ساعة ونص - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 5:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ساعة ونص

نشر فى : الجمعة 12 أكتوبر 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 12 أكتوبر 2012 - 8:45 ص

كأن الموهوبين، أحمد عبدالله، ووائل إحسان، أرادا استكمال ما حذر منه توفيق الحكيم، منذ عدة عقود، فى مسرحية الفصل الواحد، التى نشرت فى الأهرام، وأثارت مناقشات واسعة، بعنوان «رحلة قطار»، وفيها يدب الخلاف بين السائق ومساعده. أحدهما يرى الإشارة حمراء، والآخر يؤكد أنها خضراء. الاثنان يجدان نفسيهما فى مأزق. إذا استمر القطار فسيتعرض إلى ما تحذر منه الإشارة الحمراء، وإذا توقف فإن القطار قادم خلفه سيصدمه. السائق ومساعده يقرران اللجوء إلى الركاب بعد إيقافه. تنقسم الآراء بين من يرى الإشارة حمراء ومن يؤكد أنها خضراء.

 

السائق، عقب حوارات غير مجدية، ينطلق بالقطار. لا أحد يعرف مصيره.

 

صناع «ساعة ونص»، والمشاهدين أيضا، يعرفون مصير القطار، وبرغم ما يقال عن كارثة قطار العياط الذى اشتعلت فيه النيران، كمصدر للفيلم، فإن من الصعب إغفال المعنى الأشمل، والأعمق، الذى يتضمنه العمل، خاصة حين يؤكد أن فاجعة القطار، كان لابد من وقوعها.. الكاتب، أحمد عبدالله، صاحب أسلوب فريد، تبلور من قبل فى «كباريه» و«الفرح»، حيث يلتزم بوحدتى المكان والزمان، الأمر الذى يتطلب قدرة على تكثيف الأحداث، فضلا عن الخبرة بالنماذج البشرية التى يتعرض لها، وعلاقاتها ببعضها بعضا من ناحية، وعلاقاتها بالمكان والزمان من ناحية أخرى.. وفيما يبدو أن الطموح المشروع لأحمد عبدالله دفعه لتقديم ما يزيد على العشرين شخصية، فى ساعة ونصف، هى زمن الأحداث، وزمن الفيلم أيضا، ويحسب للإنتاج نجاحه فى حشد هذا العدد الكبير من ممثلين أكفاء، أصبح على كل منهم تجسيد النموذج الذى يقدمه، فى مشاهد لا يتجاوز عددها أصابع الكف أو الكفين على أكثر تقدير، وهنا يبرز دور المخرج، المايسترو، الذى نجح فى إطلاق الطاقات الإبداعية لكل منهم، بالإضافة إلى ذلك التناغم الأدائى بينهم، خاصة فيما يتعلق بالثنائيات: فتحى عبدالوهاب، الفلاح الصعيدى الذى يشعر بصغر شأنه إزاء زوجته الطبيبة، ابنة عمه، يسرا اللوزى، فيتأسد عليها، ويهينها تعويضا عن إحساسه بالمهانة، لكن يلتمع فى عينيه، فى لحظة واحدة، وميض الزهو، حين تنجح زوجته فى إنقاذ سوسن بدر من نوبة غيبوبة سكر.. وثمة كريمة مختار، مع إياد نصار، فى عدة مشاهد تفيض بإنسانية، كما لو أنها نابعة من نهر أنطون تشيكوف. هو، خريج الآداب، يبيع كتب رسائل الغرام فى القطار. تطلب منه كريمة مختار قراءة الرسالة التى سلمها لها ابنها. يقرأ «من يجد هذه السيدة، يسلمها إلى بيت مسنين». ملامح الأسى ترتسم على وجهه، ولأنه، يائس مثلها، يجهش بالبكاء، وتشعرنا كريمة مختار، أن قلبها ينفطر حزنا من أجله، تأخذه فى حضنها وتنهنه معه.

 

اتجه الفيلم اتجاها ميلودراميا، حيث الشخصيات المأساوية والعواطف الساخنة والدموع، لكن لم يفته أن يقدم خطا كوميديا، نابعا من المكان والزمان، يتمثل فى الثنائى المتفهم، المتفاهم، ماجد الكدوانى، عسكرى الشرطة الغلبان، الذى يتمنى زوجا لشقيقته الغلبانة، وأحمد الفيشاوى، بشعر رأسه المحلوق، القادم من أوروبا، المقبوض عليه لأنه «قبل» صديقته فى الشارع، ويحاول العسكرى، عبثا، إقناع الشاب بالزواج. القطار، فى «ساعة ونصف»، تمتع بثراء فنى منح عطاياه للمصور والمونتير وواضع الموسيقى المصاحبة. كاميرا صلاح سليم، تكاد تتحول إلى عين بشرية،

 

 تتزاحم مع المتزاحمين كى تطل على هذا التجمع أو ذاك، وبنشاط، تنطلق بين العربات، لتتابع شذرات مختزلة، معبرة، من حوارات ساخنة، وأحيانا تخرج إلى سطح القطار، وإلى خارجه، لترصد المفلسين تماما، الممدين فوقه، وتتابع، من خلال عجلاته، سرعته المتزايدة.. بمهارة، يستخدم المونتير، شريف عابدين، لقطات القطار، للفصل والربط بين المشاهد، ويضبط إيقاع الفيلم عن طريق التوافق بين ما يدور داخله من أحداث متلاحقة، بطيئة وسريعة، وحركة القطار، فوق القضبان.. وفى الكثير من الأحيان، يمزج ياسر عبدالرحمن، موسيقاه، بصوت القطار. هنا، للقطار قيمة درامية لا يستهان بها.

 

اختار الكاتب أبطاله من ركاب الدرجة الثالثة، وتعمد تحاشى الاقتراب من ذوى الياقات البيضاء، وبهذا يكون قد أهمل مناطق من الخريطة الاجتماعية، كان من الجدير أن يلتفت لها، ليؤكد أن المجتمع كله يتهدده الخطر.. والخطر يكمن فى لصوص قضبان السكة الحديد، يقودهم مدمن، لا نراه يتعاطى، ولكن يؤكد إدمانه بطريقة كلام محمد عادل إمام. إنه، مع مخرجه وائل إحسان، يوحى ولا يصرح.

 

«ساعة ونص» ينتهى نهاية فاجعة، فالقطار المندفع، بلا قضبان، ينقلب محترقا، وتتطاير الجثث فى مشهد تحذيرى منفذ بإجادة، يثبت، مع الفيلم كله، قوة ومتانة السينما المصرية، حين تقرر أن تكون جادة وجميلة.

 

 

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات