها هو أيضا من المؤسسة العسكرية ولكن شتان بين التعامل مع الذكور والإناث، إذ تظل المرأة قرينة الشر فى المتخيل الجمعى وهى سليلة حواء وامرأة العزيز المراودة.


ــ أثار دخول الابن المستشفى العسكرى مباشرة بعد عودته إلى تونس استياء الجمهور المتابع للحدث ورأوا فى ذلك تمييزا بين التونسيين وتأثيرا فى مسلك القضاء. وسرعان ما واجهت الأطراف المسئولة عن إدارة الملف هذا الأمر، فبادرت بالتحقيق معه وتحديد مسئولياته.


***
توضح هذه الحادثة أن اختراق تنظيم داعش لكل مؤسسات الدولة قد تحقق بما فى ذلك المؤسسات المسئولة عن حماية البلاد ومقاومة الإرهاب، كما أن داعش باتت حاضرة فى جميع الفضاءات الحضرية والريفية، والأماكن «الراقية» والمهمشة على حد سواء، وقد تسللت إلى جميع الطبقات واستهوت كل الأسنان: شيبا وشبابا نساء ورجالا. ولكن هذا الخطر يستوجب التعامل مع المسئولين عن استشرائه والمورطين فيه على أساس العدل وعدم التمييز وعدم السعى إلى «تبييضه». ليس هناك إرهابى إنسانى و«لايت» وإرهابى متوحش. جميعهم خانوا البلاد وآذوا العباد.

التعليقات