هل تحاكم السلطة الرابعة الجيش الإسرائيلي؟ - قضايا إسرائيلية - بوابة الشروق
الأربعاء 12 نوفمبر 2025 1:50 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

هل تحاكم السلطة الرابعة الجيش الإسرائيلي؟

نشر فى : الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 - 6:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 - 6:20 م

 

نشر المركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية (مدار) مقالا للكاتبة سماح بصول، تناولت فيه الأسباب والعيوب الهيكلية التى أدت إلى تراجع أداء الجيش الإسرائيلى وفشله فى أحداث 7 أكتوبر 2023، وذلك من خلال سلسلة تحقيقات تليفزيونية بعنوان «ما الذى جرى للجيش الإسرائيلى؟» التى عرضتها القناة الثالثة عشرة الإسرائيلية.. نعرض من المقال ما يلى:

فى شهر سبتمبر الماضى، عرضت القناة الثالثة عشرة الإسرائيلية سلسلة تحقيقات مؤلفة من أربع حلقات تحمل عنوان: «ما الذى جرى للجيش الإسرائيلى؟» وفيها قام الصحافى عمرى أسنهايم والمخرج جلعاد توكتالى باختيار أبرز قادة الجيش لتوجيه الأسئلة الحارقة حول القرارات المتخذة خلال فترة تمتد على أربعين عامًا.

يعد أسنهايم واحدًا من الصحفيين الذين قدموا كثيرًا من التحقيقات للتليفزيون، خاصة خلال عمله فى برنامج التحقيقات البارز «حقيقة» الذى تقدمه إيلانا ديان. أما فى هذه السلسلة يجلس أسنهايم أمام قادة أركان الجيش (جادى آيزنكوت، ودان حالوتس، وجابى أشكنازى، وأفيف كوخافى، وهرتسى هليفى)، ووزراء أمن، وجنرالات، وشخصيات عسكرية بارزة، ويوجه أسئلة قد يكون فى بعضها تحدٍ غير مسبوق، يصل حد الاتهام، ليبدو أن الصحافة تجلس فى جلسة لجرد حساب مع الجيش!

 

الحلقة الأولى: يقرأ الضباط نصوصا لا يفهمون معناها!

يمكن تلخيص هذه الحلقة بالقول: «ما أشبه اليوم بالأمس!»، فمعظم ما يرد فيها يشير إلى أن كل ما يصنف خطأ فى كل حرب يتكرر فى الحروب الأخرى. فمثلا، يحذر الضباط والجنرالات فى محاضراتهم ومداخلاتهم فى المؤتمرات العسكرية، وكذا فى كتب ألفوها، من «الخطر الهادئ» أى حماس، ومن عدم الاستعداد لخوض المعركة بشكل فورى، ومن تراجع قدرات الوحدات البرية، ومن نقص المعدات، ومن الاستخفاف بمعلومات أبراج المراقبة، ما يعيد إلى الأذهان نتائج التحقيق فى حرب الغفران.

لعل أبرز التصريحات فى هذه الحلقة أولها أن الخوف من دخول الأنفاق هو «تابو» فى المخيلة الإسرائيلية، ويصفه العسكريون بأنه لا يختلف عن دخول بيت مفخخ، ففى الحالتين سيُصاب جنود، والضابط الموجود فى الميدان يعرف أكثر من القيادة العليا التى تجلس فى المكاتب.

وثانيها أن خطة خطف الجندى جلعاد شاليط كانت بيدى متعاونين فى طريقها إلى الجيش، لكنهما احتجزا للتحقيق مدة أربع وعشرين ساعة، تمت خلالها عملية الخطف. وهنا يبرز أمر إضافى لا يتعلق فقط بسرعة التعامل مع المعلومات، بل بصياغة العمليات نفسها.

 

الحلقة الثانية: المنتخب فى الملعب والمدرب غائب!

نشر الجنرال الاحتياطى أمير أبو العافية مقالا بعنوان "الجرأة فى التعبير عن الرأى داخل الجيش"، ولقى المقال أصداء واسعة، إذ كشف النقاب عن ثنائية المواقف داخل المؤسسة العسكرية؛ فما يقال داخل الغرف المغلقة -حيث يسجل بروتوكول رسمي- لا يشبه ما يقال خارجها، خشية فتح البروتوكولات لاحقا وما يترتب على ذلك من محاكمة قضائية وشعبية. كما أن الضباط باتوا يفضلون هز رؤوسهم بالموافقة بدل الاعتراض. يصف الناطق باسم الجيش هذا السلوك بسخرية قائلا: "يشبهون دمية الكلب التى توضع فى السيارات ولا تكف عن هز رأسها."

إن تحول قيادة الجيش إلى "قطيع" أو "جوقة"، أدى إلى الاستخفاف بالتحذيرات والشكاوى والطلبات، ولم يجرؤ الضباط على القول إن جنودهم منهكون. أصبح الكتمان والكذب ثقافة سائدة قادت إلى الفشل فى السابع من أكتوبر 2023. ففى العام 2013، بلغت شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" رئيس هيئة الأركان بينى جانتس بأن البحث عن الأنفاق جار، بينما فى الحقيقة لم يكن ذلك ضمن أولوياتهم.

وحين وصل الجنود إلى فتحات الأنفاق لم يعرفوا ما الذى عليهم فعله، لأنهم لم يتلقوا تدريبا، ولم تكن لديهم معدات ولا مخطط واضح. اكتفى سلاح الجو بقصف بعض الأنفاق، ومع ذلك كذب القادة على الجمهور واحتفوا بتفجير الأنفاق من خلال مؤتمرات صحافية وبيانات عسكرية متفائلة.

 

الحلقة الثالثة: إليئور أزاريا يقلب الموازين

فى عام 2017، نفذ شابان فلسطينيان عملية ضد مجموعة من الجنود فى الخليل، أصيب خلالها عبدالفتاح الشريف -أحد الشابين- وبعد إحدى عشرة دقيقة من انتهاء الحدث، كان الشريف ملقى على الأرض ينزف، وأثناء انتظار فحص خلو ملابسه من أى مادة متفجرة، قام أحد الجنود، إليئور أزاريا، بإعدامه برصاصة فى الرأس. تم توثيق الحادثة بالفيديو وانتشر بسرعة كبيرة، محدثًا حالة غير مسبوقة من البلبلة فى صفوف القيادات العسكرية، امتدت حتى انتهاء محاكمة أزاريا. وصفت بعض القيادات السياسية والعسكرية تصرف أزاريا بالشاذ والمتناقض مع قيم الجيش، وبدأت محاكمته رسميًا.

أظهرت قضية أزاريا خللًا عميقًا فى التواصل بين الضباط والجنود، وخللًا أخطر فى علاقة الإعلام بالجيش، إذ عرف الجنود تفاصيل القصة من خلال وسائل الإعلام، وعلى وجه الخصوص عبر الصحفى شارون جال من القناة عشرين، الذى حاول دفع الجنود إلى التمرد.

كشفت قضية أزاريا كذلك عن عدد من الظواهر الخطيرة فى نظر قيادات الجيش العليا، فثمة تعامل مباشر بين مجموعات كاهانية متطرفة والجنود فى الخليل، كما أن المسيطر ميدانيا هو ضابط الأمن المستوطن، وأن القسم الأكبر من القوات البرية ينتمى إلى تيار الصهيونية الدينية. وقد أدى ذلك إلى فقدان البوصلة فى اتخاذ القرارات الميدانية. كل هذا يقابل بالإهمال وعدم المعالجة، مما لا يردع الجنود عن أى تصرف- وكان الأقسى على الجيش والجمهور قتل ثلاثة من المختطفين الإسرائيليين فى قطاع غزة.

 

الحلقة الرابعة: الحرب كلعبة «بابجى»!

يبدأ هذا الجزء بتحليل العلاقة بين جيل جديد من الجنود الإسرائيليين وبين الحرب بوصفها تجربة رقمية وأسطورية. حين يطلق الجندى النار من سلاحه، لا يرى أمامه إنسانًا بل هدفًا افتراضيًا يتحرك على الشاشة. لقد تلاشت الحدود بين الواقع واللعبة. قبل استخلاص العبر، وتلخيص الأحداث وجمع الاعترافات، تركز الحلقة الأخيرة من السلسلة على التغييرات التى اعتمدها رئيس الأركان أفيف كوخافى، والتى صوبت نحوه أصابع الاتهام بضعف القوات البرية ونقل المعركة من الميدان إلى الشاشة.

يشرح كوخافى هنا موضوعين: الأول هو «مبام»، أى معركة بين الحروب؛ وهى العمليات التى يقوم بها الجيش لمنع نشوب حرب أكبر، وتشمل الاغتيالات (سمير القنطار وقاسم سليماني)، وضرب أهداف فى إيران ولبنان. يدعى معارضو «مبام» أنها كلفت خزينة الدولة ملايين كان يجب أن تنفق فى أهداف أخرى.

أما الثانى فهو إدمانه على استخدام التكنولوجيا. يظهر خلاف واضح بين كوخافى وآخرين فى قضية الاعتماد على الاستخبارات والتكنولوجيا، إذ يرى المعظم أنها لعنة تمنح شعورًا متخيلًا بالسيطرة على العدو، لكنها فى الواقع تخدر القدرة على التنفيذ. يعزز كوخافى موقفه المدافع عن الاستخبارات والتكنولوجيا بتجربته فى عملية «الجدار الواقى» واجتياح نابلس.

 

طمأنة الشعب أولًا

على مدى الحلقات الأربع، نستخلص من كل ما يوصف هو أن حالة الطوارئ والتوتر والحرب هى حالة دائمة، وعندما يتم الحديث عن الأم التى تنتظر ابنها الجندى عائدا إلى البيت، يبدو أن هذا المشهد يشجع على المزيد من القتال عن بعد. يضاف إلى ذلك تكرار الحديث عن منع التصعيد خشية التشويش على الروتين اليومى للشعب، حتى ليبدو أن مكان قضاء عطلة نهاية الأسبوع لدى معظم الإسرائيليين هو ما يقرر شكل تحركات الجيش! القلق الدائم من إصابة ومقتل الجنود، ورد الفعل الشعبى لها نصيب فى اتخاذ القرارات.

إن وصف المخططات والعمليات واستخدام التكنولوجيا يمنح المشاهد إحساسًا بأنه أمام لعبة حاسوب، ومشاهد الجلسات والاجتماعات والتعرف على القدرات والمعدات والأجهزة التكنولوجية التى تصاحب الجنود، تجعل الحديث عن «العدو» معقمًا من أى صفة إنسانية. هذا بالضبط ما شهدناه خلال العامين الأخيرين: خطاب عسكرى وسياسى نزع الإنسانية عن الفلسطينى واللبنانى والإيرانى، بهدف منح الشرعية للحرب وقتل المدنيين بوسائل تكنولوجية تزيح ثقل «القتل» عن كاهل الجندى ومتخذى القرار.

كما فى كل تحقيق إعلامى -تليفزيونى أو سينمائى إسرائيلى- هناك الكثير من المصارحة والندية والتوبيخ والتشديد على تحمل المسئولية، والمطالبة بالتنحى أو التنازل أو حتى تلقى العقاب. ومع ذلك، تبقى الأخطاء تتكرر، وتضاف تفاصيلها إلى كومة من البروتوكولات والتحقيقات.

التساؤل «ماذا جرى للجيش؟» يعنى أن هناك توقعات وشكلا للجيش قد حاد عنه فى فترة ما، خاصة سلاح البرية، ونلمس ذلك من صيغة الأسئلة، لكن حسب اعترافات الجنرالات فإن خيبات الأمل والتباطؤ فى اتخاذ القرارات كان نهجا دائمًا ما دفع البعض للمغامرة ميدانيًا واتخاذ قرارات فورية قد يكافأ عليها وقد يلقى العقاب.

قد تأتى هذه السلسلة فى هذا التوقيت لتفسر بعض ما حدث فى السابع من أكتوبر، ولتعكس للجمهور ما أخفاه قادة الجيش والكابينت، ما تسبب فى خيبة الأمل الكبيرة لدى الإسرائيليين.

 

النص الأصلى: 

 

قضايا إسرائيلية قضايا يهودية
التعليقات