من أين يبدأ الإصلاح الدينى؟ - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من أين يبدأ الإصلاح الدينى؟

نشر فى : الجمعة 12 فبراير 2016 - 10:10 م | آخر تحديث : الجمعة 12 فبراير 2016 - 10:10 م
اتصل بى قارئ عزيز عن طريق صحيفة الشروق، المستشار حسن الشحيمى وهو محكم دولى، وتكشف لى من مكالمته أنه متابع جيد لجريدة الشروق وكتابها، وأنه مهتم بموضوع الإصلاح الدينى، وطلب أن أعرض رؤيتى للإصلاح قائلا: «كثيرون يكتبون عن أهمية الإصلاح الدينى وكثيرون آخرون مقتنعون بأهميته خاصة فى هذه الأيام فى بلادنا لكنهم لا يقولون لنا «نعمل إيه؟». لذلك أردت أن أخصص مقالى هذا – على الأقل – للإجابة على سؤال ماذا نفعل؟ وسأبدأ باستبعاد طرق تبدو صحيحة لكنها لم تنتج إصلاحا دينيا حقيقيا على مدى التاريخ البشرى. ومن أهم هذه الطرق أن تطلب الدولة أو الحاكم من المؤسسة الدينية أن تقوم بإصلاح ذاتها وقد حدث هذا كثيرا فى التاريخ؛ فمثلا طلب الخديوى إسماعيل ذلك من الأزهر فى وقته وكان كلامه نصا نريد تفسيرا عصريا أو يتماشى مع العصر للكتب المقدسة. لكن دعوته لم تثمر شيئا بل تم تجاهلها تماما فى الوقت الذى لم يأخذ الناس دعوته بالجدية المطلوبة، وفى أوروبا قديما وقع نفس الشىء ولم يعنِ ذلك شيئا يذكر عند المؤسسة الدينية والسؤال هو لماذا؟

الإجابة – بحسب تصورى لسببين: إن أى مؤسسة دينية خلفها تاريخ طويل أقامت فيه أعمدتها الفكرية الفقهية واللاهوتية على أسس وأساليب معينه شكلت معنى وجودها وطريقة الحياة التى تبنتها، وقد أعلنت هذا من خلال كتبها وقراراتها وبياناتها وتاريخها واعتمدت فيه على نظرية معينة فى تناول النصوص الدينية بالتفسير ومكانة مصادر الفقه الأخرى من أحاديث أو تقليد واجماع وقياس.. إلخ. وبطول الزمن وتوالى الأجيال، اعتبرت أنها الوحيدة القادرة على حماية العقيدة وحراستها فى مواجهة البدع والهرطقات وأن أسلوبها هو الأفضل على الإطلاق. وبالتالى ليس فى الإمكان أبدع مما كان، وذلك رغم تغير الزمان وتطور البشر والحاجة لاجتهادات تناسب العصر وتقنع أجياله.

ليس ذلك فقط بل أيضا لأن المؤسسة الدينية تعضد الدولة وتتبنى قراراتها من ناحية، وتقوم الدولة برعايتها وحمايتها من الناحية الأخرى، وهذا يحدث منذ فجر التاريخ، فالحاكم يأخذ شرعيته من المؤسسة الدينية مقابل رعايته لها، وهذا كان يتم منذ عهد الفراعنة وحتى اليوم وفى العالم كله تقريبا. وإذا أخذنا مثالا لذلك أوروبا فى القرون الوسطى، فالمؤسسة الدينية كانت تحتكر التفسير للكتب المقدسة وتحكم على من يخالفها بالحرق والقتل والتنكيل، وكانت الدولة تساندها فى ذلك؛ إذ تعتبر أن أى صاحب رؤيا مختلفة أو تفسير مختلف عن السائد هو خارج عن الدين ويجب إفناؤه، حتى جاء الراهب مارتن لوثر وقرأ الكتاب المقدس لأنه كان ممنوعا ترجمته للألمانية من اللاتينية فبدأ فى ترجمته فى الدير، واكتشف أن الكنيسة لا تطبق الكثير من التعاليم المدونة فى الكتاب المقدس. وقد حصر هذه التعاليم فى 95 بندا أسماها احتجاجات وكتبها بخط ضخم ووضعها على باب الكاتدرائية وترك الدير وهرب وبالطبع حكم عليه بالحرمان «التكفير»، وكان مصيره سيكون كسابقيه الإعدام حرقا إلا أن ما حدث مع مارتن لوثر هو أن أمير إحدى المقاطعات أخذه فى مقاطعته وقام بحمايته، فقد كانت ألمانيا فى ذلك الوقت تنقسم إلى مقاطعات وكل مقاطعة لها أمير، ولذلك عندما اقتنع ذلك الأمير بفكر مارتن لوثر احتضنه ورفض تسليمه للبابا ثم حدث ما سمى بثورة الفلاحين فأعطته دفعة أكبر للإصلاح الدينى.

***

إذن من هنا ندرك أن أى إصلاح دينى يحتاج إلى حماية لأنه سير عكس التيار، لكن الغريب فى بلادنا أن الدولة طلبت الإصلاح بل ثورة دينية من المؤسسة الدينية التى تحت رعايتها، وكان المتوقع من الدولة المطالبة بالإصلاح الدينى، أن تقوم بحماية من يحاول الإصلاح سواء كان من داخل المؤسسة الدينية أو من خارجها، لكن المفاجأة أن الدولة المطالبة بالإصلاح تقمع المصلحين بقوانين سيئة السمعة مثل «قانون العيب فى الذات الملكية أيام الملك والعيب فى كبير العيلة رئيس الجمهورية أنور السادات وأخيرا قانون ازدراء الأديان فى أيامنا»؛ فيكون نصيب كل مجتهد السجن، وهنا تفقد دعوة الإصلاح مصداقيتها وجديتها لدى المصلحين والجمهور.

والغريب أنه عندما يتحدث كاتب عن تجارب الغرب فى الإصلاح تشهر فى وجهه مقولة عجيبة يرددها كثيرون من كارهى الإصلاح «إن الديانتين مختلفتان فالإسلام ليس به كهنوت» والاعتراض فى الغرب لم يكن على الكهنوت فقط لكن على طغيانه وهو واحد من 95 احتجاجا، وكانت الاحتجاجات رفض الخرافات التى دخلت الدين من خلال كتب التقليد والتى كانت تعامل معاملة الكتاب المقدس مع أنه ليس موحى بها فهى كتابات بشر. كذلك التجارة بالدين من خلال تفسير الأحلام ومعجزات الشفاء وممارسات دينية مرفوضة وتقديس بشر ومنظمات دينية وتميز طبقة رجال الدين.. إلخ. ولقد تمسك المصلحون بالكتاب المقدس فقط وهكذا ترى عزيزى القارئ أنها نفس المعاناة رغم تنوع الأديان واختلاف الزمان والمكان.

***

وللإجابة على السؤال من أين نبدأ؟! نقول أولا: إلغاء القوانين سيئة السمعة التى تحد من حرية الاجتهاد فى تفسير النصوص الدينية، وثانيا: أن تترك الحرية كاملة للرد والأخذ والحوارات بين الأديان المتعددة وداخل الدين الواحد كما كان يحدث فى عصر النهضة الإسلامى عصر الخلافة العباسية، حيث كان الحوار ليس له حدود أو أسوار فى ظل دولة قوية واثقة من ذاتها مترامية الأطراف لذلك فالخوف على انهيار الدين أو الدولة لم يكن مطروحا. فعندما تشتد عبارات التكفير وتعلو الاتهامات ويكون رد الفعل بوليسيا وقانونيا وعنيفا على المجتهدين، اعلم ــ عزيزى القارئ، أنك تعيش فى دولة ضعيفة ومؤسساتها الدينية غير واثقة بنفسها وفكرها؛ متحصنة بالدولة والبوليس والقوانين سيئة السمعة، أما فى ظل الدولة القوية فلا تسأل عن فتنة طائفية أو مصادرة حوار أو قوانين سيئة السمعة.

ونقطة البداية هى أن يطلب من كل شخص لديه القدرة على فهم النص الدينى وتفسيره أن يقدم تصوره مهما كان هذا الشخص ثم يجتمع هؤلاء جميعا ومعهم علماء المؤسسات الدينية ويتبادلون الآراء. وسأعود بك – عزيزى القارئ – إلى التاريخ الأوروبى مرة ثانية عندما نجح الإصلاح وشمل كل المناحى الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية وبدأ الناس يتحولون بكثرة ملحوظة من الكثلكة إلى كنائس الإصلاح، قام البابا بولس السادس عام 1962 بالدعوة إلى مؤتمر يناقش فيه جميع العقائد وكيفية الانفتاح على العالم وقد استمر هذا المؤتمر لمدة أربع سنوات أخذوا فيه قرارات جريئة جدا؛ قبلوا من خلالها ليس البروتستانت فقط بإصلاحهم والاعتذار لما حدث لهم تاريخيا من محاكمات وقتل وحرق، بل قبلوا أيضا الإسلام واليهودية وجميع الأديان الوضعية الأخرى على المستوى الإنسانى وقدموا اجتهادات لاهوتية (فقهية) سبقوا بها كنائس الإصلاح. وكانوا يرسلون قراراتهم للشعب المسيحى فى الكنائس قبل إقرارها لمناقشتها من القاعدة الشعبية قبل إقرارها بعد التعديل. وقد دعى البعض هذه الحركة بالإصلاح المضاد وأنا كواحد من قادة الكنيسة المصلحة فى مصر أعترف أن الكاثوليك بالخارج أصبحوا أكثر إنسانية فى إيمانهم ولقائهم بالآخر المختلف واجتهاداتهم فى النص الدينى لقبول الآخر أكثر من الكنائس المصلحة بمراحل، ولعلكم تلاحظون كيف أن البابا فرنسيس فى عيد الفصح رفض أن يقوم بطقس غسل أرجل عدد قليل من الكرادلة تذكارا لما فعله السيد المسيح مع تلاميذه رمزا للتسامح مع الآخر، واتجه إلى أحد سجون روما وغسل أرجل ثلاثة من المساجين المجرمين من بينهم امرأة مسلمة وشاب بوذى وآخر مسيحى، ليعلن حب الله لهم واهتمامه بهم رغم انحرافهم وإثمهم وانتظاره لتوبتهم.

السؤال ليس من أين نبدأ؟ فهذا سهل نسبيا لكن الصعب هو من الذى يبدأ؟
إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات