أمن العالم العربى.. قضية بحاجة إلى دراسة - خلدون حسن النقيب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 ديسمبر 2025 10:31 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما تقييمك لمجموعة المنتخب المصري في كأس العالم برفقة بلجيكا وإيران ونيوزيلندا؟

أمن العالم العربى.. قضية بحاجة إلى دراسة

نشر فى : الخميس 27 أغسطس 2009 - 5:30 م | آخر تحديث : الخميس 27 أغسطس 2009 - 5:30 م

 لقد خص الغرب العالم العربى وغرب آسيا عموما منذ نهاية الحرب الباردة باهتمام استثنائى. فاستثار الأمم وجندها وأرسلها إلى هذه البقعة إلى العالم بحجة تحرير الكويت. فغادرت هى وبقى هو فى قواعد ممتدة من المحيط إلى الخليج. وبعد سقوط حكم الشاه فى إيران وسقوط حكم فرعون فى مصر متزامنين مع نهاية الحرب الباردة، ومن ثم تكوين أفغانستان وباكستان مصادر لتهديد مصالحه: (الأولى تمثلت فى طالبان، والأخرى فى انهيار الحكم المدنى)، تلاحقت الأحداث لتبرز قوى جديدة فى لبنان وانتفاضتان متلاحقتان فى فلسطين المحتلة ببروز قوى الإسلام السياسى فى المغرب بتحريض من الغرب تارة، وبقواها الذاتية مستغلة خيبة الأمل فى حداثة الغرب تارة أخرى.

كل هذا حدث فى عقدين من الزمن، حتى وصلت فداحة الأمر بأن دخل الغرب فى حرب عالمية مكشوفة مع العالم العربى (الحرب على الإرهاب)، بدون سند شرعى أو غطاء دولى فى سنة 2003، ومازالت هذه الحرب مستمرة مشتعلة الأوار. وأزعم أن حكومات العالم العربى ونخبه السياسية لم تستوعب أن هذه الأحداث الجسام تمثل تحديات حقيقية وربما مصيرية، بدليل أن أمنها مازال قائما على مجموعة من الاعتقادات والأطروحات غير الواقعية ولا تعكس الاستيعاب المطلوب وسوف أذكر فيما يلى عشرة اعتقادات أو أطروحات تدل دلالة حاسمة على أنها تعتبرها مسلمات دون دليل مادى.

أولا: الاعتقاد بأن الولايات المتحدة والغرب (الغرب فيما بعد) بسبب حاجته للعالم العربى كمصدر للطاقة سوف يدافع عن بقاء الحكم السلالى قائما فيه إلى الأبد أو إلى المستقبل المنظور. هذا الاعتقاد لا يأخذ فى الاعتبار أن العولمة قد عقدت الأمور كثيرا. ففى السابق كانت السياسة الخارجية تبنى على التمييز بين العدو والصديق. أما الآن فلم يعد فى السياسة الدولية خصم يمكن التنبؤ بتصرفاته ولا صديق يمكن الاطمئنان إليه (كما يقول ريتشارد هاس فى الفاينانشيال تايمز، 19/12/2007). والغريب فى الأمر أن النخب السياسية العربية لا تدرك مدى محدودية أو مدى تنامى محدودية تأثير السياسة الأمريكية فى العقد الأول من هذا القرن الواحد والعشرين، بحيث إنها تلجأ إلى فرض العقوبات المختلفة على أكثر من 95 دولة دون تأثير حاسم، وأنها باعتراف تشالمر جونسون فى (الهيرالد تريبيون 17/7/2009) قد تحولت إلى إمبراطورية تعتمد على أكثر من 800 قاعدة عسكرية مبثوثة حول العالم، وأن سفاراتها تحولت إلى قلاع عسكرية تسكنها أجهزة الاستخبارات والجواسيس والجنود المارينز والدبلوماسيين الذين أصبحت مهمتهم الأولى مراقبة السكان المحليين وتصيد نزعاتهم المتمردة على الهيمنة الغربية.

نحن لا نقول أن الولايات المتحدة وشركائها الغربيين لا يستطيعون أن يبطشوا بمن شاءوا والعراق وأفغانستان أدلة حية على ذلك. ولكنهم غير قادرين على تحقيق أهدافهم الأصلية، بالرغم من عسكرة سياستهم الخارجية فى زمن «السلم»!. وهذا يفسر الفزع من حالات إيران وكوريا الشمالية وحزب الله فى لبنان وحماس فى فلسطين. وبدلا من أن تختط دول العالم العربى سياسات خارجية متوازنة، تلجأ هذه الدول إلى الالتصاق بالغرب طلبا للحماية ولسان حالها يقول: «نحن معكم نرتفع معا ونسقط معا». لا أحد يتوقع أن ينهار الغرب قريبا ولكن أغلب المتابعين للأحداث لا يتوقعون أن يعود الغرب كما كان قبل أزمته الحالية.

ثانيا: ومن مظاهر القصور فى تفكير النخب العربية وحكوماتها الاعتقاد الراسخ بقوة الرأسمالية الليبرالية/الافتراسية الغربية. وهذا الاعتقاد تغذيه حالة الانبهار بالغرب من جهة، أو حالة انعدام البدائل العملية فى تقديرهم من جهة أخرى، وفى كلا الحالتين تتخذ القرارات السياسة العربية على اعتبارات سياسية مصلحية ضيقة وليس على تقديرات موضوعية. والدليل على ذلك قرارات الاستثمار الخليجية قبيل وأثناء الأزمة الاقتصادية الحالية.أن خطة تحويل بعض الدول العربية إلى مراكز دولية وانفتاحها على الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى أوضاع اقتصادية متردية تؤدى منطقيا وعمليا إلى انكشاف الاقتصادات العربية للمؤثرات السلبية الخارجية، وتعريض مواردها المالية إلى التآكل.

أن الإيمان المطلق بقوة الدولار، كما اتضح من خلال الجدال الذى أعقب فك ارتباط الدينار الكويتى جزئيا بالدولار لا يقابله وضع خطط طارئة بديلة نحو تسريع إقرار العملة الخليجية الموحدة، التى غرقت فى معمعة الخلافات العربية المعهودة. كما أن جهود الدول العربية نحو محاولات تفكيك القطاع العام والتوجه نحو سياسات الخصخصة الراديكالية هى فى الاتجاه الخاطئ تماما. بول تايلر (الهيرالد تريبيون 12/6/2009) يوضح كيف أن القطاع العام ودولة الرعاية الاجتماعية هما اللذان خففا على الدول الاسكندينافية (وبخاصة النرويج وهى دولة نفطية) من وقع الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية.

ثالثا: هناك اعتقاد غريب آخر عند النخب السياسية العربية (الحاكمة والمهيمنة) وهى أن الصداقة مع الغرب تعنى الخضوع لرغباته (وأحيانا لأهوائه) دون اعتبار للمصالح العربية العليا على المستويين الوطنى والقومى. أن الصداقة على عكس العداوة تبنى على الندية. إلا إذا كان تشخيص المصالح العربية يخضع إلى اعتبارات أخرى غير الاعتبارات الموضوعية. والقوى ــ والغرب هنا القوى ــ يريد أن يهيمن على الآخرين وأن يضمن مصالحه على حسابهم. هذا عرف دولى معروف. والوجه الآخر لهذا العرف هو حق مقاومة الهيمنة الغربية بالطرق السلمية المعتادة فحق المقاومة حق شرعى تحفظه الأعراف الدولية.

الغريب فى الأمر هو أن الدول العربية تتخوف من مقاومة الهيمنة الغربية بدون مبرر معقول أو ربما خوفا من قدرة الغرب على زعزعة الأوضاع المحلية. إذ هل يعقل أن نعتقد أن الدول العربية تصدق دعاوى أنها شريكة للغرب فى مصالحة ومغامرته العسكرية وغيرها، كما يدعى فى برنامج الشراكة مع دول حلف الناتو، أو الشراكة المتوسطية، أو غيرها من الشراكات الوهمية. إلا إذا كان القبول بهذه الشراكات على سبيل المجاملة العربية الساذجة.

خلدون حسن النقيب أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة الكويت
التعليقات