منظومة الإهمال النموذجية فى حادث قطارى سوهاج - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

منظومة الإهمال النموذجية فى حادث قطارى سوهاج

نشر فى : الإثنين 12 أبريل 2021 - 6:50 م | آخر تحديث : الإثنين 12 أبريل 2021 - 6:50 م
التقرير الذى أصدرته النيابة العامة فى حادث التصادم بين قطارى سوهاج قدم قراءة موضوعية إلى حد كبير لأسباب التصادم.
وحينما انتهيت من قراءته شعرت بحزن وأسى واكتئاب، لأن النتيجة العملية للتقرير أننا بصدد منظومة كاملة من الإهمال والفشل والأكاذيب والادعاءات.
والخشية الحقيقية أن يكون ما كشفه التقرير، هو النموذج الذى يحدث فى أماكن كثيرة، لكن ستر الله وحفظه هم اللذان يمنعان وقوع الحوادث، فلا نعرف ما يحدث.
والسؤال: هل اختلت القيم، وصار الكذب والتسيب والإهمال وتناول المخدرات وانعدام الكفاءة هى القاعدة؟!
حاولت البحث فى التقرير المطول عن كلمة صدق واحدة نطق بها المتهمون فلم أجد، بل وصل الفجر بهم إلى التزوير، وعدم التواجد فى كابينة القيادة أثناء الحادث.
نتذكر أنه بمجرد وقوع الحادث ادعت مصادر بهيئة السكة الحديد أن مجهولين قاموا بشد أحد مكابح الخطر فى القطار المميز، واعتقد الجميع أن عملية إرهابية ربما تكون وراء الحادث، ثم تبين أن هذه الرواية غير صحيحة بالمرة، فكل من تواجد فى العربات الأربع بالقطار من ركاب وكمسارية وعمال وأفراد أمن أكدوا عدم رؤيتهم سحب مقابض الخطر أو سماعهم الصوت المميز الصادر عنها.
ونستنتج من ذلك أن سائق القطار الأمامى ومساعده قد كذبوا عمدا ليوجهوا الشكوك فى اتجاه غير صحيح، لكن الأخطر أن هيئة السكة الحديد ساهمت فى ترويج هذه الكذبة من دون انتظار نتائج التحقيقات أو حتى الاستماع للكمسارية والعاملين والركاب فى العربات، ولم تقل حتى إن السائق ومساعده هما مصدر المعلومة!
سائق القطار الإسبانى الذى صدم القطار المميز من الخلف، ارتكب هو ومساعده كل ما يتخيله المرء من أكاذيب. لكن الأطرف أن كلًا منهما ادعى أنه كان يقود القطار وقت الحادث، ثم تبين من المراقبة وعمل نموذج للمحاكاة أن الاثنين لم يكونا ــ أغلب الظن ــ فى الكابينة الأمامية وقت وقوع الحادث، بل فى الكابينة الخلفية الثانية.
مساعد السائق فى القطار الإسبانى استلم القطار ووقع باسم السائق الرئيسى، وتبين أن الاثنين ارتكبا جريمة تزوير.
السائق ادعى أنه فوجئ بوجود القطار المميز أمامه قبل الاصطدام بمائة متر فقط، فى حين أن مساعده ادعى أنه كان يقود القطار، وأنه كان يسير بسرعة ٩٠ ــ ٩٥ كم، وفوجئ بالقطار قبل الاصطدام بـ550 مترا وأن كل الإشارات كانت خضراء، وأنهما لم يتمكنا من إيقاف القطار، ثم تبين أن الروايتين غير صحيحتين، لأن خبراء هيئة المساحة أجريا ١٣ نموذج محاكاة باستخدام جميع أنواع المكابح، وأسفرت النتائج عن توقف القطار فى كل مرة.
السائق ومساعده ادعيا أن هيئة السكة الحديد أصدرت لهم تعليمات شفهية بعدم استخدام نظام التحكم الآلى ATC، ثم تبين أن منطقة الحادث تعمل بنظام التقاطر الكهربائى التى تستلزم تشغيل الجهاز.
سائق القطار الإسبانى ومساعده ادعيا وجود إصابات كثيرة، ثم ثبت عدم تناسب الإصابات مع ما ادعياه بأنهما بقيا فى الكابينة الأمامية.
وثبت أن هناك عدد ٢ سيمافور قبل موقع التصادم الأول بلون أصفر، وهو ما يعنى وجوب التهدئة، والثانى أحمر يعنى لزوم التوقف، وهذا الأمر خلاف ما زعماه.
وهنا فإن السؤال الجوهرى هو: إذا كانت رواية سائق القطار المتميز ومساعده خاطئة، عن حكاية شد كوابح الطوارئ، فما هو السبب الذى جعل القطار يتوقف؟!
ولأن الإهمال كان هو سيد الموقف فإن رئيس قسم المراقبة المركزية بأسيوط المسئول عن مراقبة حركة القطارات غادر مقر عمله، وهناك موظفان مسئولان عن مراقبة حركة القطارات، بموقع التصادم، الأول تأخر عن تنبيه سائق القطار الإسبانى بتوقف القطار المميز، والثانى لم يستمر فى محاولات الاتصال بالسائق، وادعى أنه اتصل مرتين، لكن سجلات الاتصالات، كشفت أنه لم يفعل، بل حاول ذلك بعد وقوع الحادث بالفعل!
الطامة الكبرى هى ثبوت تعاطى مراقب برج محطة المراغة للحشيش، وتناول مساعد سائق القطار المميز لمخدر الترامادول.
مع مثل هذه النوعية من الموظفين والعاملين أنت لست فى حاجة إلى أعداء!!. وكل ما نتمناه أن تكون جرائم الإهمال والكذب والتزوير فى حادث سوهاج هى حالة فردية، وليست ظاهرة عامة. لكن على الحكومة أن تدرك أنه من المهم شراء الجرارات والعربات الجديدة، لكن الأكثر أهمية أن يكون لدينا عناصر بشرية على أعلى درجات التدريب والتأهيل والكفاءة ليقوموا بتشغيلها.
تقرير النيابة يقول أنه من دون إصلاح البشر، فمن الممكن أن يهدروا كل تقدم وتعب وجهد تبذله الدولة أو الشعب.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي