الجماهير التى خرجت على الإخوان المسلمين لم تكن فقط بسبب تردى إدارتهم السياسية، ولكن أيضا لفشل سياساتهم الاقتصادية والاجتماعية. هذه حقيقة لا ينبغى نسيانها. منذ أيام التقيت برفقة عدد من السياسيين بأعضاء الكونجرس الأمريكى الذين كانوا فى زيارة إلى القاهرة، لم يكن بالمناسبة شغلهم الشاغل التعرف على ماذا حدث، وإن لم يخلُ النقاش من حديث فى هذا الشأن، ولكن بالأخص معرفة ما سوف يحدث؟ وذكر أحدهم أن الاقتصاد شأن ضرورى لا ينبغى نسيانه فى خضم الجدل السياسى. خرج الناس بسببه فى عهد مرسى، وربما يخرجون بسببه مرة أخرى إن لم تلب احتياجاتهم الأساسية.
هذه معضلة رئيسية، والناس دائما تريد أن ترى فى الأفق ضوءا حتى إن لم تدركه اليوم أو غدا. لا ينبغى على الحكم الحالى الرهان على الحالة السائدة التى يشعر الناس فيها بارتياح لرحيل الإخوان، لأنه سبق أن سادت حالة مماثلة خلال الأيام الأولى التى أعقبت تنحى مبارك، وتعبر عن التفاؤل الذى يرافق بداية مرحلة سياسية جديدة، ولكن ما تلبث أن تتعقد الأمور، وتظهر الأسئلة النقدية. الناس تحتاج إلى ظروف معيشية أفضل، وظائف جديدة، استعادة حركة السوق، تجاوز الخسائر السابقة، ماكينة الحياة تدور فى مختلف القطاعات، الخ.
هذه مسئولية الحكومة الحالية، وكل حكومة يمكن أن تتسلم المسئولية فى هذه الظروف. وقد سبق أن أشار باحث مهم فى مجال التحول الديمقراطى هو «لارى دايموند» إلى أنه فى أعقاب التحولات السياسية ينبغى أن تتولى مقاليد الأمور حكومة تُشعر الناس بأن الحياة تتغير، أو تسير على طريق التغير، حتى يدرك القطاع العريض بالمجتمع أن التغيير لصالحه، وليس ضد مصالحه.
يبدو أن الحكومة الحالية تريد أن تفعل شيئا رغم إدراكها بأنها فى مرحلة مؤقتة. لكننى استشعر أحيانا أنها ترنو ببصرها بعيدا عن الواقع الحالى، فى حين أنها تحتاج إلى اتخاذ سياسات مباشرة بسيطة ومؤثرة تؤثر فى قطاعات عريضة من المجتمع. الأمثلة على ذلك كثيرة مثل مشكلات «التاكسى الأبيض» أو ديون الفلاحين أو الأعباء الأسرية قبيل دخول المدارس الخ.
فى المجتمع الناس من الممكن أن تنشغل بالسياسة بعض الوقت، لكنها ما تلبث أن تعود إلى همومها. قد تنشغل بمعارك الفضائيات، أو بمتابعة القبض على قيادات الإخوان المسلمين، أو بالحوار حول مستقبل الإسلام السياسى، لكن انشغالها لن يطول، وسوف تواجه حتما المشكلات الحياتية اليومية التى تحتاج إلى حل. وقد نسمع قريبا نغمة «لا شىء تغير» أو «الأمور تسير على نفس المنوال»، وسط خطاب يتصاعد تدريجيا فى أوساط ثورية وشبابية ينصب على استعادة مطالب ثورة 25 يناير، التى يشعرون أن هناك رغبة فى تقويضها لصالح ثورة 30 يونيو، يساعد على ذلك إعلام غير مسئول، لا يناقش المستقبل اقتصاديا أو اجتماعيا، ولا يطرح قضايا ملحة تهم المواطن، بشفافية ووضوح تساعده على فهم ما يجرى حوله، لكن يصرفه عن قضاياه بالدخول أحيانا فى مهاترات شخصية وروايات تافهة وسط ابتزال لغوى واخلاقى.
المواطن لا ينسى صراع الثلاث وجبات، هذه هى الحقيقة الخالدة التى لا ينبغى أن ينساها أو يتناساها الحكم فى أى زمان أو مكان.