يوم سقط الاتحاد السوفيتي.. نظرة موضوعية - محمد عبدالمنعم الشاذلي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 12:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يوم سقط الاتحاد السوفيتي.. نظرة موضوعية

نشر فى : الإثنين 12 فبراير 2024 - 7:10 م | آخر تحديث : الإثنين 12 فبراير 2024 - 7:10 م
لم يكن يوم 31 ديسمبر من عام 1991 هو آخر يوم فى السنة فحسب، بل كان يوم النهاية لمرحلة ولتجربة، فهو اليوم الذى أعلن فيه نهاية الاتحاد السوفيتى.
استقبل الغرب الرأسمالى وعلى رأسه الولايات المتحدة الحدث بفرحة المنتصر وأعلنوا نهاية الاشتراكية، وبعد أن جرع الغرب من كأس النصر حتى الثمالة صور له خياله المريض أن التاريخ ذاته قد انتهى وأعلنوا تحرر الإنسان من ضوابط وكوابح المجتمع، وأن الرابح هو الشخص؛ العنصر الحاسم للتقدم والرخاء. واستمروا فى هذا النهج حتى وصلوا إلى المطالبة بتحرر الفرد حتى من ضوابط الأسرة بل إلى درجة هدم الأسرة ذاتها التى هى الخلية الأساسية للمجتمع السوى، فلم يعد مكونها الأساسى أما وأبا، رجلا وامرأة منذ خلق الله آدم وحواء، بل يمكن الاستعاضة عن ذلك برجل ورجل أو امرأة وامرأة، لم يعد القوامة والوصاية على الأولاد للأم والأب فيحددون طريق البنت وطريق الولد، بل يؤجل تحديد الجنس إلى البلوغ فيختار كل منهما جنسه ودينه ومذهبه دون تدخل من الأهل.
صاحب فرحة ونشوة الانتصار الغربى حملة إعلامية ودعائية وسياسية للنيل من تجربة الاتحاد السوفيتى خاصة سجله فى مجال حقوق الإنسان فأسهبت فى تغطية المحاكمات التى نالت فلول أنصار تروتسكى فى عام 1936، والتى نكل فيها ستالين بخصومه السياسيين، ثم حملة التطهير فى صفوف قيادة الجيش التى استكمل بها ستالين التخلص من خصومه فى عام 1938. كما أسهبت الدعاية فى وصف مصير المعتقلين فى سجون الجولاج، فى سيبيريا كما أسهبت الآلة الدعائية الغربية أيضا فى وصف معاناة الشعب الروس أثناء القحط والمجاعة التى أصابت الاتحاد السوفيتى فى الفترة من 1931 إلى 1933.
وفى إطار الحملة الممنهجة لتشويه التجربة الاشتراكية ألقت الآلة الإعلامية الغربية الضوء على تجربة الصين الشعبية وقيادة ماو تسى تونج فركزت على معاناة الشعب الصينى خلال تجربة ماو التى أسماها «الوثبة الكبيرة للأمام» The great leap forward التى استمرت من عام 1952 إلى عام 1958، وتقدر أجهزة الدعاية الغربية أن ما بين 30 و 45 مليون صينى وصينية هلكوا خلال هذه الفترة بسبب العمل القسرى فى ظروف فى غاية القسوة، ونتيجة للمجاعات والقتل للمعارضين. وأتبع ماو تجربة الوثبة الكبيرة بتجربة أخرى استمرت من عام 1966 لمدة عشر سنوات حتى وفاته فى عام 1976، وهى الثورة الثقافية التى تقدر الآلة الإعلامية الغربية ضحاياها بين نصف مليون ومليونى ضحية، فضلا عن الدمار والتشويه الذى أصاب التراث الحضارى.
• • •
لا يمكن لمراجع منصف للتاريخ أن ينكر التجاوزات الهائلة التى تمت فى الاتحاد السوفيتى وفى صين ماو تسى تونج ولكن هنا يثور سؤال: هل يدين التطبيق وما صاحبه من أخطاء، النظرية والفكرة التى قامت على العدالة الاجتماعية ومنع الظلم والاستغلال؟
لست هنا بصدد الدفاع عن التجربة السوفييتية أو التجربة الصينية أو إدانتهما ولكن لمحاولة تقييم فيها شىء من الإنصاف بعيدا عن الغوغائية السياسية والإعلامية. ماذا لو تصورنا أن الثورة الروسية لم تقع فى عام 1917؟ عندما قامت الثورة كانت نسبة الأمية فى روسيا تفوق الـ 90%، وكانت الخرافات والجهل والدجل باسم الدين شائعة شيوعا كبيرا، وكان الراهب الماجن الدجال راسبوتين عنوانا له وكان الظلم فى أبشع صوره شائعا فى الأقنان وعبيد الأرض. وإذا كان الجيش عنوانا لقوة وزخم الدولة فكانت هزيمة روسيا أمام اليابان فى حرب عام 1905 عنوانا لذلك، فالعبد المهان لا يدافع عن بلده. ويمكن مقارنة أداء الجندى الروسى فى معركة Tannenburg فى الحرب العالمية الأولى حيث هزم الجيش الروسى هزيمة مهينة وبين الصمود الأسطورى للجندى السوفيتى فى معركة ستالينجراد فى الحرب العالمية الثانية. لقد بدأ الاتحاد السوفيتى مشواره من تحت الصفر عقب الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية التى حارب فيها ضد فلول نظام القيصر مدعوما بجيوش من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واليابان، وراح ضحاياها فى هذه الفترة أكثر من خمسة ملايين قتيل.
ومن بداية تحت الصفر انطلق الاتحاد السوفيتى للعالم وقدم كوكبة من أفضل العلماء والباحثين فى شتى المجالات؛ الفيزياء والكيمياء والطب فضلا عن مجموعة من أفضل الأدباء والفنانين والموسيقيين، وحافظ على فرقة البولشوى العريقة، وكانت جامعاته ومراكز أبحاثه قبلة للدارسين من شباب العالم الثالث، وأتاحت لهم العلم مما أسهم فى تشكيل كوادر العالم الثالث العلمية والفنية. وفى مجال الرياضة كان الاتحاد السوفيتى يتنافس على القمة فى عدد من الميداليات فى كل دورة أوليمبية. هذه النخبة التى تربت فى المجتمع الذى بنته الاشتراكية السوفيتية تميزت بالوطنية والولاء ولم تهرول نحو من يلوح لها بالأصفر الرنان.
وبقدر تأثير تجربة الاتحاد السوفيتى على الشعب الروسى، كان لها أيضا تأثيرها على الساحة الدولية. ولنا أن نتساءل هل كانت المستعمرات فى أفريقيا وآسيا ستحقق الاستقلال وتنتصر على القوى الإمبريالية دون الدعم السوفيتى؟ ولعلنا فى مصر نذكر موقف الاتحاد السوفيتى معنا أثناء العدوان الثلاثى ثم وقوفه مرة أخرى مع مصر بعد النكسة ودعمه العسكرى أثناء إعادة بناء القوات المسلحة وحرب الاستنزاف.
• • •
كان سقوط الاتحاد السوفيتى نتيجة لأخطاء لا يمكن إنكارها منها غزو أفغانستان الذى فرض عليه أعباء اقتصادية فضلا عن ردود فعل دولية غاضبة نقلت الحنق على الولايات المتحدة بسبب حرب فيتنام إلى غضب من الاتحاد السوفييتى بسبب أفغانستان، وقد انزلقت القيادة السوفيتية وراء لعبة الرئيس الأمريكى، رونالد ريجان، الذى طرح مبادرة الدفاع الاستراتيجى ــ عرفت بحرب النجوم ــ التى استنزفت أكثر الاقتصاد السوفيتى فى محاولته مجاراة تمدد الحرب إلى أجواز الفضاء. ولعل من العوامل الهامة فى قدرة الولايات المتحدة على الإنفاق العسكرى هو تسويقها لتقناها العسكرية فى المجال المدنى وهو أمر عجز الاتحاد السوفيتى عن مجاراته. ومن العوامل الهامة أيضا التى أسهمت فى سقوط الاتحاد السوفيتى ثورة الاتصالات والإعلام عقب الحرب العالمية الثانية التى جعلت المواطن السوفيتى يتابع الرفاه الذى يتمتع به المواطن فى العالم الغربى مقابل الحياة المتقشفة التى يحياها.
كانت هناك محاولات للإصلاح والاعتراف بالقصور، لعل أهمها شعار Eskorenie الذى أطلقه جورباتشوف والذى يشير إلى البعد الإنسانى وضرورة رفع العناء عن المواطن وكسب رضائه فضلا عن مبادرة Glasnost أى الشفافية لكشف السلبيات. لعل المبادرات تأخرت ولعل وصول بوريس يلتسن الذى رغم تحفظى على نظريات المؤامرة أكاد أجزم أنه كان عميلا يسعى لهدم الدولة وأدى إلى الانهيار الأخير.
لست داعيا لإعادة تجربة ستالين وماو تسى تونج بكل سلبياتها وفظائعها لكن أرى أن الانحراف فى التطبيق لا يجهض سمو فكرة الاشتراكية، ولعلى أسوق هنا كلمة الأديب والمفكر الأيرلندى Conor Cruise O’Brien «كما أن فظائع محاكم التفتيش لم تنل من سمو الديانة المسيحية، فإن فظائع ممارسات ستالين لم تنل من سمو فكرة الاشتراكية»، وللآلة الإعلامية والسياسية الرأسمالية الغربية أسوق لهم مقولة السيد المسيح «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر». وأسوق فظائع الولايات المتحدة ضد السكان الأصليين والمكون الأسود من الشعب وما تعرض له الشعب الصينى الذين جلبوا لمد خط السكة الحديد عبر القارة وهيروشيما ونجازاكى وفيتنام وأفغانستان والعراق.
نحن نحتاج إلى بعد اشتراكى فى حياتنا ليكون ملاذا من توحش الرأسمالية التى تحولت إلى استهلاكية تنظر إلى الفرد ليس كإنسان ولكن كمستهلك يضغط حتى آخر قطرة من دمه لتمويل الجشع الرأسمالى الذى لا يشبع. نحتاج أن نعيد الأولوية للإنتاج قبل الاستهلاك وليحمينا من سطوة الإعلان الذى بات يسيطر على الإعلام والذى بات بدوره يهيمن على فكرنا وحياتنا.
محمد عبدالمنعم الشاذلي عضو المجمع العلمي المصري
التعليقات