تأزيم أم أزمة مجتمعية مستترة؟ - خلدون حسن النقيب - بوابة الشروق
الثلاثاء 24 يونيو 2025 5:03 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

تأزيم أم أزمة مجتمعية مستترة؟

نشر فى : السبت 13 يونيو 2009 - 9:11 م | آخر تحديث : السبت 13 يونيو 2009 - 9:11 م

 ظهر فى الآونة الأخيرة مصطلح التأزيم فى وسائل الإعلام المحلية فى الكويت للتعبير عن افتعال «أزمة فى نظام الحكم». والحقيقة هى أن الأزمة ليست فى نظام الحكم فقط، وإنما هى أزمة مجتمعية متكررة، تظهر فى النظام الاجتماعى باستمرار. وهى إحدى الطرق التى يحدث فيها التغير الاجتماعى ــ الثقافى فى دورة تاريخية، وتشمل المجتمعات العربية أو أغلبها. وقد تنبه بعض علماء الاجتماع والسياسة لها، فأطلقوا عليها مصطلح «التحول الثقافى» عند رولاند انجلهارت. ويتبع التحول الثقافى عادتا تغيرا فى المناخ السياسى العام وفى عقلية النخبة المهيمنة، وأحد مؤشراته ما يطلق عليه الآن «التأزيم».

1 ــ
دعونا نبدأ من البداية. (أ) فقد تعرض المجتمع الكويتى مثلما تعرضت المجتمعات العربية إلى مرحلة انتقال ديموجرافى ــ سكانى واسع. منذ الستينيات من القرن الماضى، بحيث أن أكثر من نصف السكان الآن تقل أعمارهم عن خمسة وعشرين عاما. (ب) ولم تكن هذه المرحلة ممكنة دون ارتفاع مستوى المعيشة. (ج) وقدرة الحكومات على توفير الخدمات الأساسية العامة. (د) ورافق هذا التطور ارتفاع مستوى التعليم وانتشاره بين فئات السكان. (هـ) ومع أن تجربة الحروب الإقليمية والانقلابات العسكرية قد استولت على اهتمام الناس، فإن ظاهرة ارتفاع مستوى المعيشة لم تتأثر كثيرا بذلك. (و) وبدءا من التسعينيات من القرن الماضى ازداد اختراق وسائل التواصل الجمعى (الميديا) مؤسسات المجتمع المدنى. (ز) بالإضافة إلى الزيادة الملحوظة فى معدلات الحراك الاجتماعى الجمعى فى الاتجاهين: الصاعد والهابط. (ح) والهجرة الداخلية بين البلدان العربية والهجرة الخارجية.

كل هذه التطورات معروفة لدى أغلب المتابعين، وهى تطورات على مستوى النظام الاجتماعي. ولابد لهذه التطورات من نتائج عميقة وشاملة على مستوى النظام أيضا. وكان لابد أن نتوقعها لو أننا تابعنا تداعيات الأحداث. (1) ومن أول ما يلفت الانتباه هو أن المطالب التى تتبناها القوى الاجتماعية لم تعد تتصل بتوفير الخدمات العامة وإنما بمستوى ونوعية الخدمات العامة التى تتعلق بنمط الحياة الكريمة التى تتناسب مع الحراك الاجتماعى الصاعد للفئات الطبقية المتعلمة تعليما حديثا. (2) كما أن معدلات الصراع الطبقى اتخذت شكل صراع بين التضامنيات القبلية والطائفية، بسبب ضعف المؤسسات الاجتماعية الحديثة. (3) واضمحلال شرعية الدولة القطرية مما يتيح للتضامنيات القبلية ــ الطائفية اختراق التنظيمات السياسية وتجاوز الحدود الإقليمية. (4) وتحت تأثير قوى العولمة أصبحت المشاركة السياسية تتحدى النخبة الحاكمة بشكل متزايد. (5) وتتمحور حول الجماعات التى تتبنى مطالب سياسية واقتصادية وبيئية (الحركات الاجتماعية الجديدة). (6) وتنادى بمكافحة الفساد المالى والإدارى الذى يعمق الفوارق الطبقية.

2 ــ
إذا ما أمعنا التفكير فى هذه التطورات ونتائجها على مستوى النظام الاجتماعى سيتبين لنا ما أطلق عليه بعض الباحثين (انغلهارت مثلا) بأن ثورة صامتة فى القيم وفى المهارات تحدث أمام أعيننا: فى القيم على مستوى الأفراد تتمثل فى السعى إلى تحسين المكانة الاجتماعية التى تتناسب مع ما أحدثته التطورات سابقة الذكر من تغييرا فى النظام الاجتماعى، وفى المهارات التى أصبحت بموجبها فئات واسعة من الأفراد قادرة على المساهمة فى السياسة، وبالتالى أصبحت أكثر وعيا سياسيا وفهما للمطالب الاقتصادية والثقافية عامة. وهذا الوعى يترجم عادتا إلى التحولات التى تطرأ على المناخ السياسى العام والتوجهات الأيديولوجية السائدة فى المجتمع: من يسارية إلى قومية أحيانا، ومن دينية تحررية إلى دينية محافظة أحيانا أخرى وهكذا.

وهنا موطن تكرر الأزمة الصامتة وحدوثها باستمرار. فى المجتمعات التى تحدث فيها انتخابات عامة، يمارس الناخبون خياراتهم بين تيارا محافظ أو تيار ليبرالى، وبين أيديولوجيا دينية إلى أيديولوجيا علمانية ليبرالية فى دورة تاريخية. وهذا ما نجده بشكل متزايد فى أمريكا الجنوبية وشرق آسيا. أما مسألة هل تمثل هذه التحولات ممارسة ديمقراطية حقيقية أم أن فئات من النخبة الحاكمة تتناوب على الحكم بينما تبقى القضايا العامة والمطالب الملحة قائمة معلقة، مسألة مفتوحة قابلة للنقاش. فى الغرب مثلا جرى التحول من الثورة المحافظة التى مثلتها الثاتشرية – الريجانية إلى ليبرالية كلينتون – أوباما، فى جيل واحد.

3 ــ
أما فى العالم العربى فقد اتخذ التحول الثقافى من عهد عبد الناصر إلى قيام الظاهرة الساداتية: التعايش مع إسرائيل، تحجيم دولة الرعاية الاجتماعية، إضعاف الإصلاح الزراعى، تشجيع التيارات الدينية... الخ، إلى أزمة مجتمعية مستترة. بينما منع قيام حكم الرئيس مبارك من التغير فى تركيبة النظام الحاكم وتوجهاته الأيديولوجية. وفى الكويت لم يترتب على التحول الثقافى فى القيم الاجتماعية وفى المناخ السياسى العام إلى التغير فى توجهات النخبة الحاكمة، بسبب وجود رئيس وزراء دائم يتناوب فيه الوزراء على الحكم خارج نطاق المشاركة السياسية. والشيء نفسه أو مشابه له، ينطبق على تجربة البحرين والأردن. فى الأردن مثلا كان هناك 56 رئيس وزراء فى 46 سنة حسب تقرير الفاينانشال تايمز (11 أبريل 2009)، دون أن يحدث تغيير فى تركيبة النخبة الحاكمة أو فى أيديولوجياتها. ويتشابه الأردن والبحرين فى ترتيبات نظام الحكم.

أن حالة التأزيم المتكررة هى مؤشر على أن التحول فى القيم وفى المناخ السياسى العام وفى خيارات الناخبين، إذا لم يصاحبه تغيير فى تركيبة النخبة الحاكمة واتجاهاتها السياسية، بما يتناسب والتطورات الحادثة فى النظام الاجتماعى – الاقتصادى، سوف يؤدى إلى احتكاك سياسى بين القوى المجتمعية وتضامنياتها القبلية – الطائفية. وفى كثير من الحالات يكون نظام الحكم على وضعه المتداعى وتبقى القيم السائدة فيه فارغة خاوية لا قدرة لها على توجيه السلوك أو على الضبط الاجتماعى.

ولا يستدعى هذا التغيير فى تركيبة النخبة الحاكمة ثورة دموية أو تمرد مدمر، أنه تغير مستتر يحدث باستمرار باعتباره مصدر من مصادر التغير الاجتماعى. إن معالجة ما نطلق عليه تأزيم يتطلب إدراكا منا بأن التطورات الحادثة فى النظام الاجتماعى تؤدى إلى التحول فى القيم والمناخ السياسى العام ويؤدى عادة إلى التغير فى توجهات النخبة الحاكمة وطريقة إدارتها للأزمة الاجتماعية بما يتماشى مع تلك التطورات.

خلدون حسن النقيب أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة الكويت
التعليقات