الإعلام والإرهاب - امال قرامى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 10:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإعلام والإرهاب

نشر فى : الثلاثاء 14 أبريل 2015 - 10:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 14 أبريل 2015 - 10:00 ص

هيمن موضوع الإرهاب على البرامج الإعلامية خلال هذا الأسبوع، لا على مستوى تحليل الأحداث الإرهابية مثلما جرت «العادة» بل على مستوى طرح إشكاليات تتعلّق بطرق تعاطى الإعلاميين مع هذه الظاهرة. ولأوّل مرّة يعبّر الإعلاميون التونسيون عن انشغالهم، وحيرتهم، وقلقهم، ويتجرؤون على التفكير بصوت مرتفع أمام الملأ، معترفين حينا بالمزالق، والتحيّزات، والضغوط الممارسة عليهم، والرقابة الذاتية التى يمارسها البعض، وصعوبة الموازنة بين الحياد، والانخراط فى هدف وطنى يتمثّل فى مكافحة الإرهاب ومدافعين حينا آخر عن مدى وعيهم بالتحديات، وحرصهم على تطوير أدائهم، والتزامهم بالضوابط المهنية.

وبعد أن ظلّ عدد من الإعلاميين طيلة سنوات الانتقال الديمقراطى يتلقّون الانتقادات والشتائم، والصفع، والركل، ورسائل التهديد، والتكفير بدعوى أنّهم يمثّلون «إعلام العار» و«إعلام الحجامة» (الحلاقة كناية عن ليلى بن عليّ) ها هم اليوم يكشفون المستور عن الضغوط التى يواجهونها من سلطة تُريد فرض رؤيتها للأحداث أو روايتها الرسمية بدعوى الحفاظ عن المصلحة العامة أو بتعلّة الحفاظ عن الأمن العام. وها أنّ الإعلاميين يناقشون مسائل تتعلّق بسبل إرساء ثقافة حرية التعبير، والتفكير النقدى.

•••

من الأهميّة بمكان أن يقوم الإعلاميون بالنقد الذاتى لا فى ما يتعلّق بالتعامل مع ملف الإرهاب فقط بل بمسائل مختلفة ذات صلة بالتكوين، والتأطير، ومحدودية الثقافة، وشيوع الاتكالية، وانسياق البعض نحو البحث عن الإثارة، وتحقيق السبق حتى وإن اقتضى ذلك مخالفة المعايير، والقيم، والانخراط فى «تبييض الإرهاب»، فضلا عن الميل نحو السهولة، والسطحية إلى درجة أنّ بعضهم كرّس ممارسات تثبّت صورة «الصحفى الموظّف» أكثر من الصحفى المهنى الراغب فى الارتقاء بعمله، وتجويد أدائه.

لابدّ من الإقرار بأنّ معهد الصحافة وعلوم الأخبار يحتاج إلى إعادة هيكلة حتى يوفّر تكوينا يلبّى الحاجة الماسة إلى بروز جيل من الإعلاميين المتخصّصين فى قضايا الإرهاب، وهو تكوين يشمل التمكّن من فهم تطور الحركات الإسلامية، ودراسات العنف، والسيميولوجيا، والدراسات الدينيّة المقارنية التى تعالج نشأة الأصولويات، وغيرها من الاختصاصات. وبالإضافة إلى ذلك لابدّ من تشجيع صحافة الاستقصاء حتى يتمكّن الإعلامى من المقارنة بين الرواية الرسمية التى تمثّل مصدر الخبر، وروايات أخرى تتجاور لتعرض رؤية مختلفة أو متطابقة مع الرواية الرسمية.

وعلاوة على ما سبق يتعيّن على الباحثين الانخراط فى إنتاج الدراسات الميدانية التى من شأنها أن تخوّل للإعلاميين تقديم تحليل للظاهرة الإرهابية من مناظير متعدّدة تشمل البعد الاجتماعى، والبعد النفسى، والبعد الدينى، والبعد السياسى، والبعد التربوى.. ولئن تأسست الهيئة التعديلية التى ترصد التجاوزات، وتصدر القرارات الرادعة دفعا بالإعلاميين إلى الالتزام بالضوابط المهنية فإنّ الوقت حان لأن تتولّى كلّ المؤسسات الإعلامية إصدار ميثاقها المهنى علّها بذلك تثبت أنّها قادرة على إصلاح القطاع.

ينمّ هذا النقاش والجدل حول طريقة التعامل مع الظاهرة الإرهابية إلا أنّ الموضوع لا يطرح فى تونس فحسب بل فى عدّة بلدان عربية وغربية وجدت نفسها وجها لوجه أمام هذا المارد، مفتقرة إلى رؤية واضحة الدلالة، وغير قادرة على صياغة استراتيجية قابلة للتنفيذ، وهو ما حدا باتحاد الإذاعات العربية إلى تنظيم ورشة يومى 7و8 أبريل فى تونس للنظر فى وضع الخطوط الكبرى لهذه الاستراتيجية الإقليمية.

ثمّ إنّ الحيرة التى يُبديها عدد من الإعلاميين توضّح الفارق النوعى بين من شغله هاجس إقامة المعادلة بين القيام بواجب الإخبار ومدّ الجمهور بالمعلومة، من جهة، وعدم السقوط فى الدعاية للإرهابيين من جهة أخرى، وبين فئة ممن يحتسبون على الإعلام ينخرطون فى خدمة «لوبيات المال والإعلام والفساد، والسياسة».

•••

إنّ فتح حوار عام حول أداء الإعلاميين على مستوى لغة التقارير، والمفاهيم المعتمدة فى صياغة الأخبار، وبنية الخطاب، وطرق تغطية الأحداث الإرهابية، وطريقة توظيف الفيديوهات والصور، والتعامل مع ما يُتداول فى الميديا الاجتماعية من مادة يبثّها الإرهابيون، فضلا عن ضرورة إفساح المجال للجمهور حتى يشارك فى النقاش يُعدّ فى تقديرنا، علامة صحيّة، ونقلة نوعيّة فى مستوى تفاعل القطاع الإعلامى مع المناخ الجديد ومختلف الأحداث الطارئة. ولكن هل تتوفّر الإرادة والاستعداد والعزم لدى الإعلاميين حتى يطوّروا قطاعهم؟ وكم عدد هؤلاء الذين يريدون الوقوف ضدّ التيار: تيّار الرداءة؟

التعليقات