التفتيش عن الثوابت السياسية والالتزامات القومية - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 10:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التفتيش عن الثوابت السياسية والالتزامات القومية

نشر فى : الأربعاء 14 مارس 2018 - 9:45 م | آخر تحديث : الأربعاء 14 مارس 2018 - 9:45 م

يحار الإنسان عندما يحاول معرفة الثوابت المبدئية السياسية والالتزامات القومية العروبية التى تحكم الممارسات السياسية لأنظمة الحكم العربية فى أيامنا الحالية. بالطبع هناك فروق بين الأنظمة تلك فى نوعية وصدق الثوابت وفى مدى الالتزام القومى، لكن هناك صورة مشتركة لهذا الوضع العربى البائس والمحير.
لنأخذ بعض الأمثلة ونفتش فى ثنايا الأحداث والمواقف وما تتداوله شبكات التواصل الاجتماعى المختلفة عن تلك الثوابت والالتزامات. سنرى الغرائب والتراجعات والتخبط وحتى خيانة العهود من البعض.
المثال الأول هو ما تتداوله شبكات التواصل من أن ما يدعى بصفقة القرن الأمريكية بشأن القضية الفلسطينية ستقترح على العرب بناء وطن فلسطينى بديل يشمل أرض غزة المنكوبة وحوالى نصف صحراء سيناء، ويعطى للكيان المغتصب خمسة وتسعين فى المائة من فلسطين التاريخية.
لسنا معنيين بالأحلام الأمريكية البليدة المبتذلة بشأن إدارة أمور وطن العرب وفرض الوصاية على أمتهم. لكننا معنيون بادعاء مصادر الخبر (قد يكون كاذبا وبالون اختبار) بالقبول الرسمى المصرى للعرض إذا عوضت مصر ببلايين الدولارات كثمن وكطريق لإعمار الباقى من سيناء، وبالادعاء الآخر (وقد يكون كاذبا) بموافقة بعض دول الخليج العربية على تخصيص حوالى تريليون وربع تريليون من الدولارات لبناء ذلك الوطن ولتعويض مصر.
لو أن المصادر الصهيونية التى سربت الخبر نشرته قبل خمسين سنة لما أضعنا دقيقة من وقتنا فى قراءته ولاعتبرناه أضغاث أحلام. أما الآن فلم نعد واثقين فى الماضى كنا نعرف الثوابت والالتزامات واللاءات المعلنة التى تحكم الموضوع الفلسطينى من قبل جميع أنظمة الحكم العربية.
أما الآن فإننا، ويالهول المأساة، أمام ألف سؤال وسؤال وسيل متلاطم من الشكوك. فالرأى العام العربى ما عاد يعرف إن بقيت خطوط حمر لن يسمح بتخطيها من قبل أية جهة عربية مهما كان الثمن ومهما عظمت التضحيات. وما عاد الرأى العام العربى يعرف ما هو المقبول وما هو المرفوض من قبل غالبية الأنظمة العربية. والأدهى أن الرأى العام لا يسمع تعليقات أو تفسيرات رسمية لتخبره عن رد الفعل العربى تجاه كل تلك الأقاويل.
ولأن هناك غيابا شبه تام للثوابت السياسية والالتزامات القومية أصبحت مواضيع أساسية من مثل فجيعة تفاصيل عملية التطبيع مع العدو الصهيونى، وشعار يهودية الجزء المحتل من أرض فلسطين، ومصير القدس النهائى، ورجوع اللاجئين إلى أراضيهم وبيوتهم، ومقدار ونوع وأهداف التنسيق الأمنى مع الاستخبارات الصهيونية، والموقف العربى المشترك من التواطؤ الأمريكى ضد العرب، أصبحت جميعها إما أسرارا غير معروفة وإما قرارات أحادية قطرية لا تتناغم مع الإرادة العربية المشتركة.
المحصلة أن غياب الثوابت والالتزامات الواضحة جعل موضوع الصراع العربى ــ الصهيونى التاريخى، الذى مات من أجله الألوف وضحت الأمة فى سبيل حله بالغالى والرخيص، ساحة ظلام دامس وفوضى لا تحكمها مبادئ ولا معايير ولا التزامات قومية أو أخلاقية أو حتى إنسانية.
***
المثال الثانى هو الموقف العربى من الهجمة البربرية الإرهابية، المسماة زورا بالإسلامية، على كل الوطن العربى وكل مجتمعاته. بعد مرور كل تلك السنين لهذه الظاهرة المجنونة الهمجية، وبالرغم مما أحدثته من دمار عمرانى ومجازر بشرية، وبالرغم من ثبوت ارتباط قياداتها بالمخابرات الأجنبية الراغبة فى إنهاك أمة العرب وتجزئتها إلى نتف، بالرغم من كل ذلك لا تزال مواقف الدول العربية بالنسبة لهذا الموضوع متباينة ومتضادة إلى أبعد الحدود. لازالت بعض الأنظمة العربية تدعم هذا الفصيل الإجرامى أو ذاك، فى هذا البلد العربى أو ذاك، نكاية بهذا النظام العربى أو ذاك أو خدمة لهذه الدول الاستعمارية أو تلك.
لقد كان غياب المبادئ السياسية العربية المشتركة والالتزامات القومية الواضحة للتعامل العربى المشترك مع هذا الموضوع البالغ الخطورة، بل والمصيرى فى الحياة العربية الحديثة، فضيحة من فضائح هذا الزمن العربى الرديء البائس البليد. فلا الجامعة العربية نجحت فى وضع تلك الثوابت والالتزامات ولا مؤسسة القمة العربية الكسيحة الفاشلة تعاملت مع الموضوع بمسئولية وضمير يقظ.
وإلى اليوم، وإلى الغد المنظور، تبقى الإرادة العربية المشتركة مشلولة وعاجزة أمام هذه الظاهرة التى تهدد بزوال أوطان أو تفتيتها أو إخراجها من التاريخ أو تسليمها لقمة سائغة إلى الغول الصهيونى المستعد لابتلاع المزيد والمزيد من أرض العرب.
***
أمثلة ثالثة ورابعة وخامسة... إلخ، ودون دخول فى التفاصيل المعقدة، غياب ثوابت مبدئية سياسية عربية والتزامات قومية مسئولة تجاه مواضيع من مثل استباحة سوريا العربية من كل من هب ودب، ومأساة الحرب المدمرة فى اليمن المتجه نحو التقسيم والمسح من الخارطة، والمؤامرة الإرهابية فى سيناء، المدعومة من حقارة الخارج الاستعمارى وجنون الداخل العربى، وأوضاع السودان المتشابكة المهددة بالمزيد من التقسيم، والمؤامرات الخارجية والداخلية لبناء قوى عرقية انفصالية تؤدى إلى تجزأة هذا القطر العربى أو ذاك، وفضيحة الفشل فى بناء اقتصاد عربى مشترك وفى بناء قدرات تصنيعية عسكرية مشتركة، وغياب الموقف العربى المشترك تجاه العبث الأمريكى فى كل ساحات الأرض العربية، والوباء العربى الجديد المتمثل فى السماح ببناء القواعد العسكرية الأجنبية عبر الوطن العربى كله وإرجاعه إلى فترات الانتداب والاستعمار.
لنذكر من لا يقرأون ولا يبحثون بأن الاتحاد الأوروبى ما كان لينجح فى الوصول إلى ما وصل إليه، بالرغم من كل مشاكله الحالية، لو لم يتفق منذ البداية على ثوابت مبدئية سياسية تحكمه والتزامات لا يتخطاها أحد. وعلى العرب أن يتعلموا من ذلك الدرس.
أملنا فى أن توجد مجموعة من الأنظمة العربية، التى نرجو أن تتمتع بشيء من العقلانية والخوف على مصير أمتها العربية، أن تسعى لطرح موضوع تأسيس الثوابت والالتزامات من جديد، بعد أن فشلت الجامعة العربية ومؤسسة القمة العربية فى معالجة هذا الموضوع الإنقاذى والمصيرى الوجودى.

dramfakhro@gmail.com

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات