عن جنون العظمة.. تعقيب على أستاذتنا نيفين مسعد - حامد الجرف - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 11:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن جنون العظمة.. تعقيب على أستاذتنا نيفين مسعد

نشر فى : الثلاثاء 14 نوفمبر 2023 - 5:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 14 نوفمبر 2023 - 5:35 م

بذات العنوان كانت مقالتها القيمة المنشورة بصفحة الشروق بتاريخ 7 نوفمبر. وفي البدء يلزمني أن أشير لأمرين: الأول: أن لفظة أستاذتنا في مفتتح تعقيبي هذا، هي للتوقير والإكبار، إذ نحن من فترة جيلية متقاربة فلا يكبر أحدنا الآخر إلا بسنوات معدودات. والثاني أن أستاذيتها مؤكدة بما لا يقتضي الأمر معه ذلك التعريف المستطيل بها وبمناصبها السابقة والحالية والتي يُجبها كلها، أنها أستاذة مرموقة لعلوم السياسة بأرقى جامعة مصرية فضلاً عن كونها أديبة لا تخطئ العين انتماءها لعوالم الأدب.

وربما كانت استطالة عبارات التعريف بها ذات صلة ما بموضوع المقال الذي أعقب عليها بشأنه، إذ لا أرى فيما ذكرته بالتعريف بها، ما هو أرفع من كونها أستاذة جامعية ذات قدر بين أقرانها من ذوي التخصص، بما يُجب كل صفة أخرى، ما كانت إلا في مسار ترقيها العلمي، أو لما تمثله أستاذيتها من مكانة، فكل تلك الصفات إنما كانت سببا سابقا أو أثرا لاحقا لأستاذيتها، بما يكفيها تعريفا ومكانة.

أما انتماؤها لعوالم الأدب نسبا وسلوكا وإنتاجا، فلا يحتاج مني لكثير بيان أو لمزيد تدليل، فها هي كتاباتها الأدبية، ذكاء في اختيار الموضوعات، ورهافة في الشعور، ورشاقة في التناول، ودقة في التصوير، وحرفية في الإمساك بمفاصل الصورة، وبلاغة في السرد والتعبير، وما البلاغة إلا في وضوح الإبانة على حد تعريف عبدالقاهر الجرجاني لها.

وتعقيبي على مقالها عن جنون العظمة، يرتد لقصور تناولها له، رغم قدرتها عليها فما فشو تلك الظاهرة – والتي ذكرتنا هي في تجسيدها لها بالأستاذ دسوقي سكرتير المحامي تلك الشخصية التي جسدها باقتدار فناننا الكبير عادل إمام – إلا تجسيداً لشخصية مقهورة بالأساس، بفعل عوامل الاستبداد السياسي والديني والثقافي والطبقي، فلا تجد أمامها من سبيل للتعايش مع محيطها إلا في التمسك بموقعها رغم ضآلته والنفخ في نيران وجودها كوسيلة دفاع نفسية مؤكدة، فتتضخم ذاتها على الرغم من ضآلتها فتنتج لنا العظمة المجنونة والمجوفة معا.

ذلك هو الرافد الأول في إنتاج واستفحال تلك الظاهرة، أما رافدها الثاني المغذي لها فيرتد إلى أن من تصيبه لعنتها إنما يرى الأمور وقد أُسندت لغير أهلها من شذاد الآفاق وعديمي الموهبة ومفتقدي الكفاءة. فتزداد دوافعه المكبوتة والمقهورة أصلا لتضخم ذاته كوسيلة دفاع عن النفس، ولتنتج لنا ظواهر فرعية أخرى، ليس أقلها اختلاق المكانات بالتسميات المتوهمة، وادعاء الألقاب، وانتحال الرتب العلمية وغير العلمية، واصطناع المواقف، بل وإعادة بناء التاريخ الشخصي بتوهم البطولات الزائفة. ذلك كله يرتد لهذين الرافدين معا، الاستبداد من جهة، وتسييد من ليسوا للسيادة بأهل من جهة أخرى.

وكذلك، فإن وهم النخبوية – على حد ما وصفه الفيلسوف اللبناني علي حرب – يسهم مباشرة كذلك في تفاعل هذين المغذيين في نفس المثقف على وجه الخصوص، والذي يجد نفسه محاصرا، لا من خارج ذاته، بل من نرجسيته هو وتعامله مع نفسه على نحو اصطفائي، وتصوره – تجاوزا – بأنه يمثل وحده عقل الأمة، وضميرها الحي، ويقوم منفردا على حراسة وعيها، فإذ به يجد نفسه في المؤخرة منها بقدر ما اعتقد أنه يقودها، وإذ بدوره وقد تهمش بقدر ما توهم أنه يحرر مجتمعه من الجهالة والتخلف، فيدفع ثمن نخبويته بعزلته عن الناس، إذ يغرق في أوهامه بما يجعله في النهاية فريسة سهلة لجنون العظمة كذلك، كوسيلة دفاع عن ذاته المقهورة والتي يقدر هو أنها ما كان لها أن تكون كذلك.

ولأن ذلك كله قريب الصلة بمجال تخصص أستاذتنا، تعجبت لغيابه عن تحليلها، لذا لزم التنويه. مع كامل مودتي وتقديري لشخصها ولذكرى والدها العزيز.

حامد الجرف قاضٍ مصري سابق
التعليقات