هل يوجد شىء اسمه جنوب عالمى؟! - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 2:23 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل يوجد شىء اسمه جنوب عالمى؟!

نشر فى : الأربعاء 13 ديسمبر 2023 - 7:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 13 ديسمبر 2023 - 7:55 م
نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا لمدير معهد دراسات جنوب آسيا، رجا موهان، يقول فيه إن مصطلح «الجنوب العالمى» وهم كبير ــ سواء بين دول الغرب أو بين بقية دول العالم، إذ إنه ولو كان قويا من الناحية العاطفية والمعنوية لمواجهة الغرب، إلا أنه معيب من الناحية الموضوعية. بمعنى أنه يتجاهل العديد من الحقائق حول بلدان هذه الفئة، مثلا أنه لا تجمعهم مصالح متشابهة، بل لديهم مصالحهم اقتصادية متباينة بشكل صارخ، ناهينا عن صراعاتهم فيما بينهم، وتعاونهم مع الغرب لبلوغ غاياتهم الاستراتيجية.. نعرض من المقال ما يلى:
بداية، مع اصطفاف العديد من الدول غير الغربية ضد إسرائيل فى تصويتات الجمعية العامة للأمم المتحدة، على إثر حربها الحالية ضد غزة، اكتسبت فكرة وجود جنوب عالمى ــ على خلاف مع الشمال العالمى ــ المزيد من الجاذبية.
ومع ذلك، فإن استخدام الجنوب العالمى كفئة متشابهة يزيد من صعوبة فهم الحقائق المعقدة لمختلف هذه البلدان والمناطق. إن العيوب التحليلية تظهر عندما نطرح السؤال التالى: ما هو الشىء المشترك بين الصين وبيرو؟ قطر مع هايتى؟ تايلاند مع سيراليون؟ إن جمع مثل هذه البلدان فى فئة واحدة ــ ثم تعريف هذه الفئة على أنها مختلفة بطبيعتها عن الشمال العالمى ــ يشكل عائقا أمام فهم هذا الجزء من العالم.
●●●
نشأ المصطلح من صراعات ما بعد الاستعمار بين الغرب وبقية العالم، وبالتالى فإن هذا المفهوم يشمل صفا طويلا من الأفكار والمعتقدات الناشئة عن مواجهة أوروبا، وفى القرن العشرين، نتج عن المفهوم العديد من الحركات والمجموعات والأيديولوجيات العابرة للحدود الوطنية: الوحدة الآسيوية، والوحدة العربية، والوحدة الأفريقية، والوحدة الإسلامية، وحركة عدم الانحياز، والعالم الثالث، ومجموعة الـ77 (تحالف يضم مجموعة من الدول النامية). بعض هذه الأفكار كانت وطنية وإقليمية، والبعض الآخر ــ مثل العالم الثالث ــ نتاج النخب الأكاديمية الغربية.
ومع ذلك، اصطدمت بعض هذه الأيديولوجيات بقوى القومية التى عرقلت العديد من الهويات فوق الوطنية التى سعى أنصارها إلى صياغتها فى محاولة للوقوف فى وجه الغرب. وحتى على المستوى الإقليمى، لم تتمكن أى هويات مشتركة ــ كالدين والعرق ــ من إخفاء الصراعات المتعددة بين القوميات المختلفة. مثلا خلال أزمة السويس عام 1956، رفض رئيس الوزراء الباكستانى آنذاك ــ حسين السهروردى ــ الوحدة العربية ووصفها بأنها «صفر زائد صفر زائد صفر». ناهينا عن أن مشكلة بناء الوحدة العربية لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.
كما أن هناك مصالح اقتصادية متباينة بشكل جذرى بين دول هذه الفئة، وتقاليد سياسية تكذب أيضا فكرة الجنوب العالمى كمجموعة متشابهة. بل إن العديد من الصراعات ــ التى يشهدها العالم اليوم ــ تدور بين الدول النامية وداخلها!.
بعبارة أوضح، نادرا ما واجهت النخب فى الجنوب مشكلة فى التعاون مع الغرب. على سبيل المثال، انضمت باكستان، المعادية للهند، إلى تحالفات الحرب الباردة بقيادة الولايات المتحدة. والهند، التى تشعر بالقلق إزاء الهيمنة الصينية، تتعاون اليوم مع الولايات المتحدة. كما تعمل فيتنام، التى تشبه أيديولوجيتها الشيوعية أيديولوجية الصين، على بناء شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة لتعزيز استقلالها فى مواجهة سلوك الصين فى المنطقة!.
وعلى الجبهة الاقتصادية، لم يكن من السهل على ما يسمى بالجنوب العالمى أن يبنى تحالفا ضد الغرب، فالاختلافات صارخة للغاية. قبل خمسة عقود من الزمن، كان الحظر النفطى العربى وتشكيل منظمة أوبك يُنظر إليهما على أنهما بمثابة ضربة من دول العالم الثالث ــ التى كانت تعادل فى تلك الحقبة مصطلح الجنوب العالمى ــ ضد الغرب للحصول على أسعار أفضل لسلعها الأساسية. ومع ذلك، كان تحقيق هذا الأمر صعبا جدا. وحاليا، لا شىء يجعل حياة الناس فى البلدان النامية أكثر صعوبة من الأسعار المرتفعة.
وفيما يتعلق بسياسة المناخ، هناك انقسامات عالمية عميقة، لكن تقف بعض من هذه الدول غير الغربية إلى جانب الولايات المتحدة وأوروبا بشأن التخلص التدريجى من الوقود الأحفورى. بكلمات أخرى، أغلب الدول النامية تحتاج إلى المزيد من الطاقة لانتشال شعوبها من الفقر، والعديد منها، مثل الهند، ترغب فى الاستمرار فى استخدام الفحم وغيره من أنواع الوقود الأحفورى. ومن ناحية أخرى فإن الدول المنتجة للنفط فى الشرق الأوسط، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية ليست مستعدة للتخلى عن مصدر ثروتها الرئيسى.
والواقع أنه ليس هناك من يجادل فى أن صعود الصين صاحبة ثانى أكبر اقتصاد فى العالم كان بفضل الغرب. ناهينا عن أن الهند تتودد بلهفة إلى رأس المال والتكنولوجيا الغربية على أمل الاستفادة منها لتحقيق النمو السريع.
●●●
منذ أن بدأ مفهوم الجنوب العالمى فى الانتشار، ازدادت حدة التمايز داخل العالم النامى. مثلا اكتسبت دول الخليج ثروات هائلة (تُصنف دبى الآن كمركز مالى رئيسى إلى جانب نيويورك ولندن وشانغهاى وهونج كونج وسنغافورة)، وأصبحت رءوس الأموال الخليجية تقود النمو الاقتصادى فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، كما أنها تعزز تدخلها فى مختلف الصراعات الداخلية والإقليمية، كما هو الحال فى اليمن. لذا، من يستطيع أن يدعى الآن أن التدخل فى ما يسمى بالجنوب العالمى عادة غربية فحسب؟!
بالنسبة للترويج غير الأخلاقى للجنوب العالمى، كما حدث عام 2018، من رئيس الولايات المتحدة آنذاك، دونالد ترامب، عندما أشار إلى «البلدان القذرة» أثناء مناقشة ملف الهجرة من أفريقيا وهايتى، ولنتذكر أيضا وصف المفوض الأوروبى، جوزيب بوريل، لأوروبا بأنها حديقة الرخاء والنظام بينما بقية العالم عبارة عن غابة، مثل هذه التصريحات تجمع شريحة واسعة ومتنوعة من الدول غير الغربية فى فئة عقلية واحدة. إذن، النخب غير الغربية لديها أسبابها الخاصة لتبنى النزعة الجنوبية العالمية. إلا أن إلقاء اللوم على الغرب يشكل دائما ذريعة جيدة لإخفاقاتهم، وكانت دائما بمثابة سياسة جيدة، لكنهم يتجاهلون التقدم غير العادى الذى تم إحرازه فى أجزاء كثيرة من العالم غير الغربى فى العقود القليلة الماضية.
بعيدا عن صورة الجنوب العالمى العاجز، فإن أصغر البلدان فى العالم غير الغربى الآن تدرك مجال المناورة، إذ خلافا لما حدث فى منتصف القرن العشرين، عندما كانت النخب غير الغربية مدفوعة إلى حد كبير بالأيديولوجية، فإنها اليوم أصبحت برجماتية. بمعنى أنها أصبحت على استعداد لعقد صفقات ثنائية مع الشركاء الغربيين، حتى عندما يعتنقون فكرة القضية الجنوبية وقتما يناسبهم هذا سياسيا أو ماليا.
●●●
ختاما، على الرغم من الدعوات للتخلى عن مصطلح الجنوب العالمى، فمن غير المرجح أن يختفى من مفردات العلاقات الدولية فى أى وقت قريب. فبالنسبة لكُثر فى الغرب، فهى وسيلة لتمييز الباقى؛ وبالنسبة لبقية دول العالم، فهى وسيلة لتوجيه مخزونات عميقة من الاستياء ضد الهيمنة الغربية المستمرة. أما القوى الجديدة مثل الصين والهند، فإن مناصرة ما يسمى بالجنوب العالمى هى وسيلة لتوسيع نفوذها العالمى. ولكن علينا أن ندرك إن استخدام مثل هذه الفئة ووصفها بأنها متشابهة يحجب أكثر مما يكشف، باختصار ليس لها أى قيمة تذكر فى فهم عالمنا.

ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف

النص الأصلى:

التعليقات