وقت الحوار مع إيران - عزت سعد - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 12:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وقت الحوار مع إيران

نشر فى : الأربعاء 12 مايو 2021 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 12 مايو 2021 - 8:07 م

كشفت تقارير دولية أكدتها مصادر رسمية إيرانية وسعودية مؤخرا، عن مباحثات سرية جرت فى بغداد فى أبريل الماضى بين كبار مسئولى الاستخبارات فى كل من السعودية وإيران برعاية عراقية. كما كان ولى العهد السعودى قد صرح، فى برنامج تلفزيونى بث محليا مساء 27 أبريل الماضى، بأن بلاده «اعترضت على تصرفات إيرانية سلبية معينة» معربا عن أمله فى «بناء علاقة طيبة وإيجابية مع إيران مفيدة لكل الأطراف». وتشير بعض التقارير، غير المؤكدة، باتصالات بين إيران وبعض الدول الأخرى فى المنطقة.

ولا شك أن خطوة كهذه تعد تطورا بالغ الأهمية منذ قطع البلدين علاقاتهما عام 2016. فحتى ما قبل الإعلان عن الحوار، كثيرا ما تم التأكيد من قبل دول الخليج على أن فكرة الحوار التى تروج لها طهران لم تسفر عن أى نجاح بسبب عاملين رئيسيين: انعدام الثقة فى إيران وعزوف الولايات المتحدة عن ضمان أى حوار إقليمى بين إيران وجيرانها.

والجديد الذى دفع الرياض إلى اتخاذ هذه الخطوة هو تغير الأوضاع الإقليمية والدولية عن ما كانت عليه قبلا والسياق هنا هو أننا بصدد إدارة أمريكية جديدة استهلت سياستها الخارجية بانتقادات شديدة للسعودية من ناحية والتأكيد على العودة إلى الاتفاق النووى مع إيران من ناحية أخرى. وعندما وقع الاتفاق النووى فى يوليو 2015، والذى اعتبره أوباما «ضروريا لإرساء الاستقرار الإقليمى، وتعزيزا لنفوذ الإيرانيين المعتدلين»، اعترضت عليه ثلاث دول هى إسرائيل بجانب كل من السعودية والإمارات اللتين طلبتا إدراج سياسة إيران الإقليمية وبرنامجها الصاروخى على أجندة المفاوضات حول الملف النووى وألا يعالج هذا الملف بمعزل عن هذه السياسات، إلا أن أوباما لم يلتفت لهذا الطلب وتم التركيز فقط على المسألة النووية. ومن جانبها عارضت إسرائيل توسيع جدول أعمال المفاوضات إلى ما هو أبعد من الملف النووى، خوفا من أن يؤدى ذلك إلى قيام واشنطن بتبنى حل وسط فى الملف النووى مقابل تنازلات فى القضايا الإقليمية. وعندما قرر ترامب الانسحاب من الاتفاق فى مايو 2018 وفرض سياسته المعروفة بـ«أقصى ضغط» ــ بضغوط من إسرائيل ــ رحبت الدول الثلاث بذلك.
***
الحقيقة أن هناك اعترافا أمريكيا واسعا بأن الصفقة النووية مع إيران عام 2015 ــ والتى تسعى إدارة بايدن إلى العودة إليها ــ تؤشر لتحول كبير فى السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران، وأن ضغوط إسرائيل ودول الخليج على واشنطن ارتباطا بذلك قد بلغت نهايتها. فمنذ البداية لم تكن لجهود إسرائيل للتأثير فى سياسة إدارة أوباما حيال إيران حظوظا كبيرة من النجاح، كما لم تنجح سياسات الرئيس السابق فى حدوث أى تحول فى الموقف، ووصلت إدارة بايدن إلى أن البديل الوحيد لمنع استمرار التصعيد مع إيران هو العودة إلى الاتفاق النووى والذى ينظر إليه من قبل البعض على أنه اعتراف بمصالح إيران الإقليمية. ولا يبدو أن العمليات الإسرائيلية ضد إيران والتى تستهدف العملية الدبلوماسية ستكون لديها فرصة للتأثير على موقف واشنطن.
إن المراقب لهذه السياسة الأمريكية وتقييم العواصم الإقليمية والقوى الكبرى الحاضرة فى المنطقة، مثل روسيا والصين، بأن إيران يمكن أن تواصل وبسهولة مضايقة شركاء أمريكا فى الخليج وقلقلة الوجود الأمريكى فى العراق وتعزيز قبضة الأسد فى سوريا، لابد وأن تدفع الرياض إلى مراجعة الموقف برمته، وتبنى مقاربة الحوار مع طهران على أمل أن يؤدى إلى إنهاء الصراع فى اليمن ويضع نهاية للهجمات على منشآتها الاستراتيجية، بتكلفتها السياسية والاقتصادية الباهظة.

وبدلا من الاعتراض على الصفقة النووية عام 2015، ثم دعم سياسة «أقصى ضغط»، أعربت السعودية مؤخرا عن تأييدها للاتصالات غير الرسمية الجارية بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووى، على أن يعقب ذلك بحث القضايا الأخرى المثيرة للقلق كترسانة الصواريخ البحرية والمسيرات الإيرانية ونشاط وكلاء إيران فى المنطقة. ووفقا لمدير التخطيط بالخارجية السعودية فإن العودة إلى الاتفاق النووى يجب أن تكون خطوة أولى لضم أطراف إقليمية بهدف توسيع بنود الاتفاق والتأكد من أن الأموال التى سيفرج عنها بعد رفع العقوبات عن إيران لن تستخدم فى زعزعة الاستقرار الإقليمى.
وينسجم حوار الرياض وطهران مع السياسة الإيرانية المعروفة منذ عملية التفاوض على اتفاق 2015، والتى تعارض أى توجه بتوسيع المحادثات بشأن الاتفاق النووى لتشمل سياسات إيران الإقليمية وبرنامجها الصاروخى؛ حيث تشدد دائما على وجوب مناقشة هذه المسائل مع الأطراف الإقليمية فقط دون أى تدخل خارجى، ومعارضة أن تعرض فى منتدى مشترك لدول المنطقة أو دوليا. ويلاحظ فى هذا السياق قيام وزير الخارجية الإيرانى بجولة خليجية مطلع مايو الجارى، بالتزامن مع مفاوضات فيينا حول الملف النووى، شملت العراق وقطر وسلطنة عمان والكويت. وغرد ظريف على صفحته «هناك بوادر إيجابية فيما يتعلق بملفات المنطقة». وقبل وصوله الكويت التقى ظريف بالمتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام فى مسقط، ومصرحا بأن موقف طهران مؤيد لوقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب المدمرة فى اليمن.
***
من الناحية العملية، يصعب القول بأن هناك تحالفا إسرائيليا سعوديا إماراتيا للضغط على إدارة بايدن. فالسعودية لديها مشاكلها مع هذه الإدارة، بينما تتبنى الإمارات سياسة خارجية تجاه إيران تقوم على التشدد العلنى، وفى الوقت ذاته الإبقاء على قنوات حوار خلف أبواب مغلقة. ويبدو واضحا أن الرياض بدأت فى تبنى هذه المقاربة؛ حيث لا تفضل الدولتين تصعيدا مع طهران يمكن أن يؤدى إلى حرب ستكونان أول من يعانى منها. وفضلا عن ذلك، تشير تقديرات إسرائيلية إلى اختلاف الأولويات فيما بين إسرائيل ودول الخليج حول المشكلات الإقليمية. ففى حين يعد الحضور الإيرانى القوى فى سوريا ودعم طهران لحزب الله بمثابة التهديد الأهم لإسرائيل، يمثل الحوثيون فى اليمن الأولوية الرئيسية للسعودية والإمارات.
ومن وجهة نظر إسرائيل، ستظل المسألة النووية هى القضية الاستراتيجية الرئيسية، والأهم بكثير من أى قضية أخرى، وهو أمر تشاطر فيه الولايات المتحدة إسرائيل، وبالتالى تفضل الأخيرة معالجة القضايا الأخرى بشكل منفصل عن البرنامج النووى، دون شروط أو ربط.
ومن المؤكد أن الرياض والعواصم الأخرى فى المنطقة تدرك حقيقة أن مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ ريجان، وبعد أزمة الرهائن الأمريكيين عام 1979، تشير إلى عدم استعداد الولايات المتحدة لمهاجمة إيران فى أراضيها. فلم ترد إدارة كلينتون على الهجوم الإيرانى على منشأة تابعة للقوات الجوية الأمريكية فى السعودية، كما لم يهاجم جورج بوش الابن أبدا أهدافا فى إيران، رغم اعتبارها جزءا من «محور الشر»، وخسر العديد من الجنود فى العراق بسبب الأسلحة التى زودت إيران الميليشيات التابعة لها هناك بها. وكان أوباما خطط لشن هجمات ضد المنشآت النووية الإيرانية، إلا أن طهران وافقت على الحد من طموحاتها فى أن تكون قوة نووية، وبالتالى لم تكن هناك حاجة إلى توجيه ضربة أمريكية لها. وحتى ترامب نفسه، سخر من فكرة الانتقام من إيران بسبب هجومها على منشآت أرامكو فى السعودية، ولم يقترح أى تحرك لوقف التصعيد واستئناف عملية دبلوماسية مع إيران، مكتفيا بالقول: «نحن مستقلون ولا نحتاج إلى نفط الشرق الأوسط». ويعكس كل ذلك تفاهما مشتركا من الحزبين الديمقراطى والجمهورى بأن مهاجمة إيران فكرة سيئة. وما اختلف فيه ترامب عن أسلافه هو نجاحه فى خلق محور خليجى / إسرائيلى – أو هكذا تصور ــ ينظر إلى إيران كعدو مشترك.
من ناحية أخرى، ظهرت بعض التقديرات الأمريكية، فى الفترة الأخيرة، تشير إلى أن واشنطن لا تملك القدرة على، ولا حتى الرغبة فى، فرض إرادتها على المنطقة، وبالتالى ستكون مهمة تقليص النفوذ الإيرانى من شأن دول المنطقة ذاتها، التى سيكون عليها القيام بدور أكثر نشاطا فى هذا الشأن. وتعتقد هذه التقديرات أن مقاربة المعادلة الصفرية تجاه إيران قد فشلت، وأن دول الخليج العربية بحاجة إلى تطوير نهج يقوم على تحديد مصالحها وأولوياتها مع الاعتراف فى الوقت ذاته بأن لإيران مصالح مشروعة فى بعض دول المنطقة ما بين أمنية فى العراق واقتصادية فى سوريا ودينية وثقافية فى كل من العراق وسوريا ولبنان. وتضيف هذه التقديرات أن لدى الولايات المتحدة مصلحة ملحة فى إيجاد طريقة للتعامل مع إيران، تماما مثلما سعت مرارا وتكرارا إلى القيام بذلك مع الاتحاد السوفيتى خلال فترة الحرب الباردة.
والخلاصة هى أنه رغم أنه لا توجد ضمانات بإمكانية نجاح هذا الحوار وصعوبة التكهن بنتائجه، إلا أنه تطور مهم يؤشر للبيئة الإقليمية والدولية المتغيرة فى المنطقة. ورغم صعوبة فصل الملف النووى الإيرانى عن سياسات طهران الإقليمية؛ حيث يشكلان كلا لا يتجزأ من الاستراتيجية الإيرانية الرامية إلى فرض الهيمنة وتعظيم النفوذ واستدامة النظام، إلا أن تراجع الأهمية الاستراتيجية للمنطقة من منظور واشنطن، وسعى الأخيرة للتخفيف من التزاماتها فيها، يترك عبء تقليص النفوذ الإيرانى على عاتق دول المنطقة ذاتها، التى سيكون عليها إيجاد صيغة للتعايش مع هذه الدولة بما يعيد الاستقرار للمنطقة على قاعدة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.

عزت سعد مدير المجلس المصري للشؤون الخارجية
التعليقات