تحديات أوروبية - ناصيف حتى - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 8:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحديات أوروبية

نشر فى : الإثنين 14 ديسمبر 2020 - 9:10 م | آخر تحديث : الإثنين 14 ديسمبر 2020 - 9:10 م

يواجه الاتحاد الأوروبى تحديات عديدة ومتزايدة كما دلّت على ذلك مداولات القمّة الأوروبية التى انعقدت منذ أيام. أول هذه التحديات تكمن فى كيفية التعاطى مع جائحة الكورونا وتداعياتها السلبية على الاقتصادات الوطنية وكيفية دعم هذه الاقتصادات التى كانت تعانى أساسا من فترة ركود. وللتذكير لم يكن من السهل أبدا التوصل إلى قرار فى القمة الأوروبية فى يوليو الماضى بتوفير حزمة مالية بحدود 750 مليار دولار تقترضها المفوضية الأوروبية فى الأسواق: قسم منها بحدود 390 مليار دولار مساعدات وقسم آخر بحدود 360 مليار دولار قروض؛ إنها «خطة مارشال» أوروبية هذه المرة.
القارة القديمة تدرك اليوم أنها تراجعت على صعيد المكانة الدولية وعلى صعيد الإمكانات الاقتصادية الوطنية والأوروبية أمام الدور الصينى الناشط والمتمدد والدور الروسى العائد إلى جانب بالطبع الدور الأمريكى الذى تعرّضت علاقات أوروبا معه للتوتر الذى بقى مقيدا ولعدم التفاهم وغياب التعاون كما وصف مسئول أوروبى الوضع بين الركنين الأساسيين فى الحلف الغربى وذلك بسبب السياسات الأحادية الحادة التى اتبعها الرئيس ترامب.
القمّة التى انعقدت منذ أيام انكبّت على موضوع أساسى وهو إعادة صياغة العلاقات مع بريطانيا بعد خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبى وهو ما شكّل إضعافا للطرفين فى أكثر من مجال ولو أن كلا منهما يرى فى ذلك الطلاق الحل الواقعى بسبب الخلافات المستمرة والمستقرة بينهما. أهم نقاط الخلاف التى لم تحل بعد تتعلّق بالعناصر الرئيسية التى ستستند إليها الاتفاقية التجارية التى ستنظّم العلاقات بين الطرفين. قضية أخرى على جدول أولويات القمة تتعلّق بالعلاقات مع تركيا والتأزّم الذى أصاب هذه العلاقات بسبب السياسات التركية بشكل خاص فى الشرق المتوسط وتجاه قبرص واليونان وفى الأزمة الليبية. وقد برز اتجاه لعقد مؤتمر أوروبى تركى للبحث فى هذه الخلافات ومن ضمنها أيضا بالطبع قضية الطاقة «الغاز». وهنالك توجّه بأن يكون المؤتمر أوسع من حيث المشاركة على أن تنظّمه الأمم المتحدة رغم أن أى شىء عملى حتى الآن لم يظهر إلى الوجود فى هذا الشأن. من الأمور النزاعية أيضا بين الطرفين الأزمة الليبية فى إطار التصعيد المتبادل وحيث لوّحت أوروبا باللجوء إلى سياسة العقوبات بشأن جميع هذه المسائل الخلافية لاحتواء ما اعتبرته سياسات أحادية تتّبعها تركيا تعرّض الاستقرار والأمن فى المتوسط للخطر. ويبقى الملف الليبى أحد التحديات الأساسية مع أوروبا مع وجود تمايزات فى المواقف ولكنها مقيّدة بين الأطراف الأوروبية الرئيسية المعنية بهذا الملف. تميزات تعكس الاختلاف بين المصالح الوطنية لهذه الدول. رغم ذلك يبقى هذا الملف أساسيا عند الاتحاد الأوروبى لما يشكّله من خطر على الاستقرار فى الجوار الأوروبى المباشر وفى منطقة المغرب العربى وما تشكّله ليبيا كبوابة للقارة الأفريقية أو جسر عبور رئيسى للهجرة غير الشرعية إلى القارة القديمة. الهجرة التى استقرت على سلّم الأولويات الأوروبية لما لها من تداعيات أمنية واقتصادية وسياسية واجتماعية ولأنها كما يذكّر مسئول فى بروكسل تبقى أحد روافد «الإرهاب الإسلاموى». فبيئة مجتمعية تعيش توترات مختلفة تبقى بيئة حاضنة ومصدّرة لهذه الراديكاليات الخطيرة ليس على القارة الأوروبية فحسب بل على الأمن المتوسطى والعلاقات عبر المتوسط بشكل عام، كما يقول أكثر من مسئول أوروبى.
عنصر إيجابى يراه الأوروبيون يتمثل فى تغيير القيادة فى واشنطن إذ أن هنالك عودة إلى التعاون الطبيعى والتقليدى بين الحليفين فيما يتعلّق بالتمسك بمنطق الشراكة الاستراتيجية وتجديدها حيث يجب دون أن يعنى ذلك غياب أى خلافات بين الطرفين ولكن يمكن استيعادها دائما ضمن منطق الشراكة الاستراتيجية الأطلسية. هذه أيضا إحدى النقاط الرئيسية التى تناولتها القمّة الأوروبية الأخيرة وقد انطلق الحوار الأمريكى الأوروبى فى ملف ساخن يهم الطرفين وهو الملف النووى الإيرانى. ويقوم الطرف الأوروبى بلعب دور جسر تواصل وحوار بين الإدارة الجديدة وإيران يمهّد فى عودة واشنطن إلى الاتفاق النووى ولكن مع المقترحات والشروط التى تتمسّك بها الأخيرة لتعزيز الاتفاق والتى تلقى تأييدا أوروبيا.
الحديث عن الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية التى دعت إليها فرنسا لا تعنى إضعاف التعاون العابر للأطلسى «الأمريكى الأوروبى» بل إعادة بنائه على أسس جديدة تقوم على التوازن فى الشراكة وفى المسئوليات حسب هذا المفهوم. وقد عبّر عن ذلك وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا، الدولتان اللتان شكّلتا دائما قاطرة البناء الأوروبى، فى مقالة مشتركة. وقد ذكر الوزيران أننا لم نعد نسأل أنفسنا ــ نحن الأوروبيون ــ ما يمكن أن تفعله أمريكا إنما نسأل أنفسنا عمّا يجب أن نقوم به للدفاع عن أمننا وعن إقامة شراكة عابرة للأطلسى أكثر توازنا: إنه طموح أوروبى كبير ينعكس أيضا على إعادة توزيع الأعباء كما تطالب واشنطن والمسئوليات فى إطار منظمة حلف شمال الأطلسى. بقى على دول الاتحاد الأوروبى بلورة القناعة وثم توفير القدرة لترجمة ذلك إلى سياسة فعلية وفاعلة على الصعيد الدولى، وهذا ليس بالأمر السهل ولكنه ليس بالمستحيل كما يرى البعض.

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات