الرصاصة لا تزال في جيبي - محمود قاسم - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 6:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرصاصة لا تزال في جيبي

نشر فى : الجمعة 13 أكتوبر 2023 - 9:00 م | آخر تحديث : الجمعة 13 أكتوبر 2023 - 9:00 م
فى المناسبات الوطنية اعتدنا على مشاهدة الأفلام نفسها فحفظناها عن ظهر قلب، فأطالب الأجيال الجديدة بمتابعتها بمناسبة مرور نصف قرن على عبور الجيش المصرى إلى الضفة الغربية لقناة السويس شاهدت فيلم (الرصاصة لا تزال فى جيبى) إخراج حسام الدين مصطفى بشكل مختلف تماما، نعم لقد مر خمسون عاما على هذه المناسبة، ومثل هؤلاء الأبطال الذين تحدث عنهم الفيلم هم زملائى وأنا مجند بالجيش وأنا أشارك فى المعارك فى جانب آخر من الجبهة، حينها كنت مجندا بسلاح الإشارة فى الغردقة، وعشت جميع ظروف الحرب بعد أن تم تجنيدى فى أكتوبر 1972، وتدربت على جهاز متطور جدا سافرنا معه إلى هناك وعشنا أيام الحرب؛ كانت الغردقة فى هذه الفترة هى واحدة من خطوط النار، وكان أحد زملائى المتخصصين فى الإشارات اللاسلكية، وقد عاد أحدهم دون الآخر؛ فهذا الفيلم يرجعنى إلى هذه الذكريات التى عشتها، فإن محمد الجندى الذى حمل السلاح كان زميلى عشنا معا وكان لنا نفس القادة، وحملنا معا نفس المخالى، وكنا نقيم كل صباح بتفتيش فرش المتاع كنوع من التمويه، تجمعنا قروانة الطعام وتوقفنا عن النزول فى إجازات لرؤية أهالينا، هذا هو محمد ورفاقه فى الفيلم يمثلون كل المجندين الذين حاربوا والذين كانوا على الجبهة الداخلية وكانت الحرب بالنسبة لهم حالة من الثأر بعد هزيمة يونيو فى تلك الفترة كان يتم تجنيدنا دون أن نعرف موعد انتهاء الخدمة، وكانت المشاعر الوطنية متوجهة جدا وننتظر العبور إلى الضفة الغربية من أجل أن يشعر الوطن بفخر الانتصار كنا صائمين جميعا مهما كانت عقيدتنا وفطر الكثير بعد العبور، وكان لكل شخص منا قصة فى الحياة المدنية، فكان المجند محمد حاصلا على مؤهل متوسط ويحب ابنة عمه ويريد الزواج بها، ولكن حسب الفيلم المأخوذ عن رواية إحسان عبدالقدوس، فإن هناك رجلا فاسدا سيطر على قرية محمد فى وسط الدلتا، كما أنه قام بغواية فاطمة وعرضها للعار معى أسرتها ثم اختفى ولم يعرف أحد مصيره، ومن هنا جاء اسم الرصاصة لا تزال فى جيبى يحملها فى جيبه حتى يستخدمها فى وجه أى شخص يموت قتيلا بسبب خيانته للوطن، اهتم الفيلم فقط بحكاية محمد وهو بذلك يختلف عن قصة حياة المجندين وبذلك يختلف كثيرا عن فيلم أبناء الصمت للمخرج محمد راضى، والجدير بالذكر أن الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة كانت تصور حرب الاستنزاف دون الوصول إلى أيام أكتوبر المجيدة إلا أن السيناريو استكمل الحكاية ورأينا النصر يأتى إلى الوطن وأبنائه، فيتسامح محمد ويتزوج من فاطمة ويعرف الوطن معنى الانتصار بعد العبور، وللأسف الشديد فإن الفيلم بدا كأنه يحكى عن انتصار بطل الفيلم فى المقام الأول، أعود وأقول إن مشاهدة الفيلم بعد خمسين عاما بالنسبة لى يعنى استرجاع الذكريات وأسماء أقرانى فى كتيبة الإشارة وأيضا أيام التجنيد حين كنا وحين رحلنا إلى مدننا لنستأنف حياتنا، وأذكر أننى كتبت روايتى (أودسانا) عن المجند الذى يعود من الحرب ليتم توظيفه، ويجلس أمام مكتب ينحنى ظهره وهذا الأمر يعنى أن كل المحاربين خاصة المنتصرين يعودون إلى مدنهم ويستأنفون حياتهم وتمر بهم السنين ويصلون إلى سن الكهولة ولا يتقبى لهم إلا استعادة هذه الذكريات، فالبهجة هنا هى انتصار الوطن، وكل هذا ظل فى الذاكرة بعد أن عدت من الجبهة إلى أمى بعد غياب أربعة أشهر وهى تنزل من الدور الرابع ولا تصدق أننى عدت وأخذتنى بالأحضان باكية لا تصدق.
وهكذا كانت ذكرى أكتوبر بالنسبة لنا من حنين ونشوة انتصار، وهكذا عاد المجندون إلى أهلهم يستقبلهم أهاليهم بشرف وفخر وهكذا أنا أترحم على زملاء الدفعة.
التعليقات