فقراء مصر.. وثورة يناير - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 7:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فقراء مصر.. وثورة يناير

نشر فى : الإثنين 12 سبتمبر 2011 - 1:10 م | آخر تحديث : الإثنين 12 سبتمبر 2011 - 1:10 م

يتراوح عدد الفقراء فى مصر بين 55% و60% من إجمالى تعداد السكان، وتختلف هذه النسبة من محافظة إلى أخرى فهى تصل إلى قرابة الـ70% فى الفيوم على سبيل المثال. بالطبع يمكن لأى شخص دحض هذه النسب لأن معايير تعريف الفقر شديدة النسبية وتختلف من دولة إلى أخرى ومن باحث إلى آخر. ولكن من خلال قراءاتى فى علم الاجتماع وعلم الاقتصاد خلصت وضميرى مرتاح أن هذه هى النسبة الحقيقية للفقراء بمختلف الشرائح: مدقع الفقر وشديد الفقر وفقير فى المجتمع المصرى. وعلى الرغم من أن البنك الدولى وضع مصر فى عام 2009 فى مصاف الدول الأكثر كفاءة فى تطبيق سياسة تحرير الاقتصاد وإشادته بمعدل النمو الاقتصادى الذى تحققه مصر والذى وصل إلى 7% ــ وقد يكون بسبب هذه الإشادة ــ فإن معدلات الفقر والبؤس قد تزايدت حدتها بدرجة ملحوظة خلال السنوات العشر الماضية. أقول: ارتفعت حدتها وليست نسبتها لأننى أرى أن نسبة الفقراء فى مصر قد تخطت حاجز الـ50% من تعداد السكان منذ الثمانينيات من القرن الماضى وبعد سنوات قليلة من تولى مبارك الحكم. هذه النسبة الكبيرة من السكان تتشارك فى عدد من الملامح الاقتصادية والاجتماعية بغض النظر عن اختلافاتها المكانية والمهنية. فنسبة المصروف على الغذاء تتعدى الـ60% من إجمالى الدخل، ونسبة المصروف على التعليم لا تتعدى الـ3%، ونسبة الأمية شديدة الارتفاع لدى الـ60% الأكثر فقرا فى مصر. ولكن هل يمكن التوصل إلى ملامح مشتركة فى الموقف السياسى للفقراء فى مصر؟

لا شك أن فقراء مصر لديهم مصالح اقتصادية ومالية متقاربة، فنسبة كبيرة من الفقراء تعتمد فى دخلها على الإيراد اليومى وهو بطبيعته شديد التذبذب. يأتى جزء رئيسى من دخل فقراء مصر من الاقتصاد الأسود، أو الاقتصاد السرى. وهو الإيراد الذى يتحقق فى مقابل عمل غير منتظم: إيراد يدخل فى شكل نقدى. يمكن أن يكون هذا الإيراد من تحويلات فرد من العائلة يعمل فى الخارج، أو عن طريق الإعانات أو الفساد أو الشحاذة أو غيرها. وتتفاوت أرقام ونسب الاقتصاد السرى من إجمالى التعاملات النقدية فى الاقتصاد المصرى فى الأبحاث المختلفة بدرجة كبيرة، ولكن من المؤكد أن هذا الاقتصاد السرى مرتبط بفقراء مصر. وأعود وأسأل: هل من المهم أن نعرف موقف الفقراء مما يحدث على الساحة السياسية؟ أم أنهم كتلة صماء لا قيمة لها ينتهون دائما بالتصفيق للمنتصر فى إذلال؟

فقراء مصر ــ عدا نسبة لا تتعدى الـ5% ــ لم يشاركوا فى الثورة المصرية. والنسبة التى هتفت لإسقاط مبارك شاركت لأسباب مهنية (قادة عماليون، أو عمال مسيسون على سبيل المثال) أو تعليمية (طلبة نابهون). ومعظم الفقراء يرون أن الثورة المصرية لم تحقق شيئا لمصر ولم تحقق مكاسب لهم، على العكس انتشر الفساد وسادت البلطجة فى أحيائهم وفى الريف وانخفض الدخل وضاقت سبل العيش، بينما حققت الثورة مكاسب لبعض السياسيين ضد سياسيين آخرين. معظم فقراء مصر يتشككون فى كل السياسيين المصريين ويرون أنهم بلا شك سوف يكونون كمثل من سبقهم شلة من المنتفعين جاءوا لإعادة ترتيب طبق السلاطة، تخرج بعض الأيادى من الطبق وتدخل أياد جديدة. أما هم فلن يحصلوا من الطبق إلا على الفتات. وأن المجلس العسكرى هو استمرار لنظام مبارك ومن سوف يضعونه فى الحكم سوف يكون مثلهم. وعلى أية حال فكل هؤلاء السياسيين لن يهتموا إلا بمن هم على شاكلتهم. وأن الثورة حلم جميل لبعض الصبية الأغنياء أو «المرتاحين». وأنها ولا شك كابوس للفقراء. وكما قال لى أحد المعدمين المصريين: «ح يشيلوا ألدو ويجيبوا شاهين.. يا فرحتى».

وعلى الرغم من موقف الفقراء من الثورة ومن الحالة السياسية المصرية بشكل عام فإن الجميع يتحدث باسمهم. هل سوف يشارك فقراء مصر فى العملية الانتخابية؟ أظن أن نسبة المشاركين من الـ60% من السكان لن تتعدى النسبة من 10% إلى 15% فى أفضل السيناريوهات. فلماذا إذن يتحدث السياسيون عن هؤلاء الفقراء على الرغم من التجاهل الكامل لمصالحهم والغياب الكامل للبرامج الخاصة بمواجهة الجوع والفقر والبؤس والجهل والمرض؟ الإجابة بسيطة: فلا نجاح للثورة أو للغد أو لأى قوة سياسية أو اجتماعية أو أى لاعب فى المجتمع المدنى إلا بالانتصار على الفقر وعلى البؤس. لا معنى لأى كلمة يكتبها أى كاتب فى صحيفة ولا معنى لأى كلمة يطلقها مثقف أو سياسى إلا إذا كانت فى اتجاه القضاء على الفقر. موقف فقراء مصر من الثورة يثبت أننا فى الطريق الخطأ وعلينا تصحيح المسار.

خالد الخميسي  كاتب مصري