صانع المعروف دياب عبد الظاهر.. وداعًا - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
السبت 27 ديسمبر 2025 8:12 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

بعد تأهل المنتخب لدور الـ16.. تؤيد خوض مباراة أنجولا بـ:

صانع المعروف دياب عبد الظاهر.. وداعًا

نشر فى : الجمعة 26 ديسمبر 2025 - 9:00 م | آخر تحديث : الجمعة 26 ديسمبر 2025 - 9:00 م

من أشهر صناع المعروف وباذلي الخير بالأقصر، عمل مديرًا عامًا لمعهد إيجوث للسياحة والفنادق، ثم عمل بالسياحة. يعرفه الجميع، فما من فقير أو محروم أو مكلوم أو أرملة إلا وناله خير منه.
قال جاره المسيحي: "وقف الحاج دياب إلى جواري حينما أصابتني الجلطة، وأنقذني في محنتي، وكان موقفه أعظم من مواقف أشقائي، ولم يترك مناسبة إلا وجاملني وأهداني".
كان الحاج دياب أسطورة في صنع الخير، لذا حضر الآلاف جنازته المشهودة وغير المسبوقة، وشارك فيها الجميع بدءًا من الأطفال الذين كان يلاعبهم ويهديهم الهدايا باستمرار، وحتى عدة أجيال عاصرت خيراته. لم يقصده أحد في خدمة أو معروف إلا أجابه، لا يرد قريبًا ولا غريبًا، وكلمة "حاضر، تحت أمركم" جاهزة دوما على لسانه ومن قلبه.
جاءته يومًا امرأة كبيرة سمعت عن إحسانه للخلق وقالت له: "أولادي وأنا جوعى"، قال: "أمهليني دقائق"، اشترى لها كل شيء وأركبها سيارة وأعطاها مما أعطاه الله، وظل يتعهدها حتى مات.
بيته مفتوح للجميع، يخصص شقة كاملة للضيوف، وقد شرفت بالنزول عنده في الأقصر فأكرم وفادتي عدة أيام.
كان يردد دائمًا: "بيتي مفتوح للجميع في أي وقت"، والغريب أنه حينما أصيب بمرض الفشل الكلوي رأى الممرضات يحضرن للمستشفى بالأقصر من عدة قرى وبلاد بعيدة، فقال لهن: "أنا مثل أبيكم"، وقد خصص شقة كاملة مؤثثة وأعطاهم مفتاحها للمبيت بها رغم اعتراض أولاده لأنهم لا يعرفونهم.
كان يعتبر كل الناس أولاده، وله عين ثاقبة تبصر صاحب الحاجة ولو لم ينطق بكلمة. كان يصنع أكواب الأرز باللبن ويوزعها على فقراء الحي في يوم العيد، فضلًا عن الأطعمة في شهر رمضان واللحوم في الأضحى.
كان يقول لأي إنسان يظلمه أو يبخس حقه: "ربنا يسامحك"، وعندما يعترض أولاده على منطقه يقول لهم: "ربنا هو اللى يخلص الحقوق".
أنجب خمس بنات وولدين، تقول ابنته الكبرى شيماء: "البنت سر أمها والولد سر أبيه، ولكن عند الحاج دياب غير ذلك، فالبنت سر أبيها، كنت أخصه بسرّي، وكنت أفهمه من نظرة عينه، خاصة بعد أن اشتد مرضه وأصبح لا يستطيع التحدث".
كان آية في الرفق ببناته، فقد أحاطهن بعطفه ورفقه ومحبته، عكس ما يتصور البعض عن الصعايدة والمتدينين، فقد خبرت الصعايدة والمتدينين فوجدتهم أكثر الناس رفقًا ببناتهم.
تقول إسراء ابنته الصغيرة: "أنا دلوعة أبي"، أنا الوحيدة التي تفحصه وتداويه وأحلق له شعره خاصة في مرضه حيث كنت أقوم على خاصة أموره.
كان نموذجًا جميلاً للتعامل مع أولاده ومع بناته الخمس خاصة، لم يكتب قائمة لبنت من بناته وقت زواجها، كان يمزق القائمة بعد كتابتها. إذا اختلفت ابنته مع زوجها يستمع لطرفي المشكلة ويقول لابنته: "أنت مخطئة في كذا واذهبي إلى بيت زوجك"، ثم يأخذ الزوج وحده ويوبخه توبيخًا شديدًا على أخطائه ويقول له: "لم أزوجك عبدة ولا خادمة، ولكن زوجتك أفضل البنات علمًا وخلقًا وأدبًا، وهذه هي المرة الأخيرة لتصرفك المشين".
عندما يمرض يقول: "يا إسراء"، عندما يريد الطعام يقول: "يا ولاء"، وعندما يمزح ويداعب يقول: "يا دعاء"، أما في أمور أمواله وشؤون تجارته فيقول: "يا شيماء"، وفي دعواته يقول: "يا أسماء"، وإذا أطلق اسم "الغالية" فهو يقصد زوجته، وإذا قال "يا أصيلة" فهو يقصد زوجة ابنه محمد فقد كان يعتبرها ابنته، أما إذا طلب السند والعون الكلي والصعب نادى على ابنيه محمد وإسلام.
هكذا كان الرجل مع أسرته الصغيرة وقد عاش مع زوجته ٤٥ عامًا، لم تر منه إلا كل رقة وعطف وكرم وجود وأريحية، كان دائم الابتسامة، وكان يحضر لزيارتي بالإسكندرية والضحك لا يفارقه.
لم يُر إلا مبتسمًا، وكل صوره فيها البسمة الصافية، كان يوزع اللحوم والطعام مع الأيتام في الأعياد والمناسبات.
أصيب في سنواته الأخيرة بالفشل الكلوي فصبر واحتسب، حرمه الأطباء من الخبز نهائيًا فلم يطعمه سنوات، فضلًا عن أطعمة أخرى كثيرة، عانى كثيرًا وصبر طويلاً، أجهده المرض العضال، حتى نال وسام "المبطون شهيد" ليلحق بربه بعد حياة حافلة بالخير والمعروف.
حينما ركدت السياحة أيام كورونا ضاعف من إحسانه للفقراء واليتامى وخصهم بمزيد إحسانه، خاصة أن اقتصاد الأقصر تدهور وقتها.
رحم الله الشيخ دياب عبد الظاهر بغدادى وأسكنه فسيح جناته، وخالص العزاء لأسرته.

التعليقات