ما هى الطريقة المثلى للتعامل مع مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذى يفترض أن مجلس النواب يستعد لإقراره فى بداية انعقاده بعد أسابيع قليلة؟ مبدئيا لا توجد طريقة مثلى، وكل طرف يعتقد أنه يملك كامل الحقيقة المطلقة، وهو أمر مستحيل لأن الحقيقة نسبية.
لكن من وجهة نظرى المتواضعة أن أفضل طريقة تريح الجميع نسبيا هى أن يصدر القانون بصورة متوازنة تحقق أكبر قدر ممكن من مطالب كل أطراف القانون، وبالتالى يشعر كل طرف أنه حصل على أقصى قدر ممكن، أما غير ذلك فهى قنبلة موقوتة ستتفجر إن آجلا أو عاجلا.
هذا القانون المزمع إصداره يؤثر على عمل القضاة والنيابة العامة والشرطة والمحامين والصحفيين والمهتمين، وكل مواطن يتعامل مع هذه الأطراف فى أى خلاف قد يتطور ويجد نفسه فى أقسام الشرطة والنيابة والقضاء؟ أكبر خطأ نرتكبه فى هذا القانون أن يعتقد أى طرف أنه يمكنه أن يفوز بالضربة القاضية ويحصل على كل ما يريد على حساب طرف آخر أو بقية الأطراف.
والخطأ الأكبر الآخر أن يتم إصدار القانون من دون التراضى وإحداث التوازن بين أطراف هذا القانون. السياسة الحكيمة تتطلب التأنى الكامل فى التعامل مع هذا القانون وأخطر ما يمكن حدوثه هو ما حدث الأسبوع الماضى، أى أن ندخل فى معارك قبلية جهوية بين الجهات المختلفة المتأثرة بهذا القانون. ظنى الشخصى ــ وأرجو أن أكون مخطئا ــ أن اللجنة التشريعية والدستورية فى مجلس النواب تسرعت وجانبها الصواب فى البيان الأول ثم الثانى شديد اللهجة ضد كل من خالف رؤيتها الأولية فى مشروع القانون والدليل أنها قامت بتعديل بعض المواد. ويقينى الكامل أن اللجنة كانت موفقة جدا حينما أصدرت بيانها الثالث التصالحى يوم الخميس الماضى.
وظنى الشخصى أيضا أن بعض مكونات الطرف الثانى خارج اللجنة التشريعية ينبغى أن يتحلى بالواقعية ويتوقف عن التعامل بمثالية مفرطة لأنها غير موجودة وأن يؤمن بمنطق التوازن وليس الانتقاد الدائم فقط. من حق اللجنة التشريعية أن تدافع عن عملها وقانونها لكن ليس مستحسنا أن تدخل فى خناقات مع النقابات والهيئات والمؤسسات والأطراف والشخصيات المعترضة على مشروع القانون طالما أن الأمر يدور حول خلاف موضوعى وليس شخصيا.
لم يكن موفقا أن تستخدم اللجنة تعبيرات من قبيل «الذين اتخذوا من الكذب سبيلا والتضليل منهجا» أو عبارة «ممن لهم نوايا خبيثة وأنهم يحاولون توظيف النقد لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية». أو التهديد بمقاضاة المخالفين. نعم قد تكون هناك انتقادات صعبة خرجت من هذه النقابة أو تلك، لكن المفترض أن اللجنة التشريعية والدستورية أقرب ما تكون إلى لجنة قومية منوط بها أن تقدم مشروع قانون مكملا للدستور وشديد الأهمية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
وألا تكتفى فقط بالقول أنها استمعت لكل الآراء، فما قيمة هذا الإجراء إذا لم يترجم إلى التراضى والتوافق؟!! يفترض أن تعى اللجنة وكل من له صلة بهذا القانون أن النقاش والجدال بل والخلاف والاختلاف بين كل القوى ذات الصلة قبل صدور القانون أفضل مليار مرة من أن نفعل ذلك بعد صدوره.
علينا جميعا ألا نقع فى تكرار فخ قانون التصالح فى مخالفات البناء الذى صدر من مجلس النواب ثم اكتشفنا عيوبا كثيرة فيه فأصدرنا قانونا ثانيا، أو تعديلا له، ثم اكتشفنا عيوبا أخرى وعدم ملاءمته للواقع فصدرت نسخة ثالثة من نفس مجلس النواب. بيان يوم الخميس جاء مطمئنا إلى حد كبير، خصوصا حينما أشار فى فقراته الأخيرة إلى أنه ما يزال «فاتحا أبوابه لمناقشة أى تعديلات قد يراها البعض ضرورية وأن المجلس استوعب جميع الآراء ويفاضل بينها لاختيار الأفضل بما يحقق المصلحة العامة».
مرة أخرى الموضوع متشابك ويضم أكثر من ٥٠٠ مادة وليس فقط بضع مواد تخص الحبس الاحتياطى كما يظن البعض وبالتالى علينا جميعا أن نسعى للهدوء وعدم التسرع فى إصدار القانون حتى نحقق أكبر قدر من التوازن والمكاسب للجميع وليس لجهة واحدة فقط.