التنمية المتوازية - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التنمية المتوازية

نشر فى : الخميس 12 يونيو 2014 - 5:25 ص | آخر تحديث : الخميس 12 يونيو 2014 - 5:25 ص

فى خطابه بقصر القبة، الذى استهل به الرئيس عبد الفتاح السيسى حديثه إلى الشعب، تناول الأبعاد العريضة لقضايا التنمية وفق منهج يمكن إدراجه تحت عنوان «التنمية المتوازنة» balanced growth أو ما يطلق عليه عادة «التنمية المتوازنة». ويرجع عزوفى عن هذا الأخير أنه ينشئ خلطا بين المعنى المقصود وبين مفهوم التوازن equilibrium الذى لابد منه لاستقرار العلاقات الاقتصادية، والرغبة فى تفادى حجب ضرورة السعى الدائب إلى دفع الحركة نحو الأهداف المنشودة قبل أن تميل إلى السكون الذى تتصف به حالة التوازن.

ويمكن القول إن هذا المنهج يوحى بأنه يكفل ألا تأتى التنمية عرجاء، بل لابد لها من أن تسير على قدمين: فهى ليست فقط نموا كميا فى ذات المجالات growth، بل وكيفيا أيضا development فيها جميعا، ما هو قائم فعلا، وما يستجد ولعله الأهم فى دول تجاهد من أجل إحراز تقدم اقتصادى يقضى على ما ترسب من عوامل التخلف. وعلى الصعيد القطاعى لا يقتصر الاهتمام على التصنيع بل يحب أن يشمل الزراعة التى تعتبر قطاعا اقتصاديا اجتماعيا تربط بين النشاط الإنتاجى والتصرف المعيشى بحكم امتدادها الأفقى بعكس الصناعة التى تتركز فى مواقع مجددة يفضل أن تكون بعيدة عن مواطن السكن فى تجمعات حضرية. كما أن التنمية ليست اقتصادية فقط، بل واجتماعية كذلك. من جهة أخرى فإنه بالإضافة إلى المشروعات الكبرى التى تشكل عصبا قويا للتنمية على المستوى القومى، فإنه أعطى اهتماما للأبعاد الإقليمية وما تتضمنه من تشجيع للمشروعات المتوسطة والصغيرة. يذكر أنه فى أحد حواراته التليفزيونية خلال فترة الترشيح عرض خريطة فيها تحديد لأقاليم للتنمية المتكاملة توصل الجهود التنموية إلى حيث يقيم الأفراد، الأمر الذى يعالج التشويه الذى أصاب التنمية فى العقود الأربعة الأخيرة وسبب تهميشا أوجد مرتعا لتغلغل الدعاوى المضللة، وساعد على تشويه دور الدين فى أفهام البسطاء. وتعرض الخطاب بصورة مقتضبة لدور الدولة حيث أكد عليه إلى جانب دعوة رأس المال الخاص «الشريف» إلى المساهمة فى التنمية. وكان من الطبيعى أن يتطرق حديثه أيضا إلى البنية الأساسية وخاصة شبكة الطرق داخل كل إقليم وبين الأقاليم. وفى هذا الصدد لابد من إعادة النظر فى إيكال الأمر إلى القطاع الخاص الذى يجد فيها بديلا مأمونا يجعله يعزف عن المخاطرة فى الأنشطة الموجهة للإنتاج للسوقين المحلية والخارجية.

•••

هذه الخطوط العريضة تمثل قائمة جرد تحتاج إلى جهود جادة لتحويلها إلى استراتيجية للتنمية طويلة الأجل تحدد الغايات الرئيسية ومعالم المرحلة الابتدائية التى تختلط فيها عدة جوانب: فهناك التغلب على المشاكل التى تعرض لها الاقتصاد وتفاقم المديونية والبطالة وإغلاق كثير من المنشآت أو خفض مستويات نشاطها والحاجة لترميم ما خربته عمليات العنف والإرهاب. من جهة أخرى فإن هناك أبعادا أخرى يجب أخذها فى الاعتبار. يأتى فى المقدمة أهمية اللحاق بالثورة التكنولوجية، والاستفادة من الفرص التى تتيحها الآفاق التى يتيحها مجتمع المعلومات. ويستدعى هذا تطويرا جادا لأنشطة البحث العلمى، والموقف من مشروع زويل ومن المعاهد العلمية التى يستغلها القطاع الخاص للربح السريع على حساب طبقة اغتصبت شريحة من الدخل القومى عمقت الظلم الاجتماعى، وجهات أجنبية لها توجهات مخالفة لأهدافنا. كما أن الأمر يستدعى منظومة قوية للتدريب ورفع الإنتاجية، وهو أمر يعزز ربحية الاستثمارات فى الأنشطة الإنتاجية. من جهة أخرى فإن النظرة إلى التنمية الاجتماعية كقطاعات تتولى شئون الرعاية الاجتماعية يجب أن تتحول إلى منظور مجتمعى شامل.

ولا يجب الاقتصار على التركيز على تقصى الموارد المادية والمالية المتاحة، بل لابد من نظرة بعيدة المدى لمحددات الحركة، تعالج القصور الذى يهدد مجرد بقاء البنيان الاقتصادى وليس فقط تنميته، وأخص بالذكر ثلاثية الفقر المائى وشح مصادر الطاقة والانكشاف الغذائى الذى يضع مصر على رأس قائمة الاستيراد فى العالم فى مرحلة تتصاعد فيها أسعار المحاصيل الرئيسية بصورة مطردة، وهى ثلاثية تهدد المقدرة التنموية وشبكة العلاقات الخارجية. وقد سبق لى المطالبة بتوجيه برنامج النيباد للتنمية الأفريقية بالتعاون مع الاتحاد الأفريقى ومشاركة المنظومة العربية ومؤسساتها الاقتصادية لهذه المجالات، لاسيما وأنها تشاركنا فى الانكشاف الغذائى الخطير، بتبنى برامج تعزز علاقاتنا الاقتصادية مع الدائرتين الأفريقية والعربية، والتفاهم مع الاتحاد الأوروبى عملا بمقولة السيسى إن مصر بوابة العالم الخارجى لأفريقيا ونافذة أفريقيا عليه. ويحظى مشروع نهر الكونغو بأهمية خاصة، كما أن مشاريع الطاقة الشمسية تدعم التنمية الإقليمية فى الصحراء الغربية وفى تحلية المياه، إلى جانب الطاقة النووية.

•••

وحينما يجرى النظر فى تحويل هذه الأفكار إلى خطط وبرامج عملية يجب إعادة النظر فى أسلوب مقاربة التنمية الشاملة المتكاملة. فالنظرة الليبرالية السائدة تضع الشئون الاقتصادية، بأبعادها المادية ومؤسساتها السوقية التى تشمل السلع والخدمات والمال والعمالة، فى المقدمة، فتضار الاعتبارات الإنسانية. إن التنمية الجديرة بالاعتبار والتى تتفق مع مفهوم التنمية البشرية المستدامة، تفرض نظرة تختلف جذريا للأمور. فالنظرة الاقتصادية تركز على الجهاز الإنتاجى كمحدد للمدخلات، ومنها الإنسان الذى يعامل كعنصر إنتاجى يؤهل للتعامل مع المعدات الرأسمالية التى يتحكم فيها رأس المال (فى النظامين الليبرالى والاشتراكى). وعلى البشر التكيف مع مخرجات ذلك الجهاز لتدبير مستوى معيشتهم. وتتكرر الدورة الاقتصادية عن طريق مخرجات تشمل مستلزمات إنتاج وعدد وآلات رأسمالية. أما النظرة الإنسانية فجهازها هو مجتمع يصلح حاله بإقامته على قاعدة ثقافية وعلمية دائبة التطوير، وتنهض منتجاته بنوعية الحياة لتفرز قدرات إنسانية على الابتكار الذى يضيف مدخلات لا يتحكم فيها التراكم الرأسمالى وملاكه، ومن ثم تصبح عملية مطردة. ومن هنا تأتى أهمية تأكيد السيسى على النواحى الثقافية والأخلاقية. وأخيرا يجب أن يراعى ما يدور على المستوى العالمى من ترتيب نظام إدارة عالمية للنظام الاقتصادى العالمى الكلمة فيه للدول الكبرى.

إن هذه التفاصيل يتعين النظر فيها منذ اليوم دون انتظار لاكتمال خطة الطريق وتشكيل حكومة دائمة. الكرة فى ملعب وزارة التخطيط ومعهد التخطيط القومى، بالتعاون مع مؤسسات البحث والمجتمع المدنى التى يجب أن تعيد تنظيم أعمالها للمساهمة البناءة. وعلى الأحزاب ألا تستغرق فى الصراع على الدوائر والمقاعد بل تدفع بشخصيات قادرة على سن التشريعات المناسبة والقيام بالرقابة الشعبية البناءة.

وأرجو أن تسمح ظروفى بتناول بعض الآراء التى طرحتها إثراء للنقاش ـ ولا أقول الحوار ـ الوطنى.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات