السياسة..واضطراب المشاعر - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسة..واضطراب المشاعر

نشر فى : الثلاثاء 14 يناير 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 14 يناير 2014 - 8:00 ص

عادة ما يعمد المحلّلون إلى تفسير الأحداث فى ضوء العوامل السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية معتبرين أنّ زاوية التحديق لابدّ أن تعكس المنظور العقلانى مقلّلين بذلك من شأن تحليل المشاعر فى علاقتها بالسياسية، ودراسة بنية العواطف وأثرها فى توجيه الأحداث.

بيد أن ما مرّت به تونس خلال هذا الأسبوع بالذات يحفزنا على تنويع المناظير ذلك أنّ ما عاينه التونسيون داخل المجلس التأسيسى وخارجه قابل لأن يفهم من خلال زاوية تحليل أسباب تأجّج المشاعر، واضطراب العواطف، وردّات الفعل الانفعاليّة وغيرها.

لاشكّ أنّ التحرّكات الاحتجاجيّة العنيفة مرتبطة بالوضع الاقتصادى «الكارثى» والسياسات الفاشلة التى تبنّتها حكومة «على العريض» فضلا على عوامل أخرى. ولكن لنا أن نفهم هذه التحرّكات بربطها أيضا بذاكرة ساهمت فى تشكيل بنية العواطف. فقد عرف التونسيون أحداثا مماثلة إذ ارتبط يناير فى ذاكرة التونسيين بثورة الخبز، والغليان الشعبى، والحاجة إلى التنفيس عن الغضب الجماهيرى، والتعبير عن المخاوف وغيرها من المشاعر التى تكون قادحا رئيسيا للتغيير الاجتماعى ودفع الحكومة إلى مراجعة قراراتها. وإذا اعتبرنا أن الشعور بالحرمان ينتاب أغلب التونسيين كلما حلت ذكرى اندلاع الثورة التونسية بسبب انتفاء الطابع الاحتفالى فإنّ الرغبة فى تكرار نفس الفعل الاحتجاجى، والتعبير عن الغضب، والإحساس بالغبن بسبب تعقّد الأوضاع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا قد تفسّر ارتفاع عدد المقدمين على محاكاة ما فعله البوعزيزى. إنها مشاعر تطفو على السطح لتكرّر ذات الفعل: تقديم القرابين البشريّة علامة على خيبة أمل شباب الثورة.

•••

لا تحضر المشاعر فى المجال الاجتماعى فقط وإنما لها منزلتها فى المجال السياسى أيضا إذ تضطلع بدور مهم فى بناء نمط العلاقات، وتوزيع السلطة وفرض الهيمنة داخل المجلس التأسيسى. فالخوف الذى انتاب عددا من النواب على هوّيتهم العربيّة الإسلامية جعلهم يبادرون بالتصويت على الفصل 38 الداعى إلى تحمّل الدولة مسئولية «تجذير» انتماء الناشئة إلى الهوية العربية الإسلامية من خلال دعم اللغة العربية مغيّرين بذلك ميزان القوى وكأن لسان حالهم يقول: «يوم عليك ويوم إليك»، والخوف من تكرار «التكفير» هو الذى أجبر أغلب النوّاب على التنصيص على حرية الضمير وتحجير التكفير.

أمّا حادثة «تكفير» نائب عن حركة النهضة (الحبيب اللوز) زميله (المنجى الرحوى) من الجبهة الشعبية ودفعه إلى الاعتراف بأنّه مسلم أبا عن جدّ، فإنّها تخبر عن مدى شعور القيادى «اللوز» بنشوة «الانتصار» بعد أن دفع زميله إلى «تذوّق» مشاعر الخجل الممزوجة بمشاعر الخوف. وهكذا تمّ التأكد من مدى خضوع «اليسارى والعلمانى» للمعايير الاجتماعية وانضباطه، والتزامه بالمعايير الدينية فى سياق ضاغط ومناخ «إسلاموى» جعلا الفاعلين السياسيين من المعارضة يراقبون ذواتهم، وينتقون مفردات خطابهم السياسى خوفا من الوقوع فى المحظور: أن يعلن المرء بكلّ جرأة أنّ من حقّه أن يكون ملحدا أو شيعيّا أو بهائيّا أو....

•••

والواقع أنّ حالات «الانفلات» داخل المجلس التأسيسى بالرغم من الدعوات الملحّة إلى «ضبط النفس» واحترام اختلاف الرأى، متواصلة منها: نعت نائب من المعارضة زميلته من حركة النهضة بالجنون، وتعمّد نائب توزيع صور مسيئة للرسول، وبكاء نائب من حزب المحبّة (العريضة سابقا) مرّة تظاهرا بمدى حبّه للرسول، ومرّة للتأثير فى مسار التصويت، وصراخ نائبة من حركة النهضة تعبيرا عن رفضها للفصل 45 الداعى إلى إقرار مبدأ التناصف، ومع كلّ يوم تتوالى الأحداث الفاضحة لسلوك عدد من النوّاب الذين ما عادوا قادرين على عقلنة مواقفهم. ولعلّ رغبتهم فى استدرار العطف والتأثير فى نسق الأعمال، وكسب المعارك جعلتهم يتفنّنون فى توظيف الرصيد العاطفى.

قد نتفهّم التعب الذى انتاب النوّاب بسبب الجهد المبذول من أجل إتمام الدستور والذى جعلهم لا يسيطرون على سلوكهم وقد نتفهّم أنّ السياق السياسى الاجتماعى قد أثّر على مستوى أدائهم بسبب الضغوط الممارسة من القواعد على القيادة ولكن لاشكّ أنّ تجربة الخروج من منطقة «الإشعاع» إلى منطقة «الظلّ»، ومن حالة الاستمتاع بـ«الشهرة» وما يدّره المنصب من مكاسب إلى حالة «النكرة»، ومن حالة امتلاك سلطة القرار إلى حالة المحاسبة والتقييم والمساءلة.. تجربة مخيفة ومريرة، خاصة بالنسبة إلى النواب الذين شعروا بالمهانة والانكسار بعد استقالة حكومة «العريض». وكان الله فى عون الجميع فـ«الفراق صعب».

أستاذة بالجامعة التونسية

التعليقات