ما زال على الدبلوماسية الأمريكية أن تتعلم الكثير فى مصر - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما زال على الدبلوماسية الأمريكية أن تتعلم الكثير فى مصر

نشر فى : السبت 13 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 13 يوليه 2013 - 1:00 م

أصبحت الدبلوماسية علما يتم تدريس نظرياته ومبادئه فى الكليات.. غير أننى مازلت أؤمن أن الدبلوماسية هى ممارسة وخبرة أكثر منها علم ونظريات، ويتميز الدبلوماسى الكفء عن غيره فى قراءته للظروف والأوضاع المحيطة به فى الدولة المعتمد لديها قراءة صحيحة.

 

ولا أعرف لماذا ذكرتنى السفيرة الأمريكية المبجلة بالقاهرة آن باترسون بزميلتها إبريل جلاسبى السفيرة الأمريكية فى العراق فى أوائل التسعينيات أثناء الغزو العراقى على الكويت من حيث القراءة الخاطئة لكل منهما لأوضاع الدولة المعتمدين لديها.

 

فقد ذهبت السفيرة إلى صدام حسين فى 25 يوليو 1990 وبدلا من أن تعيد تذكيره بالمادة الثانية لميثاق الأمم المتحدة بعدم التهديد أو استخدام القوة ضد سلامة أراضى الغير، ومؤكدة على أن الولايات المتحدة ترفض مطامع العراق لاحتواء دولة مستقلة ومعترف بها فى الأمم المتحدة.

 

بدلا من ذلك آثرت السفيرة الأمريكية الاكتفاء بالقول «إن بلادها لا رأى لها فى المشاكل الحدودية العربية». وكأنها أرادت أن تقول حينذاك للرئيس العراقى أن بلادها لن تنحاز إلى أى من العراق أو الكويت، مؤمنة ومسجلة لإدارتها أن صدام لن يقوم بغزو الكويت.

 

قام صدام حسين بغزو الكويت فى 2 أغسطس أى أسبوعا واحدا بعد المقابلة. ونالت السفيرة جلاسبى نصيبها من النقد واللوم على موقفها هذا وتم شطب اسمها من الدبلوماسية الأمريكية، حيث إن مثل هذه الأخطاء لا تغتفر.

 

●●●

 

وماذا عن السفيرة باترسون، فإن تاريخها فى مصر حافل بالأخطاء الدبلوماسية وقراءاتها غير الصائبة للشأن الداخلى المصرى، بما جر وراءها الإدارة والإعلام الأمريكى إلى تحليلات وأقاويل غير دقيقة.

 

فإن أحدا لا ينكر اليوم الخسارة التى مُنيت بها الولايات المتحدة فى الشارع المصرى لتباطؤها وترنحها فى اتخاذ موقف عاجل وواضح إزاء استكمال الشعب لثورته واسترداده زمام الأمور. فإن أزمة السد العالى والخروج من مصر فى الستينيات مازال معلقا فى أذهان الإدارة الأمريكية التى أرادت تجنب تكرار هذا الماضى الأليم بأية حال.

 

فاعتقدت أنه بالوقوف وراء الإخوان باعتبارهم اشتغلوا بالعمل السياسى أكثر من ثمانين عاما تحت الأرض، وبمساعدتهم على الصعود إلى السطح وممارستهم لحقوقهم كجماعة دينية «متطرفة» تكون الولايات المتحدة أخيرا وجدت لها حليفا قويا ومنفذا لسياستها دون تردد وراء ستار الدين. ونقول بأعلى صوت أخطأت الدبلوماسية الأمريكية. فإن سفيرتها كان عليها أن تأخذ مأخذ الجد السخط الشعبى الذى ظل ينمو طوال السنة الماضية مانحا الإخوان أكثر من فرصة لتصويب المسار، ولكن هيهات.

 

جاءت السفيرة الأمريكية إلى مصر لأسباب عديدة منها فض الاشتباك بين الجيش والإخوان لصالح الأخيرة، جاءت لتشهد تحول مصر إلى الديمقراطية التى تريدها لها الولايات المتحدة، ديمقراطية الجماعة التى نشأت على السمع والطاعة لتمارس ديمقراطيتها المغلوطة من خلال إقصائها للأغلبية العظمى من الشعب المصرى.

 

جاءت لتكثف علاقات الولايات المتحدة بالمرشد وليس بمصر، وما أعظم الفارق بينهما. جاءت لتنصح شعب مصر بعدم التظاهر وعليه ارتضاء ما آلت إليه الانتخابات «الحرة النزيهة» على أساس أن بقاءه مع الإخوان هو أقل الأضرار حيث أن البديل هو السلفيون وهم أكثر تطرفا واستبدادا.

 

●●●

 

أخفقت السفيرة فى قراءة الموقف، وأخفقت فى تقييم قوة المعارضة، وكانت على اقتناع أن التظاهر لن يأتى بأية نتائج إيجابية. ألم تيقن باترسون أن التظاهر بهذا الحجم هو الديمقراطية فى حد ذاتها، وإن كانت ليست الديمقراطية الأمريكية التى تخدم المصالح الأمريكية. لقد أثبت الشعب المصرى أن الديمقراطية ليست لخدمة مصالح أمريكا إنما لخدمة أبناء مصر أولا وأخيرا.

 

كانت باترسون تقنع نفسها وإدارتها أن حرية التعبير فى مصر أصبحت أفضل عمّا كانت عليه فى عهد مبارك. ألم تكن ترى فى المقابل ما آلت إليه حريات المرأة وحرية العقيدة وحرية الثقافة وما كانت تقوم به الجماعة من تفريغ لثقافة مصر وحضارتها ووطنيتها وتاريخها.

 

ألم تكن ترى أن حرية التعبير التى كفلتها حكومة مرسى كانت بصفة مؤقتة ولفترة وجيزة ستنقض عليها الجماعة سرعان ما تمسك بزمام الأمور. ألم تكن ترى أخونة الدولة تدريجيا وألم تكن ترى التدخل السافر لحماس فى الأمن الداخلى المصرى. كانت باترسون تدافع عن حكومة الإخوان وكأنها عضو فيها.

 

●●●

 

إن زيارة السفيرة الأمريكية للمرشد والشاطر قبيل الانتفاضة وفى وقت كان الشارع المصرى فى قمة غليانه لها دلالتها، فهل ذهبت لتهديدهما ـ وهو أمر أستبعده ـ أم ذهبت لمؤازرتهما، وهو ما أرجحه ليس إلا لكيفما توالت المواقف الأمريكية فيما بعد.

 

وختاما فإن التمسك الأمريكى غير المسبوق بالإخوان على الرغم من الانتفاضة الشعبية يخفى وراءه الكثير. فليس هو تمسكا بالشرعية كما يشاع أو تمسكا بالرئيس المنتخب، إنما هو تمسك بتخطيط أكثر خطورة معالمه لم تظهر لنا بعد، وإن لقى فشله فى مصر وهو ما زال فى مهده.

 

اعتقد الرئيس أوباما أنه قام بتأمين منطقة الشرق الأوسط فى فترته الانتخابية الثانية وتركها فى أيدٍ أمينة: إسرائيل ذات القوى المنفردة التى ليس لها منافس فى المنطقة، من ناحية، ونظام الإخوان المسلمين فى مصر ذلك النظام الذى يستطيع أن يعمل على مزج الدين بالخطاب السياسى وهو النظام الذى كانت تبحث عنه الولايات المتحدة طويلا لزرعه فى مصر من ناحية أخرى.

 

هذا النظام ـ الذى فى تصور الولايات المتحدة أو هكذا أقنعتها الجماعة ـ أنه لن يواجه صعوبة فى تعبئة شعب مصر وشعوب المنطقة تحت مسميات وشعارات دينية لتمرير قرارات سياسية تصب فى النهاية فى خدمة المصالح الأمريكية وليس بالضرورة فى مصلحة وطننا. وفشل هذا المخطط على يد شعب مصر. فلا تلوموا شعب مصر وجيشه إن فشلت الدبلوماسية الأمريكية فى قراءة الموقف قراءة صحيحة.

 

 

 

مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية سابقا

ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات